المحلل السياسي محمد أحمد تميم تكتب : تنصيب كمرد أركو وتعقيدات الوضع في دارفور

شهدت الساحة السياسية في السودان حدث تنصيب كمرد مني اركو مناوي وسيظل حدثاً يسجله الواقع ويتحدث عنه المستقبل. نعايشه الآن بكل تداعياته, وعيون زرقاء اليمامة التي يتمتع بها حصفاء التحليل السياسي والعمق الاستراتيجي ترى شجراً كثيراً يسير..؟!

لعلنا شهدنا تلكم الهالة الإعلامية والجماهيرية التي صاحبت التنصيب وسط حشود وتحوطات أمنية عالية لتتم تغطية الحدث من حاضرة ولاية شمال دارفور (فاشر السلطان) كخطوة من خطوات تنفيذ اتفاق جوبا والتي نصت على نظام حكم الأقاليم شكلاً من أشكال نظام الحكم في السودان, لينبري نفر كريم من قيادات حركات الكفاح المسلح متسيداً إقليم دارفور الملتهبة دائماً ولم تكن نار فتنتها كقشة الكرين تضيء لحظة وتموت بل كنيران المجوس التي لا تنطفئ أبداً. لا شك في أن كمرد مني اركو مناوي له تجارب على الحكم والقيادة العسكرية والمدنية ولا حدود لطموحه ويمتاز بالكرم والشجاعة والإقدام التي جعلت منه متحمساً لحكم دارفور في ظل تعقيدات لا حول له ولا قوة بها.

فالوضع الذي تعيشه دارفور الجود فيه يفقر والإقدام فيه قتال. إقليم دارفور ظل “طلسماً” صعب تفكيكه والتعامل معه في ظل حكومة ديمقراطية وحكومة عسكرية لعقود من الزمان وها هي حكومة الفترة الانتقالية تأتي بتجربة فريدة بعد أكثر من ثلاثة عقود من الزمان على حال السودان بصورة عامة وإقليم دارفور بصورة خاصة, وأياً كان شكل التنظير والحكم إلا أنه يتوقف على محددات قد تكون عقبة يستحيل القفز فوقها لتجسيد حكم مستقر في دارفور.

أولها القبلية: دارفور تتمتع بأكبر عدد من القبائل المتناحرة دون غيرها في السودان، بيد أن بها قبائل لا حدود جغرافية لها مع تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا ودول أخرى. فهذه القبائل تفرز على بعضها البعض طابع الدونية وإلغاء الآخر من أعلى موجة انتهاك وإهدار للآخر تماماً, تتمتع هذه القبائل بأنفة المكان لنا لا لغيرنا بأي منطق وتسابق القوة والتسلح لفرض السيادة. هذا لربما لردح الأقليم في الحروب القبلية وكثرة  حركات الكفاح المسلح في الإقليم وباسم إنسان الإقليم مع تقصير كامل للحكومات المتعاقبة, وتقصيرها في دارفور منذ الثمانينات. كل هذه الظروف جعلت من سلطة القبيلة فوق سلطة الدولة أمر طبيعي جعل التعصب للقبيلة حاضراً وأفول التعصب للأقليم.

ثانياً الوضع الأمني في دارفور: فبرغم كل العهود التي وقعت مبشرة بالسلام إلا أن إنسان دارفور لم يهنأ بالأمن لحظة إلى هذه اللحظات التي أكتب فيها. فكل جولات السلام كأنك يا أبوزيد ما غزيت.. ولا شفت الغزو” وما يحدث اليوم في دارفور خير شاهد ودليل. هذا بغض النظر عن السلاح المنتشر وبحوزة المواطنين, كل أشكال السلاح باستثناء الطيران الحربي، وضع أمني مزرٍ يفرض على الكل حمل السلاح وامتلاكه محافظة على حياته وأملاكه مع ذلك حملة جمع السلاح لم تُجدِ نفعاً.

ثالثاً: هناك حركات في ليبيا لم توقع سلاماً وهي تقاتل بقضايا دارفور ولها من القوة والعتاد العسكري، ولعل استخبارات القوات المسلحة والدعم السريع تعلم ذلك جيداً وكذا الحركات الموقعة في جوبا.

رابعاً: هناك فتى أسمر يدعى عبد الواحد محمد نور كما قال الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” ما زال نائياً عن توقيع السلام وله جيش بكامل عتاده وله جماهيره وله تأثير على كثير من معسكرات النازحين التي تدولت القضية الدارفورية بهم, بيد أنهم يرون في عبد الواحد محمد نور الخلاص. أذكر يوماً وفي اتفاقية الدوحة في عهد النظام السابق في محاولة ذكية للسلام واستقرار الوضع في دارفور كان قد أبلغ النظام “أوباما” أن الدوحة اكتمل فيها سلام دارفور في محاولة للتخفيف على الوضع بالسودان فسألهم إن كانت اتفاقية الدوحة تحوي عبد الواحد محمد نور أم لا؟ عندها كان الرد لا فقال اوباما لم يكتمل السلام إذن!! هذا بغض النظر عن الإثنية التي ينحدر منها ويعتبرون دارفور هي دارفور.

خامساً: وضعية موسى هلال في الإقليم والكل يعرف جيش الصحوة وإمكانياته، ولا شك في أنه زعيم ويتمتع بقبول وسط إثنيته, فلم يعلم له موقف واضح من الدولة هل هو مع أم ضد؟ لكن له حضور في الإقليم. وأذكر حسب تحليلي هو قلل من تعقيدات تروج يشيب لتفاصيلها الرأس..

أظن أنه من الحكمة ومسلمات الإدارة والسوية تجسير تلكم العقبات وحل هذه التعقيدات أولاً من خلال آليات لتكون بمثابة توطئة لتنصيب أي من المسميات أو الأسامي حاكماً لإقليم دارفور، فتنصيب مني في ظل هذا الوضع والظرف الذي تعيشه دارفور في هذه الآونة وبرغم تنفيذ ذلك كثير من بنود اتفاق جوبا، إلا أنه دفع به باستعجال أخشى ألا تعقبه ندامة. وغياب حكمة الساسة تجاه دارفور لا يجعل منها ملاذاً آمناً لاستقرار أهلها والسودان.

نسأل الله أن يوفق كمرد أركو في إدارة دارفور وتضافر جهود المركز ليتخطى كل الصعاب والتعقيدات ليجسد تجربة حكم رشيد في إقليم دارفور وتكذب عيون زرقاء اليمامة ثلاثية الأبعاد والتي ترى شجراً كثيراً يسير.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى