عبدالله مسار يكتب : بناء الأوطان

الوطن هو الأم الرؤوم لأبنائها، وهو الوالدة الحنون لأولادها، وهو البيت الوريف، وهو الدار الكبيرة الوسيعة اللامة والمُحتضنة الجميع، وهو الملجأ والمنجا، وهو الحضن الدافئ، لذلك يتغنى له وبه العشاق ويترنم بأهازيجه طرباً وفرحاً خُلص بنيه،  ويهيمون في حبه وولهه.

السودان بالذات له شوقٌ وحنينٌ وتغنى في هيامه فحول الشعراء والمغنون ونظموا القصائد وسالت الدماء وبذلت فيه الأرواح والمُهج في كل عصور مجده الأول، ولكن في هذه السنين صرنا نرى المدافع عن الوطن منافقًا ومتملقاً، صار الذي يسب الوطن مناضلاً ووطنياً حتى خاف الوطنيون وسكتوا وصار صوت العملاء والأجراء وبائعي الوطن هو الأعلى.

أيها السادة، الأوطان لا تُبنى بالدينار والدرهم والدولار ولا بالبترول والغاز والنفط، ولكن تُبنى بقناعة أبنائها وبحبهم وإخلاصهم لها.

الأوطان لا يبنيها من يحرِّض ابنه لأخذ جنسية أخرى، ولا من يسعى لجنسية وطن آخر، لأن ذلك مزدوج الولاء.

الأوطان لا تبنيها القلوب الواجفة ولا الأيدي الراجفة والنقاد وأصحاب الهوى  ولا الذين يحرِّضون ضد أوطانهم، الأوطان تبنى باليقين والقناعة والفكر الثاقب الحكيم والضمائر النظيفة.

جزيرة العرب كانت مهللة مقسمة لما نزلت عليها الرسالة وانتشرت عند قوم صدق ولديهم قناعة بفكرهم ودينهم دانت لهم الدنيا، ففتحوا الروم والفرس في  ثلاثة عشر وخمسة عشر عاماً، وكان لديهم أقوى أسطول بحري يجوب مياه العالم في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان بل وصلوا الى الهند والسند وفتحوا الأندلس، كل ذلك بالقناعة واليقين.

الأوطان لا تبنى بالدسائس والمُؤامرات ولا بالأجساد بالداخل والقلوب والمصالح في الخارج.

الأوطان لا يبنيها من قلبه وعقله وفكره بالخارج وجسده فقط في الداخل الذين ينقلون خيرات بلادهم خارجها، والذين يسعون ليحصلوا لأولادهم على جنسية أخرى للظروف، والذين يبخسون أرضهم وعرضهم لا يمكن أن يبنوا بلادهم، والذين يظنون أن البلد يبنيها الذهب والفضة والبترول والكهرباء حالمون وهَمّ بعضهم يشتمها ليلاً ونهاراً ويعظموا بلاد الآخرين وينقلون من الآخرين قُبحهم وقبيحهم الى بلادهم!

البلاد التي بناها بَنُوها، بُنيت بالقناعة واليقين، بُنيت بحبها والإخلاص لها.

الذين يقزمون أوطانهم ويعظمون أوطان الآخرين لن يبنوا وطن الذين يودعون خيرات بلادهم في بلدان الآخرين، لن يبنوا وطن الذين اذا أعطوا فرحوا، واذا لم يعطوا شتموا وسبوا لا يبنون أوطانهم.

أيها السادة، للأوطان ضريبةٌ وثمنٌ، ومهر الأوطان الدم والمهج، فلن يبنى وطن بهذه الطريقة، لا يمكن  أن نبني وطناً يعظم ويكرم الجهلول الذي يشتم في وطنه كل حين ويخون الوطني الذي يمدح ويعظم وطنه، إنها فعلاً المعايير المقلوبة.

البلاد العظمى قامت بحُب وإخلاص أبنائها لها، أين نحن من دول كانت في ذيل دول العالم بفعل أبنائها صارت في المراقي.

يا أبناء وبنات السودان ارفعوا من قيمة وطنكم ترتقوا،  عظّموا من شأو وطنهم يعظمكم الآخرون، تسبون أوطانكم يسبها الآخرون، وعلى عيونكم وطن عزيز  وغالٍ مثل السودان، حرام أن يكون فيما هو عليه الآن.

الوطن ليس الحكومة ولا مجلس السيادة، ولكن الوطن الشعب.

أين شعب السودان وأين دوركم في بناء ورفعة وطنكم،  السب والشتم لا يبني وطناً ولكن بالعمل والعلم والجد والمُثابرة والصبر يبني الوطن.

وطن كالسودان حرام أن يتلقى الإغاثات ويجود عليه الآخرون من شعوب العالم بعرق جبينهم.. إنها المذّلة!

أيها السودانيون، علينا ان نراجع أنفسنا، ونرفع من شأن وطننا، ونترك التخوين والتنابذ والتشاحن والبغضاء والأنانية وحب الذات وصراع الأمزجة والاهواء، ماضينا افضل من حاضرنا بكثير، وعليه فلننظر الى المستقبل وليكن مستقبلنا افضل من ماضينا وحاضرنا.

نسأل الله تعالى أن يتحقّق ذلك وقريباً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى