عبدالله مسار يكتب :الموظف العام بين الحاجة والضمير

قيل إنّ رجلاً جاء الى محل دجاج ومعه دجاجة مذبوحة يُريد تقطيعها، فقال صاحب المحل لصاحب الدجاجة عُد اليّ بعد ساعة لأجهّزها. وذهب صاحب الدجاجة لشأنه ليعود بعد حين.
ومرّ قاضي المدينة على محل الدجاج، وقال له اعطني دجاجة، فأجاب صاحب محل الدجاج ليس عندي إلا هذه الدجاجة المذبوحة وهي لرجل سيرجع ليأخذها.
فقال القاضي لصاحب المحل اعطني إياها وقُل لصاحبها عند عودته أنها طارت وإن اعترض دعه يشتكيك ولا يهمك
ثم أخذ القاضي الدجاجة وذهب.
وجاء صاحب الدجاجة الى محل الدجاج كي يأخذ دجاجه، فأخبره صاحب المحل بأنها طارت، فغضب صاحب الدجاجة وقال لصاحب محل الدجاج انت مجنون، لقد احضرتها لك مذبوحة فكيف تطير وهي مذبوحة.
هيا نذهب الى المحكمة لنتقاضى عند القاضي ليحكم بيننا ويظهر الحق.
وأثناء ذهابهما للقاضي مرّا بمسلم ويهودي يقتتلان، فأراد صاحب محل الدجاج أن يفصل بينهما ولكن اصبعه دخل في عين اليهودي ففقأها.
تجمع الناس وأمسكوا بصاحب محل الدجاج وجروه الى عند القاضي وعندما اقتربوا من المحكمة أفلت منهم وهرب ودخل مسجداً وصعد فوق المنارة فلحقوا به، فقفز من فوق المنارة ووقع على رجل كبير فمات الرجل.
وجاء ابن الرجل ولحق بصاحب محل الدجاج وأمسكه هو وباقي الناس وذهبوا به الى القاضي.
فلما رآه القاضي تذكّر حادثة الدجاجة وضحك وهو لا يدري أن الرجل عليه ثلاث جنح، وهي سرقة الدجاجة وفقي عين اليهودي وقتل الرجل المسن.
ولما علم القاضي بالثلاث جنح أمسك رأسه وجلس يفكر ثم قال دعونا نأخذ القضايا واحدة واحدة.

نادوا أولاً على صاحب الدجاجة.
قال صاحب الدجاجة هذا سرق دجاجتي وقد أعطيته لها مذبوحة، ويقول إنها طارت، كيف يحدث ذلك يا سعادة القاضي..؟
قال القاضي هل تؤمن بالله، قال نعم، قال القاضي يحيي العظام وهي رميم، قم فمالك شيء عند الرجل.
احضروا صاحب الدعوى الثاني.
جاء اليهودي قال هذا الرجل فقأ عيني، فقال القاضي لليهودي العين بالعين والسن بالسن، ولكن دية المسلم لأهل الذمة النصف.
يعني نفقأ عينك الثانية حتى تفقأ عيناً واحدة للمسلم، فقال اليهودي لا لا أنا أتنازل عن الادعاء عليه.
فقال القاضي اعطونا القضية الثالثة.
جاء ابن الرجل المسن الذي توفي، وقال هذا الرجل قفز على والدي من فوق منارة المسجد وقتله.
فقال القاضي اذهبوا بالمتهم الى نفس المكان اصعد أنت فوق المنارة وأقفز عليه، فقال الشاب ولكن يا حضرة القاضي إذا ما تحرك يميناً أو يساراً يمكن أن أموت أنا.
قال القاضي والله هذه ليست مُشكلتي لماذا لم يتحرّك والدك يميناً ويساراً؟ فقال الشاب لا لا أريد شيئاً منه وأتنازل عن الادعاء عليه .

هذا القاضي عايش بين حوجته وضميره، فاختار الحوجة الى الضمير.
لأن الحوجة تغطي حاجة الأسرة القريبة والضمير يغطي حاجة صاحبه وحاجة المجتمع.
إذن المطلوب تغطية حاجة الموظف العام ومطلوباته ليحافظ على ضميره والمجتمع هذا يعني فساد الموظف العام من فساد الدولة، إذا لم توفر الدولة حاجيات الموظف العام لا يمكن أن تُطالبه أن يكون رمزاً للأمانة والعفة والصدق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى