صلاح الدين عووضة يكتب : ربنا موجود !!

عقلك يخدعك..

يخدعك… يغشك… بيضحك عليك..

ولكنه خداعٌ في مصلحتك؛ فإن لم يفعل فسوف تتعب في هذه الحياة..

فهو يساعدك لكي تنسى كل ما يُؤلمك؛ نفسياً..

يساعدك لكي تنسى موت عزيز؛ وتواصل رحلتك في الحياة… فالحي أبقى من الميت..

وما يؤلمك – عضوياً – هو يطرق عليه بشدة؛ تذكيراً..

يطرق على الألم لتعمل على علاج مصدره؛ وبدون هذا الألم فلن تدرك أنّك تُعاني..

فالنسيان هنا مضر.. والصراحة خيرٌ من الخداع..

فهو – إذن يعرف – متى يخادعك… ومتى يصدقك؛ وفي كلا الحالين هدفه مصلحتك..

وحين تتعرّض إلى ظلم ما من سبيلٍ إلى رفعه عنك يخدعك..

أو يجتهد في فرض نعمة النسيان عليك؛ كيلا تجهد نفسك فيما هو ميئوسٌ منه..

فإن عاندت هذه النعمة – رفضاً – فذنبك على جنبك..

على صحتك… على قلبك… على كبدك… على معدتك… على شرايينك… على نفسياتك..

ولذلك يصح أن نقول (عقلي دليلي)… لا (قلبي)..

فهو – مثلاً – قد ينصحك بتناول ما هو مَالِحٌ إن كان جسمك بحاجةٍ إلى أملاحٍ..

أو ما هو حلوٌ إن كان بحاجةٍ إلى سُكّرياتٍ..

فدع مظلمتك للأقدار… خلِّيها على الله..

ولكن شريطة أن تبعدها عن حياتك إلا قليلا… إلا خيالا… إلا طيفا… إلا طشاشا..

وفي حي الرمل – بالإسكندرية – ذهبت يوماً إلى الحلاق..

وأثناء انتظار دوري انتبهت لمجاورتي اثنين من المسنين يتجادلان بهمسٍ غاضبٍ..

فقلت في سري: ربما يشكوان لبعضهما تنمُّر زوجتيهما..

أو عقوق أبنائهما… أو تأخُّر معاشيهما… أو أي همٍّ حياتي مما يشغل أذهان المسنين..

ثم سمعت أحدهما يجهر بعبارة (ربنا موجود)..

فعلمت – فوراً – أنّ الهم ذو صلة بمظلمةٍ ما؛ ولكني فُوجئت بشيءٍ أدهشني جداً..

فقد كانا يتناوبان صحيفة غدا لونها في لون بقرة بني إسرائيل..

وذلك حين مال نحوي أقربهما إلى مغمغماً بفمٍ خلا من الأسنان (بُص يا أستاذ)..

فبصصت؛ فإذا إعلان من محكمة يعود إلى العام (46)..

ثُمّ واصل في فحيحه (بُص حضرتك أنا مظلوم إزاي… ده حتى ما يرضيش ربنا)..

كان الإعلان عن نزاع في عقار بحي الإبراهيمية..

فلم يزد ردي عن ترديد لعبارتهما تلك نفسها (ربنا موجود)..

فهمهم بأسى (ونعم بالله)..

والآن هل تذكّرت ظلماً واقعاً عليك منذ عشرات السنين؟..

وإن صحائفه القديمة – لا الجديدة المُتجدِّدة – صارت في لون بقرة بني إسرائيل؟..

وإنه سيظل مُقيماً إلى أن يفقد فمك أسنانه؟..

وإن عقلك حاول أن يضحك عليك؛ ولكن الظالمين يضحكون – بدورهم -عليك؟..

يضحكون عليك – وعليه – وهُم يتلذّذون بعذابك؟..

وإن عذاباتك هذا تطاولت أعوامها؛ عاماً بعد عام… إثر عام… تلو عام؟..

وإنك كلما حاولت أن تزيل عنك ظلمك هذا تجدّد الظالمون؟..

تجدّدوا… أو تكرّروا… أو تناسخوا؟..

إذن فليس أمامك سوى ترديد عبارة واحدة:

ربنا موجود !!.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى