منى أبو زيد تكتب : سُعار سِياسي..!

“كرامة النساء في كل المُجتمعات هي شجرة وعي، وأنسنة المواقف والأحكام من أهم عناصر تمثيلها الضوئي”.. الكاتبة..!

 

ضجَّت مواقع التفاكر السودانية على شبكة الإنترنت – الأيام الماضية – بخبر حادثة تحرُّش أستاذ جامعي بإحدى طالباته ومُحاولته ابتزازها بطلب ممارسة أفعال مُخلة. وذلك في مقابل مساعدات مادية وأكاديمية ظل يَعِدُها بتقديمها. أداة الجريمة الظاهرة والمُؤكّدة كانت هاتفه المحمول والأدلة على ثبوت ارتكابه للتهمة كانت رسائلَ وصوراً خادشة قام بإرسالها من خلال أحد التطبيقات على هاتفها المحمول..!

ولأننا في عصر المُواطن الصحفي، فقد تداولت بعض الصفحات الإلكترونية مقطع فيديو يُسجِّل المُواجهة التي تمّت بين من يمثلون الطالبة الضحية وذلك الأستاذ الجامعي غير المُحترم –  وقد حوى ذلك المقطع الكثير من”الزرزرة” والاستنطاق، بأسئلة مُباشرة وأسئلة معاكسة على طريقة “الكروس إكزامينيشن” في قاعات المحاكم. وكل هذا جيِّدٌ..!

جيِّد جداً أن المواطن السوداني قد تحرّر من الاكتفاء بكونه مستقبلاً للخبر الصحفي وبات صانعاً له وقائداً لحملات مُنظّمة تستهدف الرأي العام بشأنه. ولكن غير الجيد أو المُؤسف حقاً هو أنّ هذا الانفتاح على صناعة الخبر – والذي مَهَّد الطريق لقياس مُعدّلات الرأي العام بشأنه – قد كشف الغطاء عن بعض عيوب وأخطاء طرائق تفكير العقل الجمعي في السودان، التي اتّضح أنّ أولها وأولاها “إقحام السياسة في كل شأن عام أو خاص، وتسييس المواقف وردود الفعل حتى وإن كان الأمر حاجةً إنسانيةً أو سقطةً أخلاقيةً”..!

ومن مظاهر إقحام السياسة تلك انقسام الرأي العام على مواقع الإنترنت – بشأن قضية التحرُّش تلك – إلى فريقين، أحدهما يقول بأن الرجل “كوز”، ويستدل بذلك على نفاق وضاعة أخلاق الإسلامويين، والآخر يقول بأنّ الرجل “قحَّاتي” ويستدل بذلك على وقاحة وانتهازية المُنتمين إلى “قِوى الحُرية والتّغيير”. وهكذا، عِوَضَاً عن التركيز على “متن” القضية انزلق الرأي العام السوداني إلى تحت مُستوى خط الهامش..!

انصرف الناس عن الشّجب والتّنديد بفظاعة أمرٍ جللٍ مثل تحرّش أستاذ بطالبته، وانشغلوا بالبحث المحموم عن أدلة تثبت حقيقة الانتماء السياسي لرجلٍ مُتحرِّشٍ، وظن الكيزان أنهم قد قلبوا للقحَّاتة ظهر المجن بنشر فيديو لذلك الأستاذ المُتحرِّش وهو يُخاطب لجان المقاومة خطاباً ثورياً. وهكذا استبدل السودانيون المتن بالهامش، حتى صارت مناقشة واقعة التحرُّش المُثبتة تلك مسألةً هامشيةً..!

يا ناس، يا عالم، مواطن سوداني ارتكب جريمةً مُتعدِّدة الوجوه، مُكتملة الأركان، “تحرش وابتزاز وإكراه أدبي وتحريض على الفسق، وأفعال فاحشة ..إلخ..” وافتُضِح أمره بفضل نزاهة وشجاعة مواطنة سودانية وقعت ضحيةً لأفعاله تلك. ما شأن ذلك كله بأفكاره ومواقفه السياسية، وهل انتماء أحدهم لمعسكرنا السياسي هو دَفع قانوني يستحق بموجبه حكماً بالبراءة، أو حصانةً أخلاقية تستوجب مَنْحَه صَك غُفران..؟!

لماذا كل هذا الهوس السِّياسي في تقييم حادثة تنتمي إلى ظاهرةٍ مُجتمعيّةٍ آخذة في التفاقم والخُطُورة والتّعقيد، ولماذا لا يجتهد النّاس في تطوير الوعي واجتراح الحلول للحد من تَمدُّد هذا الوباء الذكوري، عِوضاً عن الهروع إلى التصنيف السِّياسي؟. إنه والله سُعار السياسة الذي يُمزِّق بمخالبه وَعي المجتمعات، ويَغرس أنيابَه في عقلها الحي..!

 

 

منى أبو زيد

[email protected]

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى