آمال عباس تكتب : وقفات مهمة .. معنى أن يكون سلاحنا الفكر

المجتمع السوي الذي نحاول أن نرسي دعائم بنيانه في هذا العصر, وفي هذه الظروف السياسية.. مجتمع عظيم حقاً.. مجتمع شعابه الضمير السوداني النقي الواضح وبناته جماهير الشعب بعد طول عذاب ومعاناة.. مجتمع يؤمن بالتحول والتطور الجاد.. مجتمع الإنسان السوداني القادر على أن يرى بعينه ويسمع بأذنه.. ويحس بأن الاشتراكية هي النظام الجاد القويم الذي يرفض أغلال المجتمع الرأسمالي والانغلاق في متاهاته السحيقة..

وفي سبيل تحقيق هذا المجتمع قادت جماهيرالشعب السوداني نضالاً طويلاً وصبوراً باحثة عن نوع السلطة تجعل من تحقيق أمانيها وآمالها همها الأول.

وكلنا يدرك أن تطور عملية النضال الثوري في السودان أخذت تتبلور منذ لحظة استيلاء الطليعة المدركة لمعنى هذا النضال داخل القوات المسلحة على السلطة في الخامس والعشرين من مايو 1969م وعندما واصل الشعب البطل زحفه الثوري مع الثورة من غير تنظيم سياسي قرابة العامين.. يواجه المؤامرات والمصاعب والمشاكل.

والثورة من مفهوم مفجريها لا تعني الوصول للسلطة.. بقدر ما تعني بداية معركة البحث الجاد عن الحياة الأفضل، وكان أن أعلن قائدها الثورة التنظيمية في عيدها الثاني، محدداً شكل التنظيم السياسي القائم معنى تحالف قوى الشعب العاملة.. المنفذ لميثاق عمل وطني اشتركت في وضعه ومناقشته جميع قوى الشعب الاجتماعية، وكانت فترة تمهيدية طويلة تعج بالحركة الحية سلباً وإيجاباً في سبيل بناء تنظيم سياسي قادر وفاعل يحمي الثورة الاشتراكية ويقود الجماهير إلى أملها الكبير..

ومن هذه أصدر المؤتمر الأول للاتحاد الاشتراكي السوداني قرارات عديدة في كل ما يخص العمل الوطني, ولكن الذي أردت الوقوف عنده هو ما جاء حول أهمية التسلح بفكر الثورة وبثه وسط جماهير الشعب..

وقبل أن نطرح التساؤل الأول نضع أمامنا حقيقة كبيرة هي أن لا سبيل إلى تربية اشتراكية بغير تنظيم سياسي قوي فعال يقيم الإيمان بالاشتراكية في القلب والوجدان.

وحقيقة ثانية، هي أننا لسنا في مجتمع اشتراكي، وإنما نعاني ونعيش فترة التحول والانتقال.. والفرق كبير على كافة المستويات بين المجتمعين في السياسة والاجتماع والاقتصاد.. وقد نجد بيننا الكثيرين من الأدعياء والانتهازيين والمتعالين وذوي الرواسب الرجعية والفردية المتحفزة لسرقة مكاسب الشعب.

ولهذا يجب ألا يغيب عن بالنا ولا لحظة واحدة.. بأن تنظيمنا السياسي هو أداة الانتقال إلى الاشتراكية.. وهذا ما يفرض علينا تجريد الرجعية من كل أسلحتها وبالأخص الفكرية منها، وذلك بالحوار القادر على تثبيت التيار التاريخي المتقدم.

والتساؤل الأول والرئيس المطروح أمامنا هو ماذا نقصد بتعميق فكر الثورة؟ والإجابة على هذا السؤال بسيطة وعميقة في نفس الوقت.. نقصد أن نخلق من عضوية الاتحاد الاشتراكي وغيرها مواطنين اشتراكيين من خلال ما طرحت الثورة فكراً من ميثاق عملها الوطني واقتصادها بحق قيادة القطاع العام. ومن غير أن نخلق هؤلاء المواطنين تستحيل علينا عملية التحول نحو مجتمع الكفاية والعدل.

حقيقة أن هناك انعطافاً واضحاً من الجماهير نحو ما ترفعه الثورة من شعارات وبرامج.. ولكن تحويل هذا الانعطاف العفوي والعاطفي إلى عملية استقطاب فكري واعٍ وعلمي بحضها ضد أي مؤثرات قد تحدث نتيجة لمصاعب المرحلة ومعاناتها، وبمعنى آخر المقصود من التثقيف الاشتراكي هو البحث عن الوسائل السهلة والبسيطة لتهيئة أذهان الجماهير العريضة صاحبة المصلحة الأولى في الثورة وعلى رأسها جماهير العمال والمزارعين تهيئتها لتدرك أن الاشتراكية في صالحها وعليها أن تقف أمام أي محاولة من شأنها أن تضعف تعلقها بها.

ومن هنا نصل إلى أن الهدف من بث فكر الثورة هو تحويل إحساس الناس البدائي بالخير والعمل له إلى إدراك واعٍ على إدراك بأن الاشتراكية تعني المصلحة، تعني الخير ووسيلته إليها الالتزام بالتنظيم.. هذا هو المدخل الحقيقي لأي عملية نضالية نقودها في هذا المجال.

والمقصود بالتثقيف الاشتراكي إيجاد رأي عام موحد حول كل المسائل المطروحة.. وإيجاد كادر قوي ينظم حركة الأفراد بالاقتناع نحو تطلعات هذا الرأي العام التي تخدم بناء المجتمع الجديد.

تكون هذه الحركة مستمرة في جميع الأحوال وتحت كل الظروف باعتبار أنها عملية سياسية دائمة لتكوين الكادر السياسي والنضالي الذي يتولى قيادة العمل من أجل الانتقال بحركة الجماهير إلى حركة واعية وملتزمة لتحقيق الهدف النهائي وهو بناء مجتمع الكفاية والعدل.

ولما كانت التنمية هي سمة مميزة أو محدثة لعملية التحول نحو الاشتراكية ولا سيما في بلدان العالم الثالث.. فإن نتائجها لا تأتي في الأمد القصير وبالتالي لا يمكن تحقيقها والمضي بها في سلام إلا بعنصر الوعي الذي يتطلب جهداً خارقاً لغرسه في أفئدة الناس.. فالتنمية الاقتصادية نوعاً من الضغط نحسها جميعاً ولكن السبيل الوحيد لإقناع الناس بتحمل هذه الضغوط هو وجود كادر سياسي واعٍ وقادر..

والأساس لذلك هو تكوين الكادر نظرياً وسياسياً ونضالياً وأن يعد لا كمجرد أداة للتوعية وتسميع المعلومات التي تلقى في غرف المحاضرات.. وإنما كأداة للتغيير تنفتح على كل تجارب العالم وتدرك طبيعة ما هو موجود في المجتمع فعلاً..

هذا معنى أن نتسلح بالفكر وبعدها ستغيب معظم الممارسات الخرقاء وتسقط الأنا من قاموس العمل السياسي ويتحقق المجتمع العظيم الذي ننشده.

فليكن همنا الأول والأخير في المرحلة القادمة بداية هذه المسيرة الشاقة التي لا يقوم بها ولا يستفيد منها إلا الثوري الحقيقي.

  • وجهة نظر

دهشة جعلت رأسي تدور..!!

من فهمي البسيط والذي أومن به إلى حد التعصب هو أن قضية المرأة السودانية ليست ضد الرجل ولا ضد المجتمع ولا ضد نفسها بقدر ما هي ضد ما يعيق مسيرة هذا المجتمع نحو الحياة الخالية من الجهل والفقر والمرض والشعوذة والدجل وحول الأخيرة أتحدث اليوم.

لا أستغرب وجود وداعيات ولا ضارب رمل ولا شيخات زار ولا دجالين ولا مشعوذين.. فهذه حقيقة بعثها مجتمعنا بحكم تكوينه وتشكيله الاجتماعي لا غرابة في ذلك البتة، ولكن بالقطع المطلوب هو العمل الدائم والمتأني والمنظم للتقليل من مضار هذه الظاهرة إلى أن تزول ويحل محلها الاستقرار وحسن التصرف والعلم والطبيب، ولا سيما وسط جماهير النساء القطاع الواقع تحت تأثير الخرافة بقدر أكبر من الرجل.

الذي جعل رأسي تدور وجعلني أتردد مراراً أمام نفسي من إثارة هذا الموضوع.. هو ما همست به صديقة أثق فيها أذتني عندما سمعتني أتندر على أو أشجب وجود بعض الطالبات في حلقات الوداعيات المقامة على قارعة الطريق..

همست صديقتي قائلة إن بعض المتعلمات من النساء يذهبن إلى الدجالين والوداعيات بانتظام وعندما أبديت لها تحفظي وعدم اقتناعي بمعلوماتها وضعت أمامي تحدياً بأن تصحبني إلى أحدهم لأجد هناك ما تحدثت عنه..

والموضوع بالنسبة لي فعلاً كبير.. فأنا كما قلت لا أستغرب أن تذهب حبوبتي أو أي امرأة قابعة في البيت إلى الوداعية أو ضارب الرمل ولا أستغرب حتى إن كانت متعلمة، ولكن أترك العنان لرأسي أن تدور كما تشاء لعدم إيماني بذلك العالم العجيب الغريب المسكون بالعتمة والأسرار المبهمة والذي تفوح منه رائحة البخور واللوعة.. والذي تذبح على أعتابه مقدرة الإنسان على تحقيق تطلعه الطيب بفعل العمل.

وبالفعل عالم غريب وعجيب لا أدري إن كنتم مثلي مهمشين عنه لاهين عن وجوده أم أنكم من بعضه.. على كلٍّ لا أجد نفسي إلا معبرة عن الصدمة التي أدخلتها في دهشة جعلت رأسي تدور..

مربع شعر:

قوز ود ضباب بالليل ترى بي شباه

بهما يطرد فرحان وعاجبو خداه

زولاً من أم قدود المولى كان أداه

يقعد عندهن يترك لهن ما داه

مقطع شعر:

قال صلاح عبد الصبور:

ما يولد في الظلمات يفاجئه النور فيعريه

لا يحيا حب غوار في بطن الشك أو التمويه

لا يقتات الإنسان فم الجرح الصديان…. ويلتذ

لا توضع كف في نار …. لا تهتز

أشباح الماضي بئس الرؤيا حين تجهمنا الغيرة

فإذا لاقى قلبان ثقيلان الدنيا

ظنا ما مات يكفن في الكلمات الحلوة

في الألفاظ البيض المجلوة

في العهد المسبل فوق الأمس

ودون اليوم، وحول الذكرى

وهماً وهماً …. قالا للنسيان

يا نسيان،

اجمع ذكرانا، واقذفها في البحر

يا نسيان،

اجعل ماضينا من أصداف

مستقبلنا من تبر

فهما قلبان، وإن فرحا بالعمر شقيان

من أمثالنا:

بيت الجدري ولا بيت النقري

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى