بهاءالدين قمرالدين يكتب : (التماسيح) تُهدِّد الخرطوم!

وجهت دائرة الدفاع المدني بولاية الخرطوم، الأيام الماضية تحذيرات للمواطنين من الاقتراب من النيل والسباحة فيه؛ وذلك بعد وصول النيل لمرحلة الفيضان بسبب ارتفاع مناسيب النيل الأزرق وخطورة ذلك الأمر وخصوصاً بعد ظهور بعض التماسيح المتوحشة والثعابين القاتلة!

كما حذّرت الدائرة من تحرك المواعين النهرية والقوارب على مياه النيل، مشيرة إلى أن كل من يُخالف هذه الأوامر والتعليمات ستُتّخذ في مواجهته إجراءات قانونية صارمة!
بدايةً، نحن من جانبنا نُحيِّي إدارة الدفاع المدني بولاية الخرطوم وكل السودان, والتي درجت على إطلاق التحذيرات والتنبيهات للمواطنين، تحذِّرهم من الاقتراب من مجاري المياه والسيول والفيضانات؛ إبان موسم الخريف والفيضانات في السودان, وتطلب منهم أخذ الحيطة والحذر والتحوطات اللازمة؛ التي تقيهم أخطارها!
وإنصافاً وصدقاً، فإن الجنود المجهولين في الدفاع المدني ظلوا يعملون بإخلاص ونكران ذات لحماية أرواح وممتلكات المواطنين في كل وقت، فلهم منا كل الاحترام والتقدير على ما ظلوا يقومون به من أجل حماية أرواح وممتلكات المواطنين!
وأصدق دليل على دور دائرة الدفاع المدني الكبير الذي ظلت تقوم به؛ هو توجيهها اليوم للمواطنين وتحذيرهم من الاقتراب من النيل والسباحة فيه؛ وذلك بعد وصول النيل لمرحلة الفيضان بسبب ارتفاع مناسيب النيل الأزرق وخطورة ذلك الأمر وخصوصاً بعد ظهور بعض التماسيح المُتوحِّشة والثعابين القاتلة!
وهذا التحذير يأتي أولاً وأخيراً من أجل مصلحة المواطنين وحماية ممتلكاتهم وأرواحهم وفلذات أكبادهم، سيما الأطفال والشباب صغار السن، الذين يجدون في ارتفاع مناسيب النيل بسبب زيادة الأمطار، سانحة كبرى وفرصة ذهبية للهروب والذهاب إلى الأنهار والسباحة فيها، مَا يُعرِّض حياتهم للخطر، ولا ننسى حادثة غرق الطالبة والطالب الجامعيين في محلية شرق النيل الأيام الماضية؛ وذلك بعد دخولهما النهر بهدف السباحة فيه؛ بيد أن يد المنون اختطفت روحيهما!
ولقد ظلّت كثير من المناطق بولاية الخرطوم والسودان تُعاني من أخطار الفيضانات كل عام, وتحبس أنفاس البلد؛ مثل جزيرة (توتي) التي ظلّت كل عام مهددة وتُعاني تحت رحمة مياه النيل والفيضانات!
ولكن في تقديري ان المواطنين يتحمّلون كامل المسؤولية في اجتياح مياه السيول لمنازلهم والتسبب في انهيارها وتعرضهم للأخطار وذلك لعدة أسباب:
أولاً يتعمد ويصر كثير من المواطنين على بناء منازلهم والسكنى قرب الأنهار ومجاري السيول، ويرفضون رفضاً قاطعاً الرحيل إلى المناطق البعيدة والآمنة والعالية والأكثر سلاماً واستقراراً، بحجة أن هذه هي أرض أجدادهم وآبائهم ولن يتخلوا عنها أبداً مهما كانت الأسباب، وحتى لو ماتوا جميعهم في جَوف السَّيل!
مِمّا يَجعل كل الوطن وكل النّاس يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً عليهم من خطر الفيضان!
وهذا السلوك الخاطئ يجعل الدولة والحكومة عاجزةً من أن تقدم لهم العون والمساعدة؛ بيد أنهم رغم ذلك يتّهمونها بالتقصير والإهمال وعدم نجدتهم وإنقاذهم؛ وهي من ذلك بُراءٌ، فقبل أن تنقذك الدولة أو الحكومة؛ أنقذ نفسك أيها المواطن أولاً، وذلك ببناء المساكن في الأماكن الآمنة بعيداً من مجاري السيول والأنهار!
وهنالك قُرى ومُدن، وجّهت الحكومة، أهلها بالرحيل منها لوقوعها في مجاري السيول، وقامت السلطات بتعويضهم ومنحهم منازل في الأماكن الآمنة وقامت ببنائها لهم، لكنهم رغم ذلك رفضوا الرحيل منها وتَمَسّكُوا بها بحجة أنّها أرض أجدادهم!
والسؤال الذي يثور هنا، لماذا لا يبني المُواطنون بيوتهم بعيداً عن مجاري السيول؛ ويحمون أنفسهم وأسرهم من خطر الموت غرقاً!؟
كما نلحظ أن وسائل وطرق مُعالجتنا لمشكلة السيول والأمطار، تتم بوسائل (حماسية وعاطفية وهتافية وعنترية)؛ وليست حلولاً جذرية وعملية وواقعية!
فما أن يعربد النهر ويجن جُنونه ويخرج من مجراه ويجتاح كل شيءٍ أمامه؛ حتى ونبدأ نغني أغنية الراحل حمد الريح الشهيرة: (عجبوني الليلة جوا ترسوا البحر صددوا)!
ومن ثم يقوم شباب المنطقة التي اجتاحتها السيول بعمل (تروس) ومَصَدّات من (التُّراب والجوالات والرملية)، سُرعان من تذوب وتنهار أمام ضربات السيول العنيفة وعنفوان وثورة الماء الكاسحة والعارمة!
أو يقوم أهل المنطقة بعمل سدود من (أجسادهم العارية) لوقف تدفق المياه وهم يغنون: (ملصوا البدل والقمصان)، ولكن هيهات ثم ههات، إن جبروت وسطوة وقوة الماء أكبر وأخطر، فيندفع السيل بقوة ويحمل (السدود) البشرية والجسدية العارية ويبتلعها في جوفه، ويخلف فاجعة أخرى, ويظل يتكرّر ذات المشهد والسيناريو المأساوي كل عام!
لذلك يجب على الحكومة أن تضع حلولاً جذرية وعملية وعلمية؛ لمسلسل السيول والفيضانات، تبدأ أولاً ببناء المساكن بعيداً من الأنهار ومجاري السيول, وإلزام وإجبار المواطنين بالسكنى فيها؛ ومن يخالف ذلك تُتخذ ضده الإجراءات القانونية الصارمة والحاسمة !
لأن الأمر لا يحتمل المُجاملة أو الاستهتار بحياة الناس وإدخال الوطن والشعب في (فتيل) القلق والخوف!
كذلك يجب إنشاء السدود الكبيرة في المناطق التي تتعرض للسيول، وتجمع مياه الأمطار في جوفها وتخزن للزراعة والشرب!
أيضاً يجب أن تعمل الدولة على إنشاء الكباري والسدود الضخمة والقوية حول مناطق الضعف والهشاشة التي يجتاحها النيل كل عام!
ونسأله تعالى أن يحمي بلادنا وشعبنا من إخطار الأمطار والفيضانات وتماسيح النيل, وقبل ذلك كله؛ حمايتها من أطماع وشرور (تماسيح السوق) والتجار الجشعين, و(الحرامية) واللصوص الكبار الذين ينهبون خيرات البلد ويُصادرون مستقبل الأجيال القادمة, وهذه (التماسيح البشرية) أخطر على وطننا وشعبنا من التماسيح النيلية, وما أكثرهم اليوم؛ فهم الذين سرقوا ثورة ديسمبر الظافرة وأغرقوا البلد في سيول المُعاناة والفقر!
وسَلمت يا وطني العزيز!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى