علي مهدي يكتب : مكتبة الكونغرس الأمريكي تستضيف محاضرتي (أثر التصوّف على المسرح المعاصر)

واشنطن عبر فضاءاتها الثقافية تروّج لتجارب المسرح في مناطق النزاع

مركز كندي للفنون في واشنطن منصة هامة لتقديم فنون الأداء للعالم

من مدن دارفور الكبرى القرى والحلّال والأسواق والميادين ومعسكرات النازحين خرجت عروض البقعة للعالم

الجوائز العالمية أشارات تقدير لجهود المبدعين وإيمانهم برسالة الفنون في تعزيز السلام وسعيهم للتنمية المستدامة

جئتها (واشنطن) فرحاً بأيامي الأولى السعيدة في(نيويورك)، بكل جمالها والاضواء والمحبة، بالتماهي بينها وأفكاري الجديدة وقتها نحو مسرح مغاير جديد. والفرق عندي بينها و(ونيويورك) لا في الضوضاء فحسب، لكن في اتساق الأوقات فيها، تسمع الأصوات وأنت تمشي نازلاً من عند نهر (البوتمك)، تترك مركز (كندي) للفنون خلفك، وإن لم ترغب في انتهاء ساعات الفرجة فيه، تكون قد قطعت حوارات قلما تتكرر مع رموز فنون الأداء الساحرة، جاءوا من مناحي المعمورة بفنونهم، حدثوا جمهوراً متعدداً متنوع الاهتمامات عنها، فنون تقليدية قدمتهم بما فيها من صدق للعالم .

والمركز التذكاري للرئيس الاسبق (جون كندي)، معلوم أنه واحد من أهم المنصات العالمية بتعدد برامجه وتنوعها، منه تتحقق الانطلاقة، وتعرف مؤسسات أخرى تعمل في مجالات التسويق للفنون على متابعة ما يقدم في برنامجه الكبير. يخرج للناس برنامجه الدوري، وفي موعده، ومنه تختار مواقيت حضورك لها (واشنطن)، لتنعم بالمشاهدة، وتمتّع الروح بالحوار، وتتأكد أن جهدك السابق هنا له ما بعده، وهناك من هو مستعد للتفكير فيه، ثم للمشاركة في برامجك مستقبلاً، وقد حققنا بعدها بعقود تلك النظرة، ومن هناك في ذات الطريق الذي مشيت عليه سنواتي الأولى قبل أكثر من ثلاثة عقود تزيد ولا تنقص، مشيتها في الشارع الأهم نحو وسط المدينة مثل أن تقول (مندلي تحت)، وتمشي تتابع الناس القيافة، لكنهم في الذي يشغلهم، في صمتهم الجميل. وأنت تسرع الخطوة، تمشي ملكاً، الليلة وفي أولها، يستقبلك أهل حلمك القديم، يوم دخلتها المكتبة الأشهر في العالم أول مرة، زائرًا وحيداً، تبحث عن قسم الأصوات، علّك تسمع بعض غناء عزيز منه عبد العزيز داود، والعود عند برعي محمد دفع الله غير، فيه أشواق للتلاقي، وقد زار المركز والمكتبة، يوم رتب الحبيب الراحل البروفيسور حسن أبشر الطيب تلك الرحلة الأشهر، لأول مجموعة غنائية موسيقية تزورها أمريكا، وتسمع الناس من إذاعة صوت أمريكا الأشهر حوارات وأشواق لمبدعين كبار، أحمد المصطفى، وعبد الكريم الكابلي، وعبد العزيز داود. وموسيقيين في روعة ريشة برعي محمد دفع الله، وأنامل عبد الله عربي ومحمد عبد الله محمدية، وإيقاعات من إبراهيم وأصابع المرهف خميس على الرق، تغني فتغني أمريكا (لي حدها)، شجن وطرب، وبعضهم في صمتهم رهبة، وأشواق للتعرف على هذه الألوان الزاهية من موسيقى وغناء، بين بين، عربي لغة ونطق سليم وواضحة، لا لحن، ولحن فيه إيقاعات سواحل أفريقيا الشرقية، ينزل بك حتى قريب من سواحل تقترب من رأس الرجاء الصالح، وقد صالحت أصول الغناء بعضها من بعضها في اللحن الجديد.

تلك الأجواء للزيارات التاريخية لفنون الوطن للغرب الأقصى، وهو وعد أن أكتب عنها، لأنها سبقتني بكثير، لمحتها في قاعات مكتبة (الكونغرس الأمريكي) ساعة دخولي البهو الوسيع، والكبار في استقبالي، أصلحت عمتي قليلاً، كانت تميل لليسار، أرجعتها عنوة نحو اليمين، وأظنني الأقرب كنت لتيارات فنون تلبس الوسطية رداءً نهارًا، ثم ما تعود ليلاً، حتى أترنم مع مصابيح اليمين، المبادرات والابتكار فرصة أوسع لا تفيدك لجنة المدينة ولا تسلم من شكوك يسار آخر من الصين يمشي نحوها المدن، يتردد. ويومها ما خرج الرفيق القائد المؤسس (ميشيل عفلق) من دمشق، ولا تقاسمت المدن الأفكار من عنده. حظيت بالحديث إليه، كما أتاح لي الزمان والفن لقاءات مع القائد الرفيق حافظ الأسد الأمين العام للقيادة القومية، أو أنني كنت في خواتيم السبعينات تلك أمشي مع العالم نحو فنون سحرتني بها سينما الدنيا الجديدة، بعد أن مشيت على السجادة الحمراء، أتأمل أطراف عباراتي تلك، ساعتها (المشاق السينما، صعب عليه العودة لسينما أم درمان)، والدنيا صيف، والصف طويل يتلوى، وأنت صامد تنتظر البهجة من نظراتها (صوفيا لورين) نجمة السينما الإيطالية وهي تسبقك بخطوات تمشي علّك تلحق بها مكان ممكن وزمان فتلك حكاية الأحلام تحققت بعد أكثر من أربعة عقود في باريس يوم جلسنا كتفاً لكتف وأزحت شالي الأخضر لتتيح المسافة بيننا فرص تلامس في فضاء الضوء المهيب الذي سقط من حينها على قاعات اليونسكو كلها وليس قاعة سفراء اليونسكو للنوايا الحسنة وفنانيها للسلام . نظرت بعد أن عاد بصري مع عقلي لمدخل البهو الفخيمة، ومشيت خطواتي فيه بلا تردد، اليوم نرتب المحاضرة الأولى فيها المكتبة الأكبر والأوسع والأكثر اهتمامًا بفنون العرض كلها. ثم أنني ضيف لبعض أعضاء الكونغرس غداً على غداء عمل أو غير ذلك. كنت سعيداً بالاستقبال، ولمحت على الجدران إعلاناً عنها المحاضرة، وصور لمشاهد من عروض مسرح البقعة في دارفور الكبرى، وصورة طفلي الأحب تتوسطها، فقلت إنني هنا رغم أجواء السياسة ألبس تاج الفن، والعمامة تزداد خضرة وتمشي أحياناً تسبقني، وتعود على رأسي، فسألت النفس اللوامة. ملك أنا من دنقلا القديمة؟ مك أو سلطان من دارفور؟ وفي يدي سيف سلطان دار مساليت وقد هزم الفرنجة في معركة (ديروتي) الأشهر وعادت جيوش فرنسا غربًا؟ وكان يمكن لو أنها نجحت، لكنا نحكي بالفرنسية وما احتاجت (فرنسا) التي أحب وأعشق، أن تنشئ منظمة (أوديكام) لنشر اللغة الفرنسية لغير الناطقين بها .

نبهتني نائب مدير المكتبة السيدة (باتريشا) وكانت في استقبالي والصديق العالِم الجليل البروفيسور (فوزي تادرس سمعان) رئيس قسم الشرق الأوسط في المكتبة. نبهتني للتوقف للصورة وأعشق التصاوير أنا .

وكأني سأكتب دهليز آخر عنها تلك الأيام فيها مكتبة الكونغرس الأمريكي ومركز كندي للفنون وأماكن أخرى عاجبني فيك يا و(واشنطن).

تحياتي عشرات وأكثر للحبيب عالمنا المفن البروفيسور عثمان البدوي الكاتب والمخرج والمشخصاتي المعلم، وذاك لأنك سبب في اتصال هذه الأوراق التي بيننا .

سلمتوا

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى