تجزئة مبادرة حمدوك بقطع الحديث من سياقه من باب (لاتقربوا الصلاة)!

الحزب الشيوعي وضبابية الموقف تجاه الحكومة الانتقالية

الشارع يسيطر عليه الشباب كقوى سياسية جديدة افرزتها الثورة يصعب استقطابها
الخرطوم الطيب محمد خير
دفع الصراع والخلاف تجزئة مبادرة حمدوك بقطع الحديث من سياقه من باب (لاتقربوا الصلاة)! القوى السياسية رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لاطلاق مبادرته لإعادة توازن الخارطة السياسية الانقالية بشكل مختلف لانهاء حالة الجمود التي سادت المشهد السياسي بعدم القدرة على تأسيس ائتلافات تدير المرحلة الانتقالية بكفاءة وفاعلية، قي ظل وجود تباين في الرؤى بين الاحزاب والقوى السياسية التي يبدو واضحا من تعاطيها وتمسكها بخطابها التقليدي ،انها عاجزة عن تغيير نهجها وأساليب عملها و تعيش أزمة فكرية، وسياسية، وتنظيمية شاملة ، تعود لتلعب دوراً معرقلاً لمتطلبات المرحلة الانتقالة التي ابرزها الاسهام في توفير الحلول العلمية والعملية لرسم شكل الدولة المطلوب ، نتيجة الغيرة التي بينها، التي كانت سببا في انهيار التجارب الديمقراطية السابقة بسب عدم فهما لمتطلبات الواقع و التطور الناتج عن التعاطي التقليدي لهذه الاحزاب التي حاولت بالكاد احداث تغيير طفيف في نهجها التقليدي في بداية الحراك الثوري لمجاراته لتحصن نفسها حتى لاتجرفها براكينه وتختفي فسارعت بالدخول في تحالفات والعمل من خلالها وفق برامج بالحد الادني المحصور في العموميات حتى تتجاوز مرحلة الخطر ، حيث ظهرت العديد من التحالفات التى وصل عدد الاحزاب في المنضوية داخل بعض منها لاكثر من خمسين حزب وحركة مسلحة ، كان ابرزها تحالف قوى الحرية والتغير الذي تميز عن التحالفات الاخرى بانه ضم داخله تكتلات حزبية معارضة مثل قوى الاجماع الوطني ونداء السودان وكتلة الاحزاب الاتحادية المعارضة ، وهناك تكتل الاسلاميين في تحالف التنسيقية الوطنية للتغيير والبناء الذي ضم (20) من الاحزاب المنشقة عن الحركة الاسلامية ، وهناك تحالف النهضة الذي تكتلت فيه الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام مع النظام البائد وبعض احزاب الامة التي كانت تتبع للنطام بقيادة د.التجاني السيسي وموسى محمد احمد. وتقدمت معظم الكتل والتحالفات والأحزاب التقليدية برؤاها مشتركة أو منفصلة للمجلس العسكري تباعاً خلال فترة المشاورات والتفاوض التي سبقت الوثيقة التي تاسست عليها الفترة الانتقالية ، وخضعت كافة هذه الرؤى لدراسة اللجنة السياسية بالمجلس العسكري غير ان قوى إعلان الحرية والتغييرفرضت نفسها بصفتها ممثلة للحراك الثوري، وتمكنت من انتزاع اعتراف ثمين من المجلس العسكري بذلك.
و قال حمدوك في مبادرته صراحة ان الامل مرهون بقدرة الفترة الانتقالية على التعامل مع الواقع بروح انتقالية لا انتقامية تنحاز إلى قيم الحرية والعدالة والديمقراطية، وترفض الإقصاء والعزل والاحتكار،مع الانفتاح على الجميع دون تحفظات لتقديم حلولاً سريعة للواقع الاقتصادي الصعب، والتعاطي مع المرحلة الانتقالية بمنظور قانوني قيمي وليس من منظار سياسي فكري ،وترك المجال للقانون ليمارس سلطته بقوة في مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين وبسط هيبة القانون دون تدخلات سياسية ؛علاوة على تأجيل الحسم في القضايا الخلافية المفصلية حتى يستعيد الشعب ديمقراطيته مع احداث توازن في العلاقات الإقليمية والدولية دون انحيازات مضرة ، والعمل بالتحضير الجيد لانتخابات حرة نزيهة معبرة عن الشعب,
غير ان حديث رئيس الوزراء ومطالبته بالتعاطي مع الواقع بروح الانفتاح على الجميع دون تحفظات ورفض الإقصاء والعزل والاحتكار ليس بالجديد وسبق ان قاله صراحة قبله ياسر عرمان والحاج وراق وزعيم حزب الامة الراحل الصادق المهدي الا ان هذه الجزئية من المبادرة قطعت من صياغها وتحولت لمثار جدل شد و جذب واستنكار في الساحة السياسية التي بدات منقسمة حيالها بين مؤيد معارض مع موافقة خجولة من بعض الداعيين لها في فترة سابقة خاصة من قبل حزب الامة والمؤتمر السوداني مع معارضة قوية من قبل الحزب الشيوعي الذي ظل يعتبر اي حديث في عن اي مصالحات يفضي للهبوط الناعم و تغيير جذري في مسار الثورة وخيانة لها .
ظل الموقف الضبابي في التعاطي مع الحكومة الانتقالية ابرز ملامح الحزب الشيوعي الذي بمواقفه التصعيدية المتطرفة غير المبررة التي بدأها مع المجلس العسكري باصدر سكرتير السياسي للحزب محمد مختار الخطيب بيان اعلن فيه رفض حزبه مشاركة أعضاء بالمجلس العسكري في أي مستوى من مستويات الحكم الانتقالي رغم ان قيادة القوى العسكرية الأربعة القوات المسلحة، والأمن والمخابرات، والدعم السريع، وقوات الشرطة نسقت مواقفها وقررت احداث التغيير بطريقة سلسة وهادئة دون إراقة دماء ودون مواجهات وكان واضحاً أن صفحة المجلس العسكري الانتقالي بيضاء، ولم يكن بها اي مرجعيات دولية أو إقليمية أو عرقية أو جهوية أو قبلية، وليس لها اصطفافات لأنها وليدة أحداث متسارعة حصل فيها الكثير من المدافعات، وظلت القوات المسلحة أمل الشعب في التخلص من النظم الدكاتورية ، كما حصل في انتفاضة 1964 ضدّ إبراهيم عبود وانتفاضة أبريل 1985 ضدّ نميري ، وكان اعلان الحد الفاصل لحكم البشير وصول مواكب الثوار لاسوار قبادة الجيش في اشارة لتفويضة بوضع لنهاية حكمه بتوالي مهمة إسقاط النظام والقبض على رئيسه و القيادات السياسية والحزبية باعتباره ان الجيش المؤسسة الوحيدة التي تحفظ توازن الدولة وتحقق رغبات شعبها في احداث التغيير .
غير ان الحزب الشيوعي مضي في نهجه التصعيدي وقتها وإتهم حلفائه في تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير ايان التفاوض الذي افضى لوثيقة الفترة الانتقالية بتغييب للجماهير صانعة الانتفاضة وقال ان مفاوضاتهم مع المجلس العسكري يكتنفها الغموض
رغم حديث الحزب الشيوعي الرافض للاتفاق الا انه ظل أحد مكونات الحرية والتغيير وشارك في كل المناقشات والخطوات حتى اليوم ، بل كان طرفاً في بعض التعديلات التي أدخلت على الاتفاقية، وهذا الموقف الضبابي في التعاطي مع الحكومة الانتقالية كان ابرز ملامح الحزب الشيوعي منذ العام 2019 بداية باعلانه المفاجئ عدم المشاركة في المرحلة الانتقالية واصداره بياناً رفض فيه الاتفاق والمشاركة في المرحلة المقبلة، ومن ثم بدأ يظهر التناقض في موقفه التصعيدي وظل يهدد باسقاط الحكومة الانتقالية عبر المد الجماهيري وغير انه في كل مرة يتراجع عن موقفه واخرها مشاركته في تظاهرات تصحيح المسار التي خرجت في (30يوينو) التي رفض حلفائه المشاركة فيها باعتبار الدعوة اليها جاءت من قبل قوى معادية للثورة، وبرز مشهد الغيرة السياسية المسيطر على الحزب الشيوعي بصورة واضحة في معاركه التي يقودها ضد الحكومة الانتقالية بعد بروز نجم عدد من اعضائه السابقين الذين فصلوا في فترات سابقة الذين اصبحوا عرابين لرئيس الوزراء واكثر تاثيرا على المشهد السياسي ما يعني انهم اكثر دهاء من عضوية اللجنة المركزية للحزب بدليل تاثيره على المشهد رغم تاكيدها ان الحزب لايقود معاركه ضد الحكومة الانتقالية نتيجة السيطرة عليها من قبل من تركوا صفوفه من اعضائه السابقين الذين فصلوا من الحزب في فترات سابقة نتيجة لخلافات بينهم أو انهم تركوا الحزب بمحض إرادتهم لاسباب تخص الحزب أو تخصهم.
واضح ان حمدوك يستند في مبادرته التي يرى البعض انها جاءت متاخرة على التفوض الجماهير التي صنعت التغيير من داخل الحراك الذي اتسم بتلقائيته وانخراط الشباب فيه بشكل مكثف، ولم يكن هذا الحراك في مجمله من صنع الأحزاب السياسية، وهو حراك مجتمعي، شاركت فيه مختلف الفعاليات، ولم يكن تحت وصاية حزب أو مكون سياسي محدد بعينه ولايحق لاي جهة تدعي امتلاك تفويض مطلق لتقرر خارج اطار تفويض الجماهير له . صحيح أن الحراك الثوري الذي انطلقت شرارته الأولى في 19 ديسمبر الماضي احدث زلزالًا كبيرًا في خارطة السودان السياسية، أفرز كيانات جديدة وأطاح بأخرى، وما كان بالأمس يتصدر المشهد بات اليوم خارج دائرة الضوء واضح ما عناه رئيس الوزراء في مبادرته ان يكون الحذف والاضافة في المشهد السياسي وفق معايير تحفظ توزان الدولة دون احداث اي خلل في ميزان الفترة الانتقالية ويبقى السؤال المهم من سكسب الشارع بحضوره الجماهيري المتنوع الكبير الذي يسيطر عليه الشباب كقوى سياسية جديدة افرزتها الثورة يصعب استقطابها وفقاً لسقف طموحاتها العالي الذي برز من خلال الثورة وأظهر بأنه جيل لا يستهان به ويملك قدرات وأدوات فكرية وإبداعية في منتهى الاحترافية في الموقف التصعيدي في ظل عدم ثقتها في الأحزاب نتيجة ازمة الخطاب التقليدية الناجمة من الأزمة الفكرية، والسياسية، والفوضي التنظيمية شاملة التي تعيشها ويظهر ذلك من قصور فهما لمتطلبات الواقع، والانسجام معه واستمرارها في نهجها وأساليبها في عرقلة متطلبات توفير الحلول العلمية والعملية لقضايا الشباب كالبطالة والفقر، استقطابهم وفقاً لسقف طموحاتهم العالية التي برزت من خلال الثورة الشعبية وأظهرت بأنه جيل لا يستهان به ويملك قدرات وأدوات فكرية وإبداعية في منتهى الاحترافية.
هل يسيتطيع حمدوك انجاح مبادرته والعبور بها كاخر لترتيب طاولة الفترة الانتقالية التي تبد مبعثرة .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى