الغالي شقيفات يكتب : كل عامٍ وأنتِ بخيرٍ يا أميرتي

تصورّت أن هذا العام سيكون حداً لحبّنا الجميل، تصوّرت أننا معاً قد هرمنا وأن هذه المناجاة التي لا تتوقّف سوف تُصاب بالكبر والهذيان والثرثرة والزهايمر، فها أنت فوق الثلاثين مثلما أنا فوق الأربعين، أيمكن أن يستمر هذا كل هذه السنين الطويلة، هل يمكن أن أكتب لك كلمة أحبك عشرة ملايين مرة، وأقولها لك مليار مرة، وفي كل مرة ترتفع حرارة هذه الكلمة فوق الخمسين، وتكاد تحرق فمي وحنجرتي وهل يمكن عبر ثلاثين خريفاً أن يظل هذا الحب متوقداً كأنه البارحة بل كأنه اللحظة.
تصوّرت أن هذا العام عام الجفاف والانحسار، إن جبال مرة وجوع وكارقو سوف تُغيَر أماكنها، ونهر النيل سوف يُبدّل منابعه. تصوّرت أن النجوم سوف يخفو بريقها والقمر سوف يبتعد عن الكوكب الأرضي، ولكن عندما تعانقنا وجلسنا سوياً اكتشفت كأنني أحببتك منذ شهر لا منذ سنين، واكتشفت أن حبنا ما زال طرياً طازجاً ساخناً كالرغيف الذي خرج للتو من بين أيدي الخباز والشهية إليه شهية الجياع الذين أرهقتهم الصفوف، ولم يذوقوا طعم الخبز منذ شهور، وهذا اليوم وأنا مع الربيع، وأنا الربيع الآخر. أنا شغوف بكِ شغف الأرض العطشي بالمطر وشغف المحبوس بالحرية وشغف المهاجر بالعودة إلى الوطن وشغف النازح بالعودة إلى قريته مرتع صباه، تصوّرت أنها قد تكون ليلة الوداع الأخيرة، خشيت أن ألمس في أناملك الملل، وأن أكتشف في كلماتك السأم وأن ألمح وراء عينيك المذهولتين التعب من قصصنا، ولكنني اكتشفت العكس كم ما زال عظيماً وكم?!
تأملتك بثوبك المُزركش الجميل، وفى عنقك الناعم ذات العقد الذهبي المُزدان بحبيبات خضراء، تتخلل الزّمرد البرّاق، اكتشفت كأني التقيت بهذا الجمال للمرة الأولى. هذا الشعور داهمنا العام الماضي والعام الذي قبله، وفي كل مرة، كنتُ أتخيل أن حبنا يمضي إلى نهايته، ثم نكتشف أننا فى بدايته، وأننا ما زلنا نشرب أجمل أنواع المشروبات، ونتذوق فيه أطيب العسل، ونأكل فيه أروع ما أنتجته وديان قولو وشقرة وكتم، وأن أحلامنا ما زالت تمتد إلى قرون وليس إلى شهور، وأن أمنياتنا في كل عام تتجسّد في سعادة لا نهاية لها.. وفي كل عام، وكل عام، وأنتِ بخيرٍ أميرتي، وعندما تكونيين أنت بخير يكون الوطن بخير، وكل ما بين الصباح والمساء، وكل عام أنتِ وأنا وبلادنا بخير، نطلب الخير للحميع، لأن الحب العظيم في الأصل هو الخير له وللآخرين من حوله وللوطن الجميل الذي نحلم به وطناً يقوم على المؤسسية والتنوّع واحترام الآخر، وطناً يسعنا جميعاً، وطناً جديداً يقوم على أنقاض الماضي البغيض.
حبيبتي السيدة الأميرة الوردة، كل عام وأنتِ بخير، وكل لحظة وأنت بخير، وكل خفقة قلب، وأنتِ بخير..
سلام إليك مع كل عام وسلام أليك من المدن العايزة إعادة تخطيط سلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى