Site icon صحيفة الصيحة

د. عرفان نذير أوغلو يكتب :الخامس عشر من يوليو يوم الوحدة الوطنية والديمقراطية في تركيا

بقلم

* سفير جمهورية تركيا بالخرطوم


هناك أيام لها قدسيتها في تاريخ الأمم مثل ذكرى الانتصارات والاستقلال وغيرها من المناسبات الوطنية والتي تعد مصدر فخر واعتزاز للأمم والشعوب.
وفي المقابل هناك أيام حزينة يجب ألا تذهب طي النسيان مثل يوم الخامس عشر من يوليو بالنسبة للشعب التركي.
اليوم يصادف الذكرى الخامسة لمحاولة 15 يوليو 2016 الانقلابية، والتي استهدفت بها منظمة غولن الإرهابية الدولة والشعب التركي الأمر الذي أودى بحياة 251 شخصاً وجرح أكثر من 2000. تكتسب هذه المحاولة الفاشلة رمزية خاصة، لأنها أحبطت على يد الشعب التركي الذي استبسل في مقاومته للمجموعة الانقلابية وتجلى ذلك تناوب كافة فئات المجتمع التركي على “حراسة الديمقراطية ” في الميادين العامة على مدار 26 يوماً.
أسس فتح الله غولن شبكة من الأتباع منذ ستينيات القرن الماضي، وذلك من خلال المدارس والجامعات التي يرعاها في تركيا وخارجها، لقد أخفوا نيتهم الحقيقية بوصف هذه الشبكة بأنها “حركة ثقافية وتعليمية غير سياسية ذات دوافع إيمانية” تتمسك بمبادئ “التكافل والإيثار الرأفة” من خلال مشاريع شتى من المدارس الخاصة إلى برامج لمساعدة الفقراء. ولكن أتباعه تمكنوا من تبوؤ مراكز مهمة في القطاعين العام والخاص في تركيا، يقودهم في ذلك غولين من منفاه الاختياري في الولايات المتحدة.
حاولت مجموعة عسكرية صغيرة (من أعضاء منظمة غولن الإرهابية) أن تقلب الحكومة المنتخبة ديمقراطياً واغتيال الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث احتلت الدبابات والسيارات المصفحة الشوارع الرئيسية في إسطنبول وأنقرة بالإضافة إلى العديد من المدن الرئيسية ومن ثم وجهت فوهات بنادقها للمواطنين. كما قصف الطيارون الحربيون مباني البرلمان التركي والقصر الرئاسي ومقار الاستخبارات الوطنية والقوات الخاصة.
لقد كان هجوماً إرهابياً لا سابق له، حيث أن المشاهد الصادمة في ليلة الخيانة تلك لا تزال حية في الذاكرة. وفي الواقع لكل مواطن تركي ذكرياته المختلفة. هنا نورد قصة أرويها أنا كشاهد عيان، لقد كنت الأمين العام للبرلمان التركي إبان المحاولة الانقلابية. لم تكن ضوضاء الطائرات الحربية النفاثة التي تطير على ارتفاع منخفض أمراً عادياً ولكن لم يكن هناك أحد يتوقع حدوث مثل هذه الخيانة. بعد إجراء محادثات هاتفية مستعجلة أدركت أن هذا انقلاب إرهابي. عندها غادرت منزلي متجهاً لمنزل رئيس البرلمان، كان أطفالي يذرفون الدمع ويتوسلون طالبين مني عدم المغادرة، إذ تملكهم الخوف بسبب الأصوات العالية الصادرة من الطائرات الحربية.
بعد مُضي ساعات قلائل أصبح البرلمان التركي رمزاً للمقاومة، حيث تجمع أعضاء البرلمان والصحفيون وموظفو البرلمان هناك. لقد كانت جلسة عامة غير عادية شاركت فيها تقريباً كل الأحزاب السياسية من أجل الدفاع عن الديمقراطية التركية ولمقاومة المحاولة الانقلابية. ولكن سرعان ما أصبح البرلمان نفسه هدفاً عندما بدأ البرلمانيون يُرسلون الرسائل للشعب للوقوف أمام المحاولة الانقلابية الآثمة.
لن أنسى أبداً القصف الذي تعرض له البرلمان. لقد قصفوا ممثلي الشعب التركي ثلاث مرات من أجل إسكات صوتهم وحتى يُحبطوا معنويات الناس الذين ملأوا الشوارع مناهضين للمحاولة الانقلابية. بعد القصف غيرنا مكان تجمعنا داخل البرلمان حيث قُصف بعدها المكان الذي كنا نجلس فيه ودُمر جزء منه بيد أن الله قد شملنا بعنايته. لا زلنا نُحافظ على العمود الذي قُصف داخل البرلمان الذي ظل كمتحف ومزار لكيلا تنسى ذاكرتنا هذه الخيانة. ظللنا مستيقظين في داخل قبة البرلمان حتى أشرقت شمس اليوم التالي.
كان لقيادة صاحب الفخامة الرئيس أردوغان القوية دوراً حاسماً في كبح جماح هذه المحاولة الانقلابية الدموية. لقد استجابت له كل مكونات الحكومة وحزب العدالة والتنمية الحاكم والمعارضة والإعلام، وكان الدور الأبرز والأهم هو الدور الذي قام به الشعب التركي بمختلف قطاعاته حيث استجاب لنداء الرئيس أردوغان واحتشدوا في كافة الساحات والميادين والمطارات وألقوا بأنفسهم أمام الدبابات، قال الرئيس أردوغان: (إن شعبي جعل صدره العاري درعاً، ودحر هذا العدوان السافر الوقح، وذلك لأن الإيمان الذي يغمر القلوب هو الضمان الحقيقي لاستقلال ومستقبل هذا الشعب، وقد قام بما يليق به).
كان من الواضح أن تلك المحاولة الآثمة قد أعدتها منظمة غولن الإرهابية التي يرأسها فتح الله غولن الذي يعتبر نفسه “الإمام العالمي”، وقد تغلغل أنصاره في كل مؤسسات الدولة مثل القوات المسلحة وقوات الشرطة والمخابرات والقضاء والبنك المركزي والخزينة ومكتب رئيس الوزراء، حيث لم تسلم من تغلغلهم أية مؤسسة (حكومية أو خاصة).
لقد استهدفت هذه المجموعة الإرهابية كبار المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال والأكاديميين والأحزاب السياسيين والصحفيين ورؤساء المنظمات غير الحكومية. كل من يرفض التعاون معهم يتعرض للسجن بناء على ادعاءات كاذبة والأسوأ من ذلك هو التعرض للتصفية الجسدية.
نحن نواصل بإصرار كفاحنا ضد منظمة فتح الله غولن الإرهابية في الداخل والخارج وذلك بحكم القانون والديمقراطية والأخلاق التي دائماً ما يحتقرونها.
تركيا بأكملها تعلم مدى قوة دعم الشعب السوداني لتركيا خلال تلكم الأيام الصعبة. نحن نعلم أن النوم لم يجد لعيونهم سبيلاً حيث كانوا يدعون لنا ويشاركوننا أوقاتنا الصعبة ولهذا أود أن أشكر كل إخوتي وأخواتي السودانيين والسودانيات.

Exit mobile version