عبد الله مسار يكتب.. الفساد والإفساد المُنظّم

السودان دولة قامت على العشائرية والقبائل والإرث القبلي والديني، وأغلب الممالك والسلطنات القديمة قامت على هذا الأثر، وفي ظل الدولة القطرية الحديثة بعد الاستقلال نمت وترعرت طبقات من الأفندية والنخب سيطروا على الحكم، وكذلك الحكام وخلقوا طبقة من الرأسمالية وتُجّار النفوذ، وأحاطوا بالحكام إحاطة السوار بالمعصم، بعضهم تزاوجوا مع السياسيين، وبعضهم اقتربوا إليهم بقضاء حوائجهم وأغدقوا عليهم المال مقابل أن ينالوا الحُظوة المالية والحصول على المشاريع الحكومية والعُقُود التجارية، وصارت هنالك شراكة من الباطن بين السياسي الحاكم والمُوظّف الذي يُدير الموقع المدني والفني والتاجر والوسيط السمار الكبير.

هذه الشراكة خلقت مجموعات نفوذ سيطرت على مفاصل الدولة والمال، وصار الحاكم هو الأمين والحامي والحارس لهذه المصالح بقصد أو بدونه، وصارت هنالك طبقة من القوم سُمّوا كذباً عَليّة القوم وبدأ يُشار إليهم بالبنان، وتراكموا وزادوا وبيّضوا وفرخوا حتى صارت لهم أندية، بل صاروا مجتمعاً مختلفاً عن عامة الخلق، وأقاموا شركات وشراكات، وسيطروا على المال العام عبر أنشطة مختلفة، وعملوا مراكز نفوذ، وسمّوا أنفسهم بمُسميات مُختلفة، وسيطروا على قادة الأحزاب ومُغامري العساكر الطامعين في السلطة والمال والجاه، وانتشر هذا الفساد والإفساد المحمي بالحكم وبعض العسكر، وصارت هنالك طبقة    حاكمة فاسدة ومُفسدة وحولها رأسمالية طبقية فاسدة وبعض كبار موظفين مُفسدين، وصارت هنالك شلة في الدولة من مجموعة نخب مُفسدة ومحمية بالقانون ومُفصلة القانون على مصالحها، وهذه المجموعات سَيطرت على المال منذ الاستقلال بهذا التنظيم، وعملت علاقات مع الدوائر المالية والمخابراتية  لتحمي وجودها في الدولة القطرية، بل دخلت في أنظمة الأنشطة المالية العالمية وصار جُزء منها عملاءً وأعضاءً في الماسونية وغيرها من المسميات العالمية التي تُسيطر على إمكانَات الشعوب عبر الدول العظمى الأكثر إفساداً، وصارت هنالك شبكة من المُفسدين محلية ودولية قتلت الشعوب وأفقرت الدول الضعيفة، في الداخل مافيا المُفسدين المحليين، وفي الخارج مافيا المُفسدين العالميين، وهكذا انتشر الفساد والإفساد وكوِّن له مراكز من السُّلطة شريكة مع كبار موظفين وبعض التجار ذوي النفوذ وهكذا.

وعليه، الفساد والإفساد صار قوة تُسيطر على الشعوب والدول، ونحن في السودان سيطرت علينا هذه المجموعات المُفسدة والفاسدة وصارت مُسيطرة على كل نظام حكم يبدأ منفعلاً بمحاربة الفساد، ولكن هو يحارب قشور الفساد وليس أصل الفساد، ثم تحتويه مافيا الفساد فتدجنه وتدخله في جلبابها وتدخل في نادي الفساد ثم يثور الشعب، وهكذا نحن في دورة الفساد الخبيثة، وكبار المُفسدين طبقات وطبقات تتراكم وتزيد ويضعف ويفقر الشعب وبفقره تفقر الدول!

إذن، القضية أكبر من الحديث عنها وتكوين لجان، وحل لجان القضية مُحاربة الفساد المؤسسي وجمعيات الفساد وأنديته. الفساد في السودان شبكات ومجموعات مُستمرة منذ الاستقلال وقبله.

إذن، محاربة الفساد تحتاج إلى جثة من الأصل، بل تحتاج لقائد قوي يقضي على أصل الفساد، ولكن قشور الفساد.

وعلى الشعب السوداني أن يعي الأمر ويعمل على اجتثاث الفساد ومُحاربة المُفسدين من الاستقلال حتى يومنا هذا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى