القوى السياسية.. أزمة الحديث بلسانين

 

تقرير- نجدة بشارة

عقب ثورة ديسمبر وسقوط النظام المعزول، انقسمت القوى السياسية بالداخل إلى ثلاثة تيارات متصارعة، تيار يدعم الإئتلاف الحاكم ويتماهى مع التغيير ويساند حكومة الثورة، وهو التيار الذي ينضوي (تحت لواء إعلان الحرية والتغيير) وتيار تحول من خانة اللاعبين الأساسيين كمشاركين للحكومة السابقة إلى خارج الملعب في الهامش، خانة المتفرجين، مثل  (أحزاب الفكة)، بينما البعض الآخر دخل في حالة السكون السياسي، مثل الأحزاب الإسلاموية (المؤتمر الشعبي، الإصلاح الآن) وغيرهم، وهناك تيار ثالث كان وما يزال يمارس حالة من التوهان السياسي، مثل الحزب ( الشيوعي)، والتحالف السياسي العريض تجمع المهنيين السودانيين.

لكن في المقابل يلاحظ أن كل هذه التيارات كانت تتحدث بلسان واحد ومنهج لمتابعة قواعد اللعبة قبل أن تتصاعد الأزمة السياسية والاقتصادية بالبلاد مؤخراً فظهرت التخبطات وسط هذه التيارات، ونما لكل تيار  لسان آخر وأصبحوا يتحدثون بلسانين مختلفين غير (مبين) وباتا يشكلان بلبلة وسط القطاعات الجماهيرية.

بين السر والجهر

في الاتجاه الآخر السياسي، ظهر التباين السياسي أكثر وضوحاً وسط الإئتلاف الحاكم على خلفية  الأزمة السياسية والاقتصادية والتحولات السريعة، التي جعلته يغير في تكتيكاته، ولعل قرار رفع الدعم عن المحروقات جعل هذه الكيانات تخرج الهواء الساخن وتتماهى في مواقفها، من حيث تعلن موافقتها على القرارات الحكومية داخل اجتماعاتها مع الحكومة، ثم تصرح خارج الغرف معبرة عن رفضها لهذه القرارات  وبدل أن تساند وتدعم خط الحكومة أصبحت بعض هذه الكيانات تتحدث بلسانين حيث تدعو سراً إلى العودة للشارع وتغيير الحكومة، وتجهر بضرورة إصلاح مسار الثورة، ولعل تجمع المهنيين الذي ظل يدعو إلى الإصلاح وتصحيح مسار الثورة، شن هجوماً عنيفاً على القرار  القاضي بتحرير أسعار الوقود ووصفه بغير المدروس، معتبراً أن ما تفعله الحكومة سيأتي بنتائج كارثية.

وقال عضو سكرتارية التجمع محمد ناجي الأصم في تصريح سابق، إنه لم تتم مشاورتهم في الحرية والتغيير وتجمع المهنيين بهذا القرار بالتالي سيعملون على مواجهته بالضغط الجماهيري، وأضاف أن القرار لن يمر عليهم بالصورة العادية، وكشف عن وجود فجوة بين الجهاز التنفيذي والحاضنة السياسية، الأمر الذي اعتبره السبب الأساسي وراء ضعف الأداء الحكومي وتفاقم الأزمة الاقتصادية.

في المقابل جهر الحزب الشيوعي مهددًا بإسقاط الحكومة وسياساتها في مسيرة يوم 30 يونيو القادمة.

عدم المشاورة

ولعل من المفارقات ظلم أولى القربى، حيث فتح  القيادي بالمجلس المركزي بقوى الحرية والتغيير “قحت” ورئيس الحزب الوحدوي الناصري الديمقراطي د. جمال إدريس الكنين أبواب جحيم الرفض أثر الزيادات الأخيرة في أسعار المحروقات التي تمت بنسبة مائة بالمائة وحــذر من خطورتها على الثورة والبلاد وأقر بأن قرارات زيادة المحروقات أفقرت الشعب السوداني بأكثر مما كان في ۲۰۱۸م.

وأكد  في تصريحات صحفية عدم مشاورة رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك ووزيري المالية والتخطيط والطاقة لهم في قـوى الحرية والتغيير في إقرار زيادة المحروقات، وكشف عن لقاء لجنة من قيادات المجلس المركزي أمس رئيس مجلس الوزراء. وقال الكنين مخاطباً رئيس مجلس الوزراء في تصريح لـ”الجريدة”: لكي تطاع اطلب المستطاع، وهذه القرارات بهذه الطريقة تدل على أن المسؤولين بالحكومة يفتقرون إلى الحساسية تجاه معاناة الناس وآلامهم وهذه صفات لا تشبه الثورة والثوريين.

وحذر من نتائج الحراك الذي تشهده شوارع الخرطوم وعدد من الولايات لأنه يمكن أن يجر البلاد إلى فوضى وتعقيدات وإلى حالة الانفلات الأمني.

وشدد الكنين على ضرورة التفريق بين إسقاط الحكومة الحالية أو تغييرها وبين إسقاط الحكومة الانتقالية، وأكد أن من حق قوى الثورة تغيير الحكومة واستبدالها بأخرى ورأى أن الحراك السلمي سيضغط على الحكومة لتغيير سياساتها. وفي رده على سؤال حول هل بإمكان قوى الحرية والتغيير عزل رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك أوضح أن الوثيقة الدستورية نصت على أن المجلس التشريعي هو الذي يقيل رئيس الوزراء وحكومته.

رعاية مصالح

يرى القيادي بالحرية والتغيير آدم جريجير، في حديثه لـ(الصيحة) أن المشكلة الحقيقية للإئتلاف الحاكم أن مجلس قوى الحرية والتغيير أصبح مجلس أحزاب محدودة يسيطر عليه عدد قليل من الأحزاب لا يتجاوز  الـ 3 الى 5 أحزاب فقط، فيما خرجت معظم الكيانات من المنصة التي كونت قوى التغيير بداية الثورة، وأردف: كما أن هذه الأحزاب ليست على قلب رجل واحد، وكل يغني ليلاه، وهذا ما يفسر استخدام أحزاب الحاضنة لأكثر من لسان، وقال: لتفادي هذه المشكلة سبق وطالب حزب الأمة بإعادة هيكلة قوى التغيير، حتى تصبح الحاضنة كتلة واحدة في الأطروحات والفكر.

واعتقد جريجير أن الفترة الانتقالية تمثل أسوأ فترات الحكم الديمقراطي وأضعف حلقاته، وبالنسبة للأحزاب جميعها، فإن كلاً منها يبحث عن مصالحه الخاصة.

توحيد الخطاب

وقال جربجير: توحيد الخطاب السياسي لن يتأتى إلا بإعادة هيكلة الحاضنة السياسية والعودة للمنصة الأولى بإشراك القوى السياسية الفاعلة الموقعة على الميثاق، وأردف: هذا سوف يضمن توحيد الخطاب السياسي.

لكن عضو حزب المؤتمر السوداني، نور الدين صلاح الدين، أوضح لـ(الصيحة) سابقاً أن لا شيء أضرّ بمسيرة التطوّر السياسي بالبلاد إلاّ عدم الالتزام السياسي، وبما تقره الاتّفاقيات والدساتير المنظمة للحياة السياسية في السودان.

تباين ولكن !!

في السياق رأى القيادي بإعلان قوى الحرية والتغيير، ورئيس حزب البعث التجاني مصطفى في حديثه لـ(الصيحة) قال: طبيعي أن يكون هنالك تباين داخل الإئتلاف الحاكم، لجهة تعدد الأحزاب والكيانات، وبالتالي طبيعي عدم الاتفاق مئة في المئة أو أن يكون لهذه الأحزاب لسان واحد، والمعقول أن يكون هنالك حد أدنى من التوافق ليلتفوا حوله وأن يكونوا حريصين لعبور المرحلة الانتقالية بسلام.

ويرى مصطفى أن هنالك بعض السلوكيات تصدر بصورة فردية من بعض الأحزاب تبين حرصهم على مصالحهم الحزبية أكثر من المصلحة الوطنية، عبر حرصهم على المحاصصات، لكن أرى أن هذه التبايانت طبيعية رغم أنها بدأت تؤثر على مركزية الحرية والتغيير وسط القوى السياسية، وهنالك عدم الرضى داخل الحرية والتغيير أدى إلى تعطيل قضايا حيوية مثل المجلس التشريعي، أيضًا أشير إلى دخول أطراف جديدة من أطراف وشركاء السلام، وهذا خلق مزيداً من التباينات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى