Site icon صحيفة الصيحة

صديق البادي يكتب.. تهديد الحزب الشيوعي وانعقاد شورى المؤتمر الوطني (1)

انطوت صفحة النظام السابق في اليوم الحادي  عشر من شهر أبريل عام 2019م بعد ثورة شعبية سلمية اندلعت شراراتها الأولى في اليوم التاسع عشر من شهر ديسمبر عام 2018م، وهي امتداد لتراكمات سابقة وتخللتها مظاهرات متفرقة في أنحاء العاصمة والولايات امتدت لمدة أربعة أشهر إلا قليلاً أحرقت فيها إطارات سيارات وكتبت ورددت على نطاق واسع شعارات (تسقط بس) وقفلت طرق وسيرت مواكب متفرقة هنا وهناك.  وكانت أجهزة الدولة القمعية تتصدى لتفريقها بالبطش والضرب بالهراوات وبالغازات المسيلة للدموع والاغتيالات أحياناً مثل حالة اغتيال الشاب الطبيب الشهيد وإدعاء مدير جهاز الأمن والاستخبارات يومئذ أن من اغتالت الشهيد هي فتاة شيوعية ببندقية كان تخفيها في حقيبتها!!!  وأعلن الثوار أنهم سيعتصمون أمام القيادة العامة للقوات المسلحة في يوم السبت الموافق السادس من أبريل وسخر منهم واستخف بهم أحد قادة النظام السابق بعبارات سوقية فيها جلافة، أما الرئيس السابق فاعتبر أن الحديث عن الاعتصام هو مجرد زوبعة في فنجان ولم يكن مكترثاً للأزمات والاختناقات وكل الذي كان يشغل باله هو انتخابات عام 2020م التي كانت هي هاجسه الأوحد.

وفي يوم السبت الموافق السادس من أبريل فاجأ الثوار الجميع واقتحموا ساحة القيادة العامة للقوات المسلحة واعتصموا فيها وتوالت الأحداث بعد ذلك تباعاً بكل تفاصيلها المعروفة حتى انتصرت ثورة التغيير وأجبر الرئيس السابق للتخلي عن السلطة وتلقائياً تم حل أجهزة الحكم بكافة سلطاتها السيادية والتنفيذية والتشريعية والولائية. وظل الاعتصام قائماً بعد ذلك لمدة أربعة وخمسين يوماً، وتم فضه بالقوة الباطشة في اليوم الثالث من شهر يونيو عام 2019م واستشهد عدد كبير وجرح الكثيرون، وبعض المعتصمين لا زالوا مفقودين.. وقبل فض الاعتصام بأسبوعين كنت أريد الوصول لصينية بري واقتضى هذا أن أمر لأول مرة بساحة الاعتصام وعند دخولي بالبوابة الغربية تم تفتيشي وسمح لي بالدخول واتجهت شرقاً ولحسن حظي صادفني في طريقي أحد تلاميذي قبل سنوات طويلة خلت واستقبلني بالأحضان استقبالاً حاراً طيباً وقدمني لعدد من أصدقائه وأصروا أن أذهب معهم لخيمتهم وتآنسنا وقضيت معهم وقتاً طيباً، وعلى مقربة منهم كان بعض الشباب يتلاعبون بكوز داسوه بأرجلهم وأخذوا يصيحون بأصوات مرتفعة (الكوز دسناه الكوز دسناه) وقلت لأحد أولئك الشباب بتلك الخيمة أصدقكم القول إنني عابر سبيل والغرض من مروري بساحة الاعتصام هو الوصول لصينية بري ولذلك فإن قائمة شرف الثوار الذين أحدثوا التغيير لا تشملني ومن حقكم على الآخرين أن تسجل أسماؤكم في قائمة شرف من قاموا بالتغيير ولكن هذا لا يعطي الثوار حقاً أبدياً وشيكاً مفتوحاً على بياض ليكونوا هم وحدهم محتكرين لتسيير شؤون البلاد والعباد وأن يصبح الآخرون مجرد متفرجين، وقطعاً هناك من لم تكن له مصلحة في النظام السابق ولم يستفد مه شيئاً ولم يجد منه إلا الأذى وليست له مصلحة في الوضع الحاضر أو اللاحق ومن حق هؤلاء وهم كثيرون أن يشاركوا بأدائهم أو بآرائهم في تسيير شؤون وطنهم وهذا حق أصيل بالنسبة لهم وليس منحة يستجدونها من أحد.

وقطعاً إن الثوار الأصلاء يتسمون بالاعتدال ولكن المتوقع أن يظهر غيرهم من المنتحلين الذين يمكن أن يدعوا زوراً وكذباً أنهم أهل الثورة وصناعها وحراسها كاللبوة الشرسة التي تدافع عن صغارها، ولعل غرض الواحد من هؤلاء هو التغطية على أخطاء ارتكبها في العهد السابق مثل أن يكون في مرحلة سابقة من عمره مصدراً أمنياً غير أمين يدبج التقارير الكاذبة ويتجسس على زملائه في الدراسة أو في مواقع العمل أو يكون نفعياً له علاقاته الانتهازية داخل النظام السابق وحصل على مكاسب بغير وجه حق ويريد أن يغطي عليها الآن بادعاء الثورية.

وبعد عامين وشهرين من انتصار ثورة التغيير فإن المتفق عليه بين الجميع أن الأوضاع المعيشية والخدمية قد انحدرت للحضيض.  والمؤسف أن الحكومة أضحت هي (حكومة تنفيذ أوامر وتوجيهات الخواجات وتسعى لإرضائهم بلا مقابل وثمن ولم يقدموا لها شيئاً يذكر). وأصبحت بالنسبة للخواجات مثل الأعمى الذي يقوده مبصر ماكر لئيم. واتبعت كل التوجيهات والسياسات التي طلب منها الخواجات لتنفيذها. وأدت هذه التبعية العمياء لشبه انهيار اقتصادي وشمخ الدولار بأنفه ووصل سعره في وقت قياسي أرقاماً خيالية فلكية وأضحت قيمة العملة السودانية في أسفل سافلين.  وانتشرت السرقات تحت التهديد بالسلاح وكثرت الجرائم والمظالم. وأخذ الخواجات يتدخلون تدخلاً سافراً في المسائل السيادية الداخلية. وتوجد مسائل آجلة غير عاجلة هي من اختصاص الجمعية التأسيسية المنتخبة القادمة وهي من صميم خيارات الشعب السوداني ولكنها أخذت تطرح فرضاً وقهراً بلا وجه حق، والمؤسف أن ميزان العدالة قد اختل لتجميد عمل المحكمة الدستورية مع المماطلة والتسويف المتعمد في تكوين المجلس التشريعي الانتقالي.

والوطن الآن يمر بتحديات عويصة وتحرشات أجنبية وعلى سبيل المثال فإن بينه وبين أثيوبيا الآن مشكلة عويصة حول سد النهضة وبينه وبينها هجوم ودفاع في الفشقة السودانية والشفتة الأحباش أخذوا يقومون الآن بعمليات إجرامية استفزازية واعتداءات وعمليات قتل لعدد من المزارعين السودانيين والوضع يتطلب من السودان الحزم والعزم والقوة، وفي ذات الوقت  يتطلب عدم التهور والسعي ما أمكن لإيجاد حلول مرضية عادلة تحفظ الحقوق ولا تهدرها وتفرط فيها واضعين في الحسبان أن بعض الأطراف الخارجية الخبيثة لها مصلحة في إيقاد نار الفتن وإشعال حرب استنزافية مفتوحة بين البلدين وعليها تجنبها.  والمؤسف أن بعض الدول أخذت تتكالب وتتنافس للسيطرة على موارد وموانئ السودان وسواحل البحر الأحمر ومع كل هذه التحرشات والتحديات فإن البعض أصبح من أولوياتهم حسم موضوع عطلة الأسبوع وهل تكون يوم الجمعة أم تصبح يوم الأربعاء وهو اليوم الذي يحبذونه ويفضلونه على يوم الجمعة وربما يأتي مفاوض آخر في مرحلة تالية ليعترض ويطالب بأن تكون عطلة نهاية الأسبوع هي يوم الإثنين أو يوم الخميس!!

وفي ظل هذه الأوضاع المتردية والضعف البائن في أداء أجهزة ومؤسسات الحكم لقلة التجربة وتدني الخبرات والقدرات أعلن الحزب الشيوعي أنه سيعمل على إسقاط الحكومة وربما يكون مناوراً ليتم التفاوض معه، ولعله أراد استغلال مشاعر الغضب الكامن في النفوس بسبب تردي الأوضاع المعيشية والخدمية والأمنية بتكليف وتحريض من يقومون بعمليات حرق الإطارات وقفل الشوارع والطرق وتأليب المواطنين للقيام بتظاهرات وكتابة الشعارات المضادة، ولكن إذا افترضنا مجرد افتراض أن عملياتهم هذه أسقطت الحكومة وأجريت انتخابات عامة فالمؤكد أنهم لن يحصلوا بالكاد إلا على بضعة مقاعد في البرلمان المنتخب لا تؤهلهم ليكونوا البديل الحاكم. وتاريخياً لم يكن لهم وجود يذكر في المجالس الإقليمية والولائية ومجالس الولايات والمحليات والمجالس الريفية واللجان الشعبية القاعدية، وبالتالي فإنهم بلا إنجازات تذكر في مجالات البناء والتنمية والتعمير والخدمات، ولكنهم أثبتوا نجاحهم الباهر وتفوقهم في مجال المعارضة في مختلف العهود ومن حقهم أن يعملوا ويمارسوا نشاطهم السياسي في كافة المجالات بقدر حجمهم الطبيعي وعضويتهم المسجلة.

 

Exit mobile version