رحلات وأسفار.. سياحة في وطن الجمال!

 

إعداد وإشراف : بهاء الدين قمرالدين

مدينة الجزيرة أبا.. من هنا بدأ التاريخ!

عزيزي القارئ.. قف واخلع نعليك فأنت في أرض البطولة والقداسة والجمال رحم الثورة وموئل الأحرار!

أكبر جزيرة في السودان يحتضنها النيل الأبيض بحب وحنان وترقد في كتفه عروساً فاتنة وحورية ساحرة،

من ابا انطلقت شرارة الثورة الأولى لتحرير السودان وهنا هزم الأنصار بقيادة الإمام المهدي بريطانيا العظمى الإمبراطورية التي لاتغرب عنها الشمس،

أبا مدينة ترتدي جلباب التاريخ وتتدثر بالخضرة والروعة والجمال.

أول بقعة في أفريقيا والعالم العربي والإسلامي تتنسم عبير الحرية والاستقلال.

هيا نعبر (الجاسر) الجسر الترابي والمعجزة الصامدة في قلب الماء لأكثر من قرن.

كيف بنى الأنصار الجاسر من التراب وأشجار السنط  في ملحمة إرادة  الحياة والعزيمة القوية التي تقهر المستحيل وتتحدي الموت.

الجزيرة أبا سودان مصغر انصهرت فيها كل الأعراق والثقافات في بوتقة الوحدة الاجتماعية والثقافية وخلاصة الفكر والأصالة السودانية.

أول منطقة مارست زراعة القطن في السودان وَمدت مصانع مدينة لانكشير البريطانية بالقطن.

مسجد الكون وسرايا الإمام عبد الرحمن والجاسر أبرز المعالم التاريخية والسياحية.

مشروع طيبة الزراعي جنة الله في أرضه وغار المهدي نفاج من الأرض تلقاء السماء.

الإمام الصادق المهدي سماها المدينة الفاضلة والرحمانيات أحياء المدينة المقدسة.

الطائرات قصفت  المدينة بالقنابل والحمم الحارقة لثلاثة أيام  إبان حكومة مايو (الحمراء) ومن رحم  الموت خرج أهلها وناسها وكتب الله لهم عمرا جديدا ومديدا.

///////////////////////////////////////////////

عزيزي القارئ.. قف واخلع نعليك… فأنت في  الجزيرة أبا.. المدينة الفاضلة والبقعة الطاهرة والمقدسة التي يحتضنها النيل الأبيض؛ ومن هنا بدأالتاريخ وانطلقت شرارة الثورة الأولى لتحرير السودان؛ وهزم فيها الأنصار بقيادة الإمام المهدي، بريطانيا العظمى الإمبراطورية التي لاتغرب عنها الشمس آنذاك؛ حتى أن أمريكا سيدة العالم اليوم؛ كانت إحدى مستعمراتها؛ لكن رغم ذلك الجبروت وكل تلك القوة والمنعة؛هزمناها نحن السودانيين  ومرغنا انفها بالثرى؛ وقطعنا رأس (غرورها)؛ قبل أن نجز (رأس غردونها)، هنا في معركة الجزيرة  ابا أولى معارك الثورة المهدية في القرن السابع عشر الميلادي؛ وانتصر الأنصار بقيادة الإمام المهدي، بسيف العشر والإيمان الصادق واليقين القاطع، والعزيمة التي لا تلين، ومن أجل الوطن والدين والعقيدة، انتصروا على أحدث الأسلحة الفتاكةوالمدافع المدمرة  والآليات الحربية القتالية  آنذاك؛ هنا في أبا رحم الثورة وأرض البطولة وموئل الأحرار الابطال؛ وأيضًا تعرضت الحزيرة ابا في سبعينيات القرن المنصرم  إبان حكومة المشير جعفر محمد نميري؛ والتي كانت ترتدي (البزة الحمراء)  في بداية عهدها آنذاك؛ تعرضت ابا  للقصف بالطيران لثلاثة أيام؛ وسقطت عليها القنابل المدمرة والحمم القاتلة ؛ ولكن رغم ذلك الهلاك والإهلاك العظيم  والفتك الكبير و الشمال والكامل؛ والمقتلة العظمى؛ رغم كل ذلك؛خرج أهلها من رحم الموت ؛ وهم كلهم اليوم (بقايا) كتلة وشهداء أحياء كتب الله لهم عمرا جديدا ومديدا.. ألم أقل لك عزيزي القاري انت في أرض البطولة والشجاعة ومؤئل الأحرار!؟

وهيا ناخذك في سياحة عبر شوارعها وازقتها ومعالمها التاريخية التي يفوح منها عيق التاريخ؛ وتتدثر الجمال؛ وترتدي ثوب الخضرة والروعة والبهاء؛ ويحتضنها النيل الأبيض في حب وأمان وترقد في كنفه عروسًا فاتنة وحورية حسناء؛ هيا عزيزي القاري نعبر معا  (الجاسر)؛ ونقف أمام وندخل سرايا الإمام عبدالرحمن المهدي؛ ونصلي في جامع الكون؛ ونقف أمام (الغار التحت) (والغار الفوق)؛ حيث كان يتعبد الإمام المهدي ويطلب من أنصاره أن لا يدخلوا عليه وان لا يقطعوا خلوته  مهما حدث؛ حتى وإن (خربت الدنيا وما فيها) حسب قوله!!

هيا معاً تطوف عبر شوارعها؛ ونغبر أقدامنا بتراب الأرض المقدسة و(المدينة الفاضلة)؛ كما كان يسميها الإمام الراحل الصادق المهدي، هيا نعانق التاريخ والجمال والقداسة والعراقة والأصالة… ومرحبا بك عزيزي القارئ في مدينة الجزيرة أبا بولاية النيل الأبيض؛ رحم الثورة وموئل الأحرار وأرض الأصالة والتاريخ والكرم والجمال.

////////////////////////////////////////////////////////////

موقع الجزيرة أبا

تقع الجزيرة أبا في ولاية النيل الأبيض على بعد 280 كلم جنوب الخرطوم، ويبلغ طولها 33 ميلا وعرضها 4 أميال وهي بذلك تعتبر اكبر جزيرة في السودان من حيث المساحة، يحفها النيل الأبيض من كل الجهات فمن الغرب المجرى الرئيسي للنيل ومن الشرق الجاسر وهو المدخل الترابى الوحيد للجزيرة أبا والذي شيده الانصار وصنعوا بذلك احد أشهر الجسور الترابية في تاريخ السودان. كما توجد حولها بعض المدن ذات صلات ثقافية والاجتماعية بالجزيرة أبا مثل مدينة كوستي التي تحدها من ناحية الجنوب الغربي ومدينة ربك التي تقع في الناحية الجنوبية الشرقية لأبا، بينما توجد منطقة سكر عسلاية في اتجاه الشرق.

النشأة والتكوين:

أثبتت الدراسات الأثرية والتاريخية التي تمت بالجزيرة ابا؛ وجود مستوطنات ترجع إلى فترة العصر الحجري الحديث المتأخر حوالي 5000عام ق.م والتي تمثلت في الانتشار الكثيف لقطع الفخار والادوات الحجرية في مناطق مرسى البنطون بطيبة في الجزء الجنوبي للجزيرة أبا وحجر عسلاية، كما وجدت مخلفات أخرى تعود الى فترة حضارة مروي المعروفة (850قم ـ 350م) في كلٍ من الحلة الجديدة وحلة القرقور والتمرين وترعة ود الرداع، وقد اشتملت الموجودات على انواع متعددة من الأواني الفخارية وأدوات الزينة مثل الخرز والعقود وغيرها، أما الفترة الإسلامية فقد وجدت بعض المصاحف المخطوطة وأدوات الحياة اليومية مثل الركوة والألواح والدواية والفروة وغيرها (معظمها الآن موجود بحوزة الأهالي)، حيث اكتملت ظلسلمة هذه المنطقة مع بواكير الدعوة الإسلامية في وسط السودان إبان فترة مملكة الفونج وبلغت قمتها في فترة الدولة المهدية. وربما أسفرت الدراسات المستقبلية عن نتائج باهرة عن الفترات الحضارية الأخرى. هذه الدلائل تؤكد الأهمية الآثارية والتاريخية للمنطقة التي ترتبط ارتباطا مباشرا بالتسلسل الثقافي والحضاري للسودان ولا تنفصل بحال عن منظومة الحضارة السودانية التي تبدأ من العصور الحجرية وتنتهي بالفترة الإسلامية.

أصل التسمية:

تذكر المصادر المحلية والروايات الشفوية أن المنطقة قبل مجيء الإمام المهدي إليها كانت تتبع لمك من قبيلة الشلك، ويشير الراوي محمد حسن احيمر عمدة الجزيرة ابا الحالي إلى ان المنطقة كانت عبارة عن مراعٍ واسعة وأراضٍ زراعية خصبة، فيأتي اليها الرعاة من مختلف القرى المجاورة للرعي في فترة الصيف، وفي بعض الأحيان يفرض عليهم مك الشلك ضريبة مقابل رعيهم، وحينما يرفض لهم يقولون مك الجزيرة (أبا) أو سيد الجزيرة أبا لينا أي رفض لنا ومن هنا جاءت التسمية ولا تزال مجموعات كبيرة من الرعاة تأتي الجزيرة من أجل الرعي والماء.

المكونات الثقافية والاقتصادية:

ارتبط تاريخ الجزيرة أبا ارتباطاً مباشراً بالثورة المهدية وذلك لأنها مثلت الشرارة الاولى التي انطلقت منها الثورة وقادت السودان إلى الحرية والاستقلال كأول منطقة أفريقية في التاريخ الحديث تعرف معنى الحرية والاستقلال وتتنسم عبيره عندما تحررت على يد المهدي في اواخر القرن التاسع عشر. عندها سعت مجموعة من المقاطعات والدويلات الصغيرة في افريقيا الى الاستقلال والمطالبة بالحقوق والحريات اهتداءاً بالجزيرة أبا التي سبقتها في هذا الشرف.

السكان:

يمثل العنصر السكاني أحد المكونات الثقافية الرئيسية في الجزيرة أبا حيث نجد تعدداً إثنياً وعرقياً كبيراً بالمنطقة يتمثل في مجموعة القبائل التي وفدت إلى الجزيرة في فترات مبكرة من مختلف انحاء السودان، وعلى الرغم من ان معظها ترجع اصوله الى غرب السودان الا ان هناك مجموعات مختلفة من قبائل الشمال والشرق والجنوب يعيشون في سلامٍ وود واحترام دائم مما يعني انها بوتقة للوحدة الثقافية والاجتماعية انصهرت فيها هذه المجموعات فكونت خلاصة الفكر والثقافة السودانية الجامعة.فتجدهم جميعاً يسمون بناس الجزيرة أبا أو الجزيراب دون أن تعرف إلى أي قبيلة ينتمي الشخص الذي تتحدث إليه، ومن هنا فقد كانت مشابهة لما يعرف بالانتساب الى المدن على غرار اللندنيون (Londoners) وهي سمة قلما توجد في سودان اليوم.

النشاط الاقتصادي:

تمثل الزراعة الحرفة الرئيسية الأولى داخل الجزيرة أبا وخارجها في مشروع قفا الزراعي والتي تقع الى الشرق بمحاذاة مشروع سكر عسلاية ومن أهم المحاصيل التي تزرع بالجزيرة هي القطن وتعتبر أول منطقة مارست زراعة القطن في السودان في عام 1912م في مشروع طيبة الزراعي، كما توجد العديد من أنواع الفواكه والخضروات والذرة بأنواعها المختلفة، كذلك يمارس سكان الجزيرة أبا حرفة الرعي وصيد الأسماك والتجارة والصناعات الصغيرة مثل صناعة الأزيار وأواني القهوة مثل الجبنة والشغال والمصنوعات الجلدية مثل الشنط والمراكيب وغيرها.كما ان معظم الموظفين والعاملين في مدن كوستي وربك وشركات السكر في كنانة وعسلاية من الجزيرة أبا وذلك لأنهم يتمتعون بالنزاهة والصدق والأمانة.

التعليم:

تعتبر الجزيرة أبا من أوائل المدن في السودان التي اهتمت بالتعليم وتوجد بها الآن 18 مدرسة للأساس أشهرها مدرسة الإمام عبد الرحمن ومدرسة السلمابي ومدرسة الرحمانية وعدد غير محدود من رياض الأطفال من أشهرها روضة أم سلمة بت أبيض والتي كانت من أقدم رياض الأطفال في السودان، وقد درس بها عدد غير قليل من مدن كوستي وكنانة وربك، وتوجد أيضاً 8 مدارس ثانوية ومعهد فني وقد كان طلاب ربك والمرابيع وبعض المناطق المجاورة يفدون الى الجزيرة أبا لتلقي العلم بها حتى منتصف التسعينيات.

أما التعليم الديني فهناك عدد غير محدود من الخلاوى والمدارس القرانية والتي كانت امتداداً لخلاوى الامام المهدي من ابرزها تقابة الكون التي تاسست عام 1881م وخلوة الشيخ عبد الرحمن قادم وغيرها.كما يوجد عدد كبير من رجال الدين والائمة والمفكرين والعمد وغيرهم، وقد لعب هؤلاء دوراً كبيراً في اثراء الحركة الدينية والسياسية في المنطقة والسودان

أما التعليم الجامعي فتوجد ثلاث كليات تتبع لجامعة الامام المهدي وهي كلية الشريعة والقانون وكلية الآداب وكلية تنمية المجتمع.

المنظمات التطوعية:

يوجد بالجزيرة أبا عدد كبير من منظمات المجتمع المدني منها هيئة تطوير الجزيرة أبا وجمعية حماية البيئة ورابطة أبناء الرحمانية جنوب غرب الخيرية بابا وجمعية كفالة الأيتام وجمعية تقابة الكون ورابطة طلاب الجزيرة أبا بالجامعات والمعاهد العليا ورابطة خريجي الجزيرة أبا.

الأحياء العريقة بالجزيرة أبا:

تضم الجزيرة أبا أربع رحمانيات رئيسة وهي كالآتي:

الرحمانية شمال شرق

الرحمانية شمال غرب

الرحمانية جنوب شرق

الرحانية جنوب غرب

وهناك الأحياء المجاورة للرحمانيات وهي في شمال وشرق وجنوب الجزيرة منها أرض الشفاء حلة شيخ عبد الله جاد الله، والتي تعرف الآن بالحلة الجديدة ودار السلام وتكسبون وأبو أم كوم وطيبة وأولاد ناصر والتمرين والغار.

المعالم التاريخية:

تزخر الجزيرة أبا بالعديد من المعالم الحضارية والتاريخية والتي شيّد معظمها من المواد المحلية البسيطة مثل معظم المباني المبكرة في السودان كالحصير وأعواد أشجار السنط فكانت المساكن عبارة عن كرانك وقطاطي تتخذ قاعدة من الطين في بعض الأحيان بينما يستخدم الحصير والقش في الأعلى، وعلى هذا الشكل شيّدت المساكن والخلاوى وجامع الكون قبل أن تتم إعادة بنائه بشكله الحالي ليصبح حلة معمارية زاهية، ومع ظهور وانتشار المواد الثابتة واكبت المنطقة التطور العمراني الكبير الذي حدث في السودان فأقيمت بعض المباني التاريخية التي تقف شاهداً على عظمة هذه المنطقة وإنسانها وماضيها، بينما ظلت الأخرى على هيئتها الأولى، ومن أشهر هذه المعالم:

جامع الكون العتيق:

يعتبر جامع الكون من أعرق واكبر المساجد في السودان وقد تأسس في عام 1908م ويسع حوالي ثلاثة آلاف مصلٍّ ويتكون من 49 غرفة ومساحته الداخلية 3836 x م مربع والمساحة الخارجية 4040 x م مربع، أما السور الخارجي فيبلغ 100×100م مربع، وقد أعيد تشييده بالمواد الثابتة في عهد الإمام الهادي بعد ان كان مشيداً بالمواد المحلية في مراحله الأولى.

ومن اشهر الأئمة الذين مروا على هذا المسجد مولانا علي السيوري ومولانا محمد حسن إحيمر والفكي رشيد وداؤود المؤذن والإمام الحالي مولانا عبد الرحمن بره.

سرايا الإمام عبد الرحمن المهدي:

وهي إحدى منارات الجزيرة أبا السامقة والتي شيدت على الطراز الانجليزي القديم وقام بتصميمها مهندس معماري من السودان وتبلغ مساحتها 150×100م وهي الآن ضمن مباني جامعة الإمام المهدي.

غار المهدي:

وهو عبارة عن مكان منعزل يتعبد فيه الإمام المهدي لذا سمي بالغار، وكان مقسما الى ثلاثة أقسام حسب فصول السنة بواقع أربعة شهور لكل غار، ففي فصل الشتاء كان يتعبد في (الغار الفوق) وهو عبارة عن جبل مجوف موجود في قلب النيل والآن اختفى بعد أن غمرته المياه بسبب إنشاء خزان جبل أولياء، أما في فصل الصيف فكان يتعبد في غار آخر الآن موجود في قلب سرايا الإمام عبد الرحمن ويختار شهر أبريل عندما يشتد الصيف، أما في الخريف فكان يتعبد في(الغار التحت) وهو بالقرب من النيل والآن يطلق مسمى الغار على هذا الجزء الموجود بالقرب من النيل.

وفي كل أوقات التعبد كان يدخل يوم السبت ويخرج يوم الخميس ويؤدي مع أحبابه ومريديه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة، ويذكر العمدة إحيمر بأنه كان يطلب منهم عدم الدخول إليه اثناء التعبد (ولو خَربت الدنيا كلها) وقد أتته المهدية وهو في غار الخريف (الغار التحت) ثم انتشرت إلى كل أنحاء السودان.

الجاسر:

يقع الجاسر في الجهة الشرقية للجزيرة أبا وهو المدخل الوحيد لها ويعتبر جسرا ترابياً يربط بين ضفتين، ويقال أن هناك وفداً مصرياً زراعياً يريد ان يقف على زراعة الأقطان بالجزيرة أبا وتجربة الإمام عبد الرحمن في هذا المجال، وقد وجد الوفد صعوبة في عبور النيل فقال الإمام عبد الرحمن إنه سيقوم بردم النيل فتم ذلك حيث استخدمت أشجار السنط والتراب ومن هنا جاءت التسمية بالجاسر وكان ذلك ي عام 1934م من ناحية منطقة المخاضة الحمراء.

مشروع طيبة الزراعي:

يقع في الناحية الجنوبية للجزيرة أبا وقد تأسس عام 1933م ليمد مصانع لانكشير في بريطانيا بالأقطان بكافة أنواعها.

التمرين:

يقع في اقصى الناحية الشمالية للجزيرة أبا وسمي بالتمرين لأن جيش الإمام المهدي كان يعسكر في ذلك المكان ويسمى الأن بـ” قباء”.

الأصالة والتاريخ والجمال :

وأنت تتجول عزيزي القارئ في شوارع وأزقة الجزيرة أبا العامرة؛ تشتم رائحة التاريخ وعبير الأصالة تملأ المكان، وتعطر الزمان؛ وتحس بالدفء والأمان، كأنما انت تسير في عرصات الجنان والفراديس العلا، كل بقعة في أبا هي درة غالية، وكل ذرة تراب هي جوهرة ولؤلؤة وذهب خالص؛ كأنما الشاعر التجاني يوسف بشير كان يعنيها حينما قال :

يادرة حفها النيل واحتواها البر

صحا الدجى وتغشاك في الأسرة فجر

وصاح بين الربا الغر

عبقري أغر

كما ذا تمازح فن على يديك وسحر

يخور ثور وتثغو شاة وتنهق حمر

والزرع مونق مخضر

حيا أهلك فيض من الرخاء ويسر

ملائكة تمشي على قدمين

وفي كل مربع من الجزيرة أبا وفي كل  بيت؛ يلاقيك أهلها الطيبون الأنقياء الأتقياء؛ بكل حب الكون وكل مودة وطيبة الوجود، ولاتحس بأنك غريب، كلا.. بل أنت هنا بين أهلك  وناسك وعشيرتك الأقربين وفي قلب أحبابك؛ وفي بيتك ودارك، وترى الحب ينهمر شلالات جارفة من أعينهم، مثل مياه  النيل الأبيض أو (بحر ابيض) كما تحلو لهم تسميته، والذي سقى أبا الحب  والحنان؛ والشهد المصفى والماء الزلال؛ وزرع في قلوبهم المحبة والنقاء، قبل أن يخصب ويجمل أرضها بالخصرة والروعة والجمال، ولا عيب في أهل الجزيرة ابا، سوى أنهم ينسونك بحبهم أهلك وناسك وديارك، كما وصفهم الشاعر :

لا عيب فيكم سوى أن  ضيفكم يسلو الديار والأحباب والأوطان والأصحاب!

وأنت تحتار هل أهل أبا بشر من لحم ودم أم هم ملائكة في إهاب بشر؟

بحر أبيض

ولا شك أن النيل الأبيض أو بحر أبيض؛ كما يسمونه، استمد اسمه وبياض مائه الصافي العذب الزلال، استمد وسرق واستعار بياضه ونقاءه من قلوب أهل الجزيرة ابا؛ الطاهرة النقية البيضاء؛ أنا أزعم ذلك!

ضربة الجزيرة أبا:

تعرضت الجزيرة أبا إلى القصف المكثف لثلاثة أيام، بالطيران (الأجنبي) إبان سبعينيات القرن الماضي، في عهد حكومة مايو بقيادة المشير جعفر محمد نميري، حينما كانت مايو ترتدي (البزة الحمراء) وتلهج بشعارات ماركس ولينين واليسار، تعرضت  أبا الوادعة لقصف مكثف  بالقنابل القاتلة والحمم المدمرة، وصبت عليها الطائرات الموت  الزؤام صباً، ولو قدر للإعلام أن يسجل تلك المقتلة العظيمة، لدون وسجل أكبر حرب إبادة جماعية لإنسان أعزل  في التاريخ آنذاك، ولكن رغم كل ذلك الإهلاك العظيم المقتلة الكبرى؛ فقد خرج أهلها من رحم الموت وهم (بقايا كتلة) وشهداء أحياء، كتب الله لهم عمراً جديداً ومديداً، ألم أقل لك عزيزي القارئ إن أبا هي أرض البطولة وموئل الشجعان الأحرار!؟

المدينة الفاضلة :

ويحلو للراحل السيد الصادق المهدي إمام الأنصار ورئيس حزب الأمة، أن يسمى الجزيرة أبا بالمدينة الفاضلة، والأرض المقدسة، وهي حقاً مدينة فاضلة طاهرة نقية، كأنما هي  قطعة من جنة الفردوس، سقطت على الأرض!

تلفت القلب!

ونحن نهم بالخروج من أرض الجزيرة أبا جسداً، بيد أنها سكنتنا روحاً وقلباً؛ تسللنا خلسة والشمس توشك على المغيب، وترمي بخصل شعرها الذهبية وتجر ذيلها فوق بحر أبيض، خرجنا خلسة مثل اللصوص، لأن أهلنا الطيبين  في أبا كانوا في كل مرة نعلن فيها عزمنا الرحيل؛ كانوا يرفضون ذلك رفضاً قاطعاً، لذلك عندما  فارقنا أبا جسدًا تركنا أرواحنا وقلوبنا  ترفرف وتحلق هناك في ديار الأحباب؛ وتلفتت مشاعرنا وقلوبنا ونحن نودعها،  بعد أن ملكت مشاعرنا كما قال الشاعر الكبير إدريس محمد جماع :

أما الديار فقد ملكن مشاعري

ووجدت فيهن الجمال والحب والكمال مجسدًا

ومنذ فارقنا أبا تلفت القلب!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى