في حوار لا تسقط كلماته بالتقادم الطاهر إبراهيم: تخوفت جداً من فكرة أن أصبح (ضابط جيش غناي)!!

من لم يلتق أفذاذ المغنين ولم يعش زمان الفن الجميل عليه أن يجلس مع الشاعر والملحن الطاهر إبراهيم، فهو من «ريحة» ذلك الزمان، في حكاياته عوالم عبد الرحمن الريح وتجليات حسن عطية وغناء الفنان الذري إبراهيم عوض وتألق محمد وردي في بداياته، فهو حافظ أسرار وكتاب عريض تطالع في صفحاته نشأته ودراسته ودخوله إلى الكلية الحربية ومن بعد ذلك يحكي لك عن أم درمان ابتداء من حي العرب والمسالمة وغيرها من الأماكن التي سكنها المبدعون وخرج منها إبداعهم.

ـ كيف تعرفت على إبراهيم عوض؟

تعرفت عليه في ورشة (نجارة) لصاحبها صديقنا الفاتح حاج سعد تقع في مقابل منزل إبراهيم عوض، كنا نرتاد تلك الورشة إلى جانب (شُلة) من أبناء الحي من ضمنهم التاج حمد، وكمال مرسي، وصديق سليمان، وأولاد «حليبة» الخراطون، نجتمع عند الفاتح لأنه يعشق العزف على العود ومن عجب أننا تعلمنا العزف بالمقلوب على طريقته لأنه كان يستخدم يده اليسرى، هناك تعرفت على إبراهيم عوض وقبلها كان يمر أمام منزلنا مع صديقه حسن عبد الباسط ولم تجمعنا المعرفة لبعد المسافة السكنية والاجتماعية. تعمقت المعرفة بإبراهيم عوض وأنا أتهيأ للتخرج من الكلية الحربية متجهاً إلى القيادة الشرقية وعن طريق ابن عمي الشاعر عوض جبريل حصل إبراهيم عوض على بعض الأغنيات مثل (متين يا روحي نتلاقى).. وفي القضارف فاجأني أحد أبناء العباسية مزمل علي غندور بالأغنية وهي تذاع على الراديو يوم جمعة.

ـ ما هو شعورك واسمك يتردد عبر الراديو لأول مرة؟

تخوفت جداً لا لشيء إلاّ أن أصبح (ضابط جيش غناي).. ولم تمر الأغنية إلاّ وأردفها إبراهيم عوض بإيعاز من عبد الرحمن الريح بأغنية (حبيبي جنني) التي وجدت شهرة واسعة وقربتني من الناس، وأعلنت عن ميلاد حقيقي لما يستحقه هذا الشخص والاستماع إليه. وبعد إعجاب الناس ساورني إحساس بالأمل في مواصلة مسيرتي نحو الغناء والشعر والألحان فعملت أغنية (أبيت الناس) فأصبحت هي الأخرى دعماً لما سبقها من أغنيات، واصلت اهتمامي وشغفي بالتلحين فأهداني مزمل علي أغنية من كلماته يقول مطلعها (ليه بتلوموني

لو في هواك.. ليه بتلوموني

بتلوموني وأنا بتمنى قلبه القاسي علي لو حنّ

أودع شجني وأعيش في جنة

عليها بلابل الدوح تتغنى)

أجريت عليها ألحاني على شاكلة (البامبو) زمان لتذهب هي الأخرى إلى إبراهيم عوض وبنفس الطريقة عبر ود الريح تعرفت على وردي.

ـ كيف جاء تعاونك مع وردي؟

كنت خارج العاصمة ولما عدت إلى الخرطوم تمنيت في قرارة نفسي أن أتعاون مع وردي، بحثت عن فرصة لملاقاته، فتصادف أن وجدته في منزل الموسيقار محمد إسماعيل بادي ومعه عبد الله عربي، والشاعر إسماعيل حسن، ورابح، وعلى ما أذكر كان هناك حسن بابكر، محمد وردي كان يغني الأغنيات التي دخل بها الإذاعة، ويعزف على العود فهو عوّاد ممتاز، وجاء من الشمالية فناناً مكتملاً يمكن تقول (ناضج)، بعد أن انتهى من الأغنيات أسمعني أغنيتي (حرّمت الحُب والريدة) فأحسست بأنه أدخل عليها بعض الإضافات ولم أستبعد ذلك لأنها وصلته من عبد الرحمن الريح، لكنه في النهاية أوصل إحساسي، وتمنيت لو غنى لي الجزء الثاني من الأغنية الذي يقول

(اتمنيتك غاية

لأفراح دنياي

شلتك جوه عيوني

وكنت سبب عمايا)

ـ لكنك لم تتواصل مع فنانين آخرين؟

لم أكن متفرغاً للفن فقد نزعت من الخدمة، وأقلت، وحوكمت في الجيش واشتغلت في مشروع الجزيرة كمفتش غيط.

ــ العسكرية ملف كامل لا بد أن نتطرق إليه منذ التحاقك بالكلية الحربية السودانية مروراً بالمراحل المختلفة التي قضيتها بين وحداتها؟

الخدمة في القوات المسلحة كل دقيقة فيها عبارة عن تجربة وزمالة مفخرة، «حلفنا القسم» وارتبطنا بالقسم ولاءً للسودان ولدستوره وشعبه وخريطته المقدسة بما في ذلك حلايب، وكل شبر من أرض السودان، ولم يكن الولاء شخصياً إنما كان شرفاً، وأفخر بأنني آخر دفعة تخرجت أثناء الحكم الثنائي، ودرسنا على أيدي قادة عسكريين من بريطانيا، وتخرجنا في الدفعة السابعة، رحلة كانت بدايتها زمالة ضباط وجنود القيادة الشرقية وكانت نهايتها ضباط وجنود القيادة الغربية.. هذه الرحلة مكنتني من التعرف على كافة تفاصيل الخريطة المقدسة من أقصاها إلى أقصاها، ولا زلت شديد الفخر بتلك الخريطة والزمالة، بشهدائها على وجه الخصوص ومن هم على وجه الحياة، ما أعظمهم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى