وحيد علي عبد المجيد يكتب.. نزع عمامته وخلع جلبابه وأعطاه لآخر!!

كلما هممت بكتابة كلمة أو مقال أبدي فيه رأياً أو أبسط فيه فكرة خانتني القريحة وتطايرت من ذهني العبارات فأظل مشغول الخاطر شارد اللب سادر الفكر أمام هذا الأمر الواقعي، أفكر في شيء وأعزم على الخوض فيه فإذا بي تتراكم عليّ مختلف الآراء وتتزاحم على النفس شتى الأحاسيس الوجدانية التي لا أعرف لها حداً ولا أعرف لها مدى.. ألقي من عينيك هذا المنظار وأزح من بالك هذه الأوهام وأطرد من ذهنك تلك الخيالات، وأمعن النظر حولك وأبصر ببصيرتك وتفهم بقوة عقلك ما يحاك حولك، وما يجري أمامك وما يدور بين يديك فسوف ترى أشياء لم ترها من قبل وسوف تبصر أشكالاً من الحقائق وألواناً من إنكار الذات وقضاء حوائج الناس، والحياة هي الحياة وكذلك الأيام (لا الشمس ينبغي لها تدرك القمر ولا الليل سابق النهار) فلا تغير ولا تبدل ولا اختلاف، كون عامر ونظام دقيق، لكن طبائع البشر تختلف باختلاف تربيتهم التي تلقوها من الصغر وباختلاف بيئاتهم التي عاشوا ونشأوا وترعرعوا فيها، أنا أنظر إلى الحياة على أنها متاعب ومصاعب فأقول تعب كلها الحياة.. وأنت تنظر إلى الحياة على أنها لهو ولعب ومرح فتتغنى بجمالها، وآخر ينظر إليها على أن يبذل كل جهده في قضاء حوائج الناس، والحياة تنظر إليّ وإليك وإليه، وتعجب من هذه الآراء المتضاربة التي يبديها كل واحد منا ولو لا هذه الاختلافات لدى البشر لما عمر الكون ولله في خلقه شؤون.. هذه مقدمة لابد منها لنصل إلى الموضوع الذي نقصده، قال لي دكتور محمد موسى الشفيع الرجل المهذب وهو جاري ونعم الجار، وهو أحد طلاب الشيخ مبارك محمد سعيد بركات ورافقه لمدة عشر سنوات.. أن خليفة الخلفاء عبد المجيد عبد الرحيم عليه الرحمة والمغفرة، قد دعا الشيخ مبارك لتناول وجبة الإفطار في منزله ولقد طلب مني الشيخ أن أذهب معه ونحن في الطريق ظل الشيخ يوزع مبالغ مالية حتى نفد كل الذي معه من المال، وصلنا إلى مكان الدعوة فوجدنا الحفاوة والكرم والاحترام وبعد تناول وجبة الإفطار وودعنا صاحب الدار عليه الرحمة، وقبل أن نصل إلى سيارة الشيخ مبارك اعترض أحدهم الشيخ طالباً منه المساعدة وسأله الشيخ هل تعجبك هذه الجلابية؟ وقال الرجل: نعم، ولحظتها نزع الشيخ عمامته وخلع جلبابه وأعطاه للرجل، الذي فرح فرحاً شديداً وهو يشكر الشيخ. وبعدها صعد الشيخ إلى السيارة وهو (بالعراقي والسروال الطويل) والطاقية على رأسه والعمامة على كتفه.. وصلنا المكتب والشيخ على هذه الحالة، قال الدكتور محمد لقد أدمعت عيناي وهي تمطر كالليل الدافق، واقشعر جسدي واهتز كياني وسمت روحي وأصبت بحالة من الذهول.. ولم أصدق ما رأيته.. يا الله يا الله هذا شيء نادر وسلوك فريد.. والله لقد كتبت هذا المقال ليس شكراً للشيخ وهو لا يريد هذا ولا ذاك.. وتعطي يمينه ولا تعلم شماله ولكني أردته أن يكون نموذجاً ومثالاً لمن أراد أن يقتدي.. والشيخ  مبارك بركات كريم عرف بغزارة الفكر وبعد النظر ورجاحة العقل زيادة على ما يتحلى به من فهم عميق واطلاع واسع وثقافة أدبية عالية وتجارب كثيرة، والشيخ مبارك محمد سعيد بركات يأتي بأعمال جليلة خالدة، تخدم البشرية عامة وتصون حقوق الإنسان المستضعف الذي لا حول ولا قوة له، ويدعو إلى خير الناس جميعاً ويعمل للسلام على هذه الأرض، ويقدم لنا عملاً جاداً متواصلاً متجرداً من كل أنانية، وما كنت أعلم عنه ولا أدعي أنني أوفيت الشيخ حقه، ولا أقول إنني كتبت كل شيء عنه، فهناك الكثير من حياته لا أعرفه.. ولكنني على كل حال حاولت بقدر استطاعتي وحسب إمكانياتي وبموجب معلوماتي عنه أن أكتب شيئاً من أفعاله وأعماله حتى لا يجر النسيان عليها أذياله، ولكي لا يمحو الزمن هذه الأعمال الخالدة النادرة، وأنه تعالى لا يستجيب إلا من الذين يؤمنون بما يدعون إليه ويعملون ما وسعهم العمل على تحقيقه، وإظهاره أمام الناس حقيقة واقعة وهذا ما سعيت إليه والله أعلم بذلك وما توفيقي إلا بالله شاء من شاء وأبى من أبى. هذه حقائق ما كان يجب علينا أن نقولها لأن الجميع يعرفها وأدرى بها منا وإنما اقتضاها الكلام وأوجبها الحديث.. وإلا فهل يخفي علينا أحد هذه الروح الودية الصادقة بين الشيخ مبارك وتلاميذه وأحبابه وجيرانه وكل الناس.. لقد تمنيت دائماً أن أكتب شيئاً وأقيمه كنت دائماً أشك في إمكانية ذلك.. وأن القيمة التي كنت أفتش عنها بقيت غير محددة أو بمعنى آخر نسبية، ولست أدري أين قرأت أن من الخطر تقييم أمور الحياة بتلك النسبية التي تمسح عنها حقيقتها الاجتماعية.. ولكن لعل منشأ عدم توفيقي فيما أكتب عن الشيخ مبارك حيث أني لست من أكتب عن الشيخ مبارك.. حيث أني لا أحسن الغوص في هذا البحر اللجي وإنما تعود إلى كوني كالضائع في متاهة واسعة كلما سعى للانفلات من ضبابها الكثيف صفعت عيناي رياح سافيات، ولو كان مرادي صوغ الكلام ليس إلا لبلاغته ولكن ليس عن الهرم الشيخ مبارك.. والواقع أني كنت أفتش دوماً عن فهم معقول أو واضح وتساؤلات كثيرة في أعماق نفسي عن هذا الأسطورة الشيخ مبارك وإني أعلم علم اليقين أنه لم ولن ولا يرضى بهذا المقال ولم يكن من طبعه المديح والإطراء ولا يحب الخوض كثيراً في هذا الباب ولكني رأيت أن الطيب من الناس يجب أن يتقاضى حقه في الطيب من القول وعلى كل حال فإننا نرجو له التوفيق والسداد متعه الله بالصحة والعافية.. أستاذي.. ومعلمي.. وشيخي.. وقدوتي.. لك العتبى حتى ترضى.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى