Site icon صحيفة الصيحة

استقالات المسؤولين.. مواقف شخصية أم انهزام!!

الخرطوم- نجدة بشارة

قد لا يستوي الذين  يجلسون  بهدوء على سطح السفينة يراقبون إبحارها في عرض البحر.. وبين من  يجلسون على كابينة القيادة يديرون دفتها ويقاومون الأمواج والعواصف، ويعلمون يقيناً.. مواطن الضعف والخلل في محرك السفينة.. ومقدار صمودها وقوة محركها…

وعلى الحكومة الانتقالية قس. فبينما يمضي الوقت وتشتد العواصف والأزمات بدأ بعض الجالسين في كابينة القيادة يخرجون واحدا تلو الآخر.. ويقفزون إلى عرض البحر تاركين السفينة تبحر إلى المجهول.. وبالمقابل يتصاعد قلق الجالسين على الكابينة من الطاقم التنفيذي مع كل تناقص في عدد الطاقم.  ويتساءل المتابعون عن فرص النجاة  ولماذا قفز المسؤولون في وسط الطريق؟ هل فشلوا في أداء مهامهم.. أم ضعف أدائهم.. أم.. أم كلها أسئلة نبحث لها عن إجابات في هذا التقرير.

انهزام أم حياد

في مقولة للمناضل مارتن لوثر يقول: “أسوأ مكان في الجحيم يكون محجوزا لأولئك الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك العظيمة”.. والمقولة لم تحدد المواقف.. كما أن المحارب لا يضع سيفه حتى تنتهي المعركة بالنصر أو الهزيمة.. وهكذا تعيش الحكومة الانتقالية معركة مع الأزمات والعراقيل.. وتنتظر ممن اختارتهم وصعدتهم لقيادة المرحلة أن يقفوا معها في وجه العواصف.. ولكن ما حدث أن عددا من المسؤولين آثروا الحياد وتقدموا باستقالاتهم الفترة الماضية ولسان حالهم تتعدد الأسباب والاستقالة واحدة.

وكمثال، دفعت عضو مجلس السيادة الانتقالي عائشة موسى السعيد باستقالتها من منصبها في المجلس، الذي قالت إنه “فشل في إنهاء معاناة السودانيين”، حسب قولها، وقالت السعيد في بيان: “تقدمت باستقالتي عن التكليف بعضوية مجلس السيادة الانتقالي بسبب فشل الحكومة في رفع المعاناة عن كاهل المجتمع السوداني”. وأشارت السعيد إلى أن “المكون المدني للحكومة لا يشارك في صنع القرار”، وأضافت: “لا أريد أن أشارك في دولة تديرها قوة خفية”، بدون مزيد من التفاصيل. وأضافت “تم التجاهل الكامل لآرائنا والصلاحيات الدستورية للمكون المدني في المجلس”.

وشكل المجلس الانتقالي الذي يرأسه الفريق عبد الفتاح البرهان بموجب اتفاق سياسي بين العسكريين وتحالف “الحرية والتغيير” الذي قاد الاحتجاجات العارمة التي أفضت إلى الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير في أبريل 2019. وتألف مجلس السيادة من 6 مدنيين بينهم امرأتان وخمسة عسكريين.

استقالة السعيد لم تكن الوحيدة التي تشهدها الحكومة الانتقالية هذه الفترة، حيث سبقها النائب العام تاج السر الحبر.

وبين المجلس، على لسان الناطق الرسمى باسمه، محمد الفكى سليمان، أن النائب العام تقدم باستقالته عدة مرات من قبل، ولكن في هذه المرة كان أكثر إصراراً على التنحي من منصبه”.

استقالات جماعية

لكن بالمقابل كانت أكثر الاستقالات صخباً وإثارة للجدل في الفترة الانتقالية كانت لمدير المناهج  د. القراي من منصبه على خلفية قرار من رئيس مجلس الوزراء د. حمدوك بتجميد المنهج.. وأحدثت استقالة القراي جدلاً كبيرا وسط الأوساط السياسية والدينية كادت أن تؤدي إلى فتنة وانقسامات لا تحمد عقباها.. وتبعها تلويحات وزير التربية والتعليم السابق  بالاستقالة.

لكن أغرب استقالات لمسؤولين بالفترة الانتقالية كانت أستقالة جميع  وزراء الحكومة الانتقالية، حيث تقدموا باستقالات جماعية، منتصف يوليو الماضي استشعاراً للمسؤولية على خلفية وعد قطعه د. حمدوك للشارع الذي خرج في 30 من يونيو للمطالبة بتصحيح مسار الثورة، وكان حمدوك قد أعلن عن إجراء تعديل وزاري في الحكومة الانتقالية، استجابة للمطالبة بالإسراع في تنفيذ أهداف الثورة وتم قبول استقالة 7 من وزراء الحكومة وقتها، وهم وزراء الخارجية والمالية والصحة والطاقة والتعدين والزراعة والبنى التحتية والثروة الحيوانية.

أدب سياسي

والشاهد أن أدب الاستقالات في السودان قليل الممارسة خلال الحكومة السابقة، وهذا ما جعل أمر تزايدها في الانتقالية مثيرا للتساؤلات.. واعتبر محللون الاستقالات أدبا واستشعاراً  للمسؤولية.

وحسب بروفيسور عبّاس محجوب محمود حيث ذكر في مدونة له أن الاستقالة أدب لا يحسنه إلا أصحاب القلوب الحية والعقول النيّرة، في جانب الكسب والتجريب فإنه ثقافة يمارسها من له عقل يتدبر، وعين تنظر، وروح تتحسس، وبصيرة تتحسب وتحسب وقلب يعي وينبض، ويخشى الله ويتقه. ويرى أن أدب الاستقالة أدب مؤصل في تراثنا الإسلامي، وتاريخنا السياسي، فقد ذكر  المؤرخون أن “الفضيل بن عياد” وهو ينصح “هارون الرشيد” ذكر له أنّ والياً  لسيدنا “عمر بن عبد العزيز”شكاه الناس إليه  فكتب إليه:”يا أخي أذكرك  طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله، فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء” فلما قرأ الوالي رسالة الخليفة ترك ولايته وجاء للخليفة، فقال له ما أقدمك؟ قال:”خلعت قلبي بكتابك، لا أعود إلى ولاية أبدًا حتى ألقى الله عز وجل واستقال من عمله والياً. وأشار الكاتب إلى أن هذا  الأدب يعرفه العالم المتطور في الغرب ففي عام 1966م فيما أذكر استقال” وزير الدفاع” “بروفيمو” في بريطانيا ليس لأنه خسر معركة أو معارك بل لأنه كان على علاقة بسكرتيرته التي  يشتبه أنها كانت على علاقة بالمخابرات الروسية وأنه ربما عرض بتلك العلاقة أسرار الدولة والجيش للخطر، وكان مما اعترف به أنه مارس الكذب في تلك الواقعة التي هزّت بريطنيا فترة من الزمن، أما إذا  كان  الأمر هزيمة لجيشه بفعل الغفلة وعدم القراءة الصحيحة للأمور فلا أشك في أنه كان سينتحر لا محالة كما فعل كثير من القادة في جيوش العالم الواعي.

أطرف استقالة!

ولعل أطرف أسباب استقالة.. عندما دفع رئيس حزب تحرير السودان وحاكم إقليم دارفور الحالي مني أركو مناوي الذي جاءت به اتفاقية السلام آنذاك مساعدًا للرئيس السابق البشير وخرج مغاضباً، ودمغ أسباب استقالتة بأن منصبه كمساعد للرئيس صوري وأنه مساعد (الحلة) وهي رمزية  لثقافة تقليدية، وقال إن  مهامه في القصر أقل أداء.

ويرى المحلل السياسي بروف حسن الساعوري في حديثه لــ(الصيحة) أن الاستقالات تختلف من حيث  الدوافع والأسباب من مسؤول إلى آخر، وقال إن هنالك استقالة بدافع الخلافات الجوهرية.. أو عدم الانسجام مع الطاقم التتفيذي كما حدث مع القراي.. كما أن هنالك استقالة تدفع بسبب إعلان الفشل في تنفيذ المهام الموكلة للمسؤول وهذا النوع غير شائع بسبب الاستمرارية للمسؤولين رغم  فشلهم الظاه.. وأردف: كما أن هنالك استقالات كما تحدث بدول العالم المتحضر لمجرد وجود شبهة فساد، لكن عموماً الاستقالات  عادة حسنة ومحمودة..

ورداً على تساؤل عن هل قد تتحول الاستقالة إلى تقليد وعرف للحكومة الانتقالية.. يقول الساعوري أتوقع أن يسهم هذا التقليد الجديد في تعزيز روح المسؤولية والترسيخ لمفاهيم الإقرار بالتقصير، ولفت انتباه رأس الدولة إلى بواطن التقصير والخلل.

سلوك حضاري

فيما رأ المحلل السياسي د. الحاج محمد في حديثه لـ(الصيحة) أن أمر الاستقالات في كل دول العالم أمر عادي عندما يشعر المسؤول بأنه أخفق، فيحاسب نفسه بهذا الأمر، لأن تقديم الاستقالة في هذه الحالة يعد من باب عدم القدرة على الوفاء، لذا يعتبر سلوكاً حضارياً، أما في السودان فنجد أن المسؤولين من الذين يعشقون الكراسي والسلطة، ويسعون بشتى السبل خوفًا من الإقاله ناهيك عنتقديم الاستقالة بصورة طوعية، فالأمر كله لا يعدو أن يكون تلويحاً و”فبركة” القصد منه تقوية موقفه الفاشل أصلًا وتشتيت الانتباه عن قصوره وإخفاقاته، فهناك فرق كبير بين من يلتزمون بأدب الاستقالة، ومن يتخذونها سلماً لمآرب أخرى حتى ولو كانوا وصلوا عمر الفطام.

Exit mobile version