سراج الدين مصطفى يكتب.. كورال الكلية.. ضرورة شحن الرصيد الغنائي!!

في مرة سابقة توقفت عند (الانضباط الموسيقي) في تجربة الموسيقار محمد الأمين، الذي اشتهر بحرصه ودقته العالية فيما يخص التنفيذ الموسيقي لأغنياته، وتوقفت تحديداً في أغنيته الكبيرة (زاد الشجون) التي أرجأ تنفيذها لسنوات طويلة بسبب غياب الأوركسترا المؤهله لتنفيذها، وظلت الأغنية حبيسة لسنوات الي أن وجد ضالته في طلاب كلية الموسيقي وقتها أمثال (الفاتح حسين ـ أحمد باص ـ عثمان النو ـ ميرغني الزين) وغيرهم من تلك الدفعة الشهيرة التي أرتبطت بدقة وجودة التنفيذ الموسيقي، فخرجت (زاد الشجون) بكامل جمالها وتفاصيلها الموسيقية حتي أصبحت من عيون الغناء السوداني الأصيل.

وبالحديث عن خريجي كلية الموسيقى، لابد أن أقول إنهم أسهموا إسهاماً فاعلاً لا يمكن نكرانه في تجربة محمد الأمين ووضع بصمتهم عليها، ولعل المقدمة الموسيقية لأغنية (خمسة سنين) هي نتاج (ورشة عفوية) صاغوا من خلالها تلك المقدمة الموسيقية للأغنية، ولعلها منحتها بعداً جمالياً كان متسقاً مع لحن الأغنية الأساسي، وبحسب ظني أن ذلك الحدث كان في مدينة ودمدني التي قدمت فيها الأغنية مكتملة قبل أن يضيف لها محمد الأمين المقطع الأخير من القصيدة الذي تم تلحينه مؤخراً والذي حلق بالأغنية في فضاءات جمالية جديدة.

توقفت في جزئية محمد الأمين لأنها تجربة أثرت في الوجدان السوداني، وبعض الفضل يعود فيها لخريجي كلية الموسيقي والدراما، هذا الصرح الأكاديمي الذي كان له إسهاماً فاعلاً في مسيرة الموسيقي والأغنية السودانية منذ تكوينها في العام 1969 وهى المسمى الحديث لمعهد الموسقى والمسرح وهي الكلية الأولى في مجال الفنون الموسيقية والدرامية في السودان، وهي إحدى الكليات الرائدة في مجالها على المستويين العربي والأفريقي. بجانب تقديمها للبرامج الأكاديمية على كافة مستوياتها، فهي تستهدف أيضاً المساهمة بالوعي العام ورفع مستوى التذوق الفني لفنون الأداء عبر العروض المسرحية والأوركسترا والكورال والمنابر الثقافية الطلابية.

والحقيقة التي لا تقبل المساومة أن كورال كلية الموسيقى تاريخياً كان لها دور فاعل في تقديم أفكار موسيقية جديدة من حيث التوزيع والتركيبة النغمية، وذات الكورال ساهم في تقديم أصوات غنائية شكلت حضوراً فاعلاً في الساحة الفنية، ولعل الراحل مصطفى سيد أحمد يعد أبرز تلك النماذج، وهي كثيرة بالطبع.

في الآونة الأخيرة شكل كورال كلية الموسيقى حضوراً طاغياً في الوسط الفني وأصبح جماهيرياً وله تأثير كبير في تغيير بعض المفاهيم النمطية، حيث ساهم بشكل واضح في تعزيز ثقافة التوزيع الموسيقي من خلال التناول العلمي للأغنيات وظهر بشكل احترافي ومهني وقدم تجربة مختلفة كلياً عن حال المطروح من غناء، وصاحب ذلك تجربة موازية في الإخراج التلفزيوني عبر الفيديو كليبات التي أنتجت وساهمت في تقديم الكورال بشكل عصري واحترافية كبيرة في (الإنتاج).

من المؤكد أن الكورال وجد أرضية صلبة للانطلاق، وفي فترة وجيزة اكتسب قاعدة جماهيرية عالية وأصبح (نجم شباك).. تلك الوضعية جاءت نتيجة مجهودات كبيرة لا يمكن إغفالها والتماهي عنها، ولكن بتقديري الخاص تلك الوضعية المميزة لم يستفاد منها في تقديم أغنيات جديدة تعبر عن روح الكورال وقدرته على تقديم إسهام فعلي.

كل المطروح حالياً من أغاني الكورال هو إعادة توزيع لبعض الأغاني القديمة، والتجديد هنا انحصر في شكل (التوزيع الموسيقي) لبعض الأغنيات القديمة والمعروفة، ولكن على مستوى الرصيد من الأغاني الجديدة المحصلة تبدو صفرية ولا تتماشى مع ضخامة الاسم لأن هناك هزالة في المنتوج.

تلك الوضعية تبدو شائهة وتعتلي ملامحها البثور والنتواءات.. وتحتاج لتكتيك جديدة يضخ الحياة في أوردة الكورال، ولابد أن يصاحب ذلك تغيير كامل في الرؤية الكلية التي بدأت تتجه للشكل (الربحي والتجاري) دون تقديم ما يعبر عن شخصية الكورال بأغنيات خاصة فيها ملامح التجديد، لأن المجهود الضخم الذي يبذل في أغاني الغير من الأوجب أن يبذل في تقديم أغنيات جديدة بمعنى ومبنى الكلمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى