إسماعيل عبد الله يكتب.. أصوات رافضة لأركو مناوي

بادئ ذي بدء، لا  بد من تثبيت حقيقة أن حاكم إقليم دارفور، المعيّن بقرار من رئيس الوزراء استناداً على الوثيقة الدستورية، هو مواطن سوداني قبل أن يكون دارفورياً وله الحق في أن يتقلد الحقيبة الدستورية، بصرف النظر عن قبيلته أو جهته أو الأفكار التي يؤمن بها، وفي ذات المضمار علينا أن لا نهمل أو نستخف باتجاهات الرأي العام الدارفوري حول القضايا التي تهم الإقليم، وبالأخص اختيار رأس الحكومة الإقليمية، ففي عالم السياسة الممكنات تطغى على الأحلام الوردية والتصورات والرغبات، فقد حكم الدكتاتور عمر البشير البلاد لمدى زمني تجاوز ربع القرن بغير رغبة من عموم سكان السودان، الذين قاوموه حتى أسقطوه بثورة شعبية عارمة، وفي غالب بلداننا الأفريقية يتقلد الناس المناصب الحكومية بناء على حسابات بعيدة كل البعد عن رأي الأغلبية، وذلك لهشاشة بناء المؤسسات المعنية بترسيخ مرتكزات الديمقراطية المستدامة والحكم الرشيد، إنّه التحدي الملازم لأزمة الدولة السودانية الحديثة منذ ما بعد الاستقلال وحتى يوم الناس هذا، وهي نفس الفترة التي غلب عليها استحواذ من يملكون القوة العسكرية على مقاليد وأسباب السلطة والسطوة.

فجأة وبعد صدور قرار رئيس مجلس الوزراء بإعلان هوية حاكم الإقليم، هب الدارفوريون من كل حدب وصوب ووجهوا سهام النقد لهذا القرار، ونسوا أن اتفاقية جوبا للسلام قد أقرّت هذا الاستحقاق الدستوري، وحوّلته المحاصصة لأن يكون سهماً من أسهم حركة تحرير السودان قيادة مناوي، الغريب في أمر الشخصية السودانية عموماً والدارفورية على وجه الخصوص، أنها لا تستبين الأمور إلا بعد ضحى الغد، لم يتناول الناشطون الدارفوريون تفاصيل اتفاق جوبا من حيث التفنيد بعد صدور كتيبه، الذي أتيح للناس كافة بعد نشره بالمكتبات السايبرية، اكتفى كثير منهم بقراءة عموم نصوص كتاب السلام، ولم يتابعوا إجراءات تنفيذ الاتفاق والمطالبة بأن يكون التطبيق ملامساً لواقع سكان الإقليم، بمعنى آخر أن تتنزل استحقاقات مسودة السلام لعموم مواطني الإقليم، ويكون الاختيار لشغل الوظيفة الدستورية غير منحصر في دائرة التنظيمات الموقعة على وثيقة السلام، باعتبار أن الوثيقة قد خاطبت الحقوق العامة لسكان الإقليم، ولا يجب أن تكون هذه الحقوق حكراً على حزب أو حركة، وذات الحكم ينطبق على التعيين الدستوري الذي شمل رموز قحت بالحكومة الانتقالية، والذي ما كان له أن يتم لو كانت العَين راصدة ومتابعة عن كثب ولاعبة (ضاغط)، لكنها الشخصية السودانية وآفة الكسل الذهني.

السيد حاكم الإقليم الجديد يأخذ عليه منتقدوه مآخذ جمّة، أولها شقّه لصف الحركة الأم على الأساس القبلي في مؤتمر حسكنيتة بعد ثلاثة أعوام من التأسيس، ويُنسب إليه ابتداع هذه البدعة من الانشقاقات التي ضربت أسفيناً بين الإخوة رفقاء السلاح، وأنه المبارك لظاهرة توالد العديد من حركات التناسخ الأميبي المتسببة في إضعاف عزيمة حاملي السلاح، لعنة حسكنيتة ما زالت تطارد الرجل وتضع الحواجز النفسية بينه وبين النخبة السياسية بالإقليم، فأهل دارفور بإرث الجودية والراكوبة العريق لا يرتاحون لمن يضرب برأيهم عرض الحائط أو يشق صفهم، ولديهم موروث قديم في كيفية اختيار من يتولى الشأن العام كذا ومن يضع حجر أساس المسجد، خصيصة شق الصف المعلومة عن الحاكم الجديد أفقدته ثقة رفاقه به ومعهم جزء غير يسير من مجتمعات الإقليم، فالسلوك الإقصائي والشقاقي بلا شك سوف ينعكس على العمل العام، والمثل الدارفوري يقول (الكلب ما بخلي قعاد ام قنقوز)، وتاريخ الإنسان لا ينفصل عن شخصيته لا سيما أن مناوي شخصية عامة، فالراحل الصادق المهدي برغم تاريخه السياسي إلا أنه كان مثيراً لشكوك وظنون المواطن، ولا يأمن المواطنون عواقب تقلباته وتبدلاته التي تحدث بين الفينة والأخرى.

المأخذ الأهم الذي خصم من الرصيد السياسي لأركو مناوي هو مشاركته للنظام البائد إبان ذروة أيام تسلطه على رقاب السودانيين، لقد انفض عدد مهول من خيرة مثقفي ومفكري دارفور في ذلك الزمان من حول الرجل، بعد توقيعه الأحادي على اتفاقية أبوجا وغرسه لخنجر آخر بعد خنجر حسكنيتة على جسد الحراك المسلح، محطة أبوجا كانت ورطة كبيرة لكبير مساعدي الدكتاتور ونقطة سوداء في سيرته الذاتية، والسؤال الذي أصبح من أكثر الأسئلة إزعاجاً وأقساها إيلاماً للسيد مناوي، هو ذلك الاستفهام المتعلق بالفترة التي قضاها مع رموز الحكم الطاغوتي الإنقاذي، لقد كان فشلاً ذريعاً للسيد حاكم الإقليم بالسلطة الإقليمية الأولى، وكانت تجربة ارتبطت بخيبات أمل كبيرة عند أهل دارفور لعجز ابنهم في أن يقدم لهم شيئاً ذا بال، ومن سلبيات تلك الشراكة انغلاق مناوي حول بطانته الصغيرة ودائرته الضيّقة، وتوزيع فتات السلطة الإقليمية على من حوله من الأهل والعشيرة، ذات السيناريو بدأ تكراره اليوم بعد تطبيق اتفاق جوبا، باختياره لأحد المقربين منه دماً ولحماً وشحماً لشغل حقيبة المعادن، الدارفوريون متوجسون خيفة من هذه الشخصية المثيرة للجدل، فهل يتخلى حاكم الإقليم الجديد عن عادة (قُعادْ أم قنقوز)؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى