النذير إبراهيم العاقب يكتب : النيل الأزرق.. فوضى عارمة

يعتبر الوالي ممثل الدولة على مستوى الولاية، وبالتالي مفوض الحكومة، وممثلها في جميع أعمال الحياة المدنية والإدارية، وأمام القضاء، ويؤدي باسمها كل أعمال إدارة الأملاك والحقوق التي تتكون منها ممتلكاتها، ويبلغ المجلس الشعبي الولائي بذلك، ويشترط عليه الإقامة بالمقر الرئيسي للولاية، وينشط كذلك وينسق ويراقب نشاط المصالح غير المـركزة للدولة المكلفة بمختلف قطاعات النشاط في الولاية، غير أنه يستثنى من العمل التربوي والتنظيم في مجال التربية والتكوين والتعليم العالي والبحث العلمي، وعاء الضرائب وتحصيلها، الرقابة المالية، إدارة الجمارك، الوظيفة العمومية. على أن يلتزم الوالي بحضور دورات المجلس الشعبي الولائي، وفي حالة حصول مانع ينوب عنه ممثلا له، كما يسهر على نشر مداولات المجلس الشعبي الولائي وتنفيذها، فضلاً عن تنفيذ القوانين والتنظيمات واحترام رموز الدولة وشعاراتها، والمحافظة على النظام والأمن والسلامة والسكينة العمومية وحفظ أرشيف الدولة والولاية، والمحافظات التابعة له، بالإضافة إلى صلاحيات أخرى في المجال الأمني والإداري، كما يمكن للوالي تفويض توقيعه للموظفين حسب الشروط والأشكال المنصوص عليها في القوانين والتنظيمات المعمول بها. ولعلَّنا سبق وأن نبهنا في مقال سابق عن حالة الفراغ والشغور السلطوي الحاد والفوضى العارمة التي ظلت تعانيها ولاية النيل الأزرق منذ السابع والعشرين من ديسمبر الماضي عقب وفاة الوالي السابق عبد الرحمن نور الدين إثر حادث حركة بشارع مدني الخرطوم، الأمر الذي استدعى تكليف الأمين العام (المكلف) بأمانة الحكومة جمال عبد الهادي وتكليفه ثانيةً بمهام الوالي (المُكلَّف)، إلى حين تعيين والٍ جديد، الأمر الذي حتم على الحكومة المركزية تطبيق الإجراءات الدستورية لتعيين حاكم مؤقت لحين انتخاب آخر جديد، ومع ذلك ورغم الأداء المتميز الذي قدمه الوالي المكلف بالنيل الأزرق، إلا أن الأمر هنا يقتضي ذلك عدم دستورية أي قرار مُتَّخَذ من أي جهة قانونية بحكم فقدانها للشرعية الدستورية، لاسيما وأن أهم تبعات الفراغ الدستوري الغياب التام لأي أثر قانوني للقرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية، والتحلل الكلي للحكومة من أي التزام قانوني تجاه المواطنين، وبناءً على ما سبق فإن للفراغ الدستوري الحادث الآن في ولاية النيل الأزرق، لا شك أن له تبعات وآثاراً سلبية محتملة ومؤكدة على الحياة والمصالح العامة أبرزها، عدم شرعية القرارات المتخذة من طرف السلطة التنفيذية الحالية في جميع المجالات، وعدم قدرتها على إمكانية إصدار قانون الموازنة المالية للسنة القادمة، وما سيتولد عنه من تحديات ومشاكل، وتّعطُّل المصالح العامة للمواطنين من رواتب وتعيينات وديمومة عمل كل المؤسسات ودوائر الدولة، بجانب التبعات الاقتصادية فيما يتعلق بالتعاملات التجارية ومصير المؤسسات الأجنبية ومشاريعها داخل البلاد، والهاجس الأمني وإمكانية انفلات الأمور، إضافة إلى غياب الاعتراف بشرعية الحكومة الحالية وممثليها. ولعل الواقع الماثل الآن في الولاية، وعقب الأزمات الطارئة والمتمثلة في التظاهرات الكثيفة والاحتجاجات من قبل المواطنين التي شهدتها عاصمتها الدمازين خلال الفترات الماضية، فضلاً عن الأزمات الحادَّة التي ظلت تعانيها الولاية ومازالت جرَّاء الانفلات الكبير المتمثل في ارتفاع الأسعار الشاسع والغير مقنن، وأزمات المواصلات الحادّة، بجانب الانفلات الأمني الحاد في كل محليات الولاية، خاصة مدينتي الرصيرص والدمازين، والمتمثل في ظاهرة انتشار ما يُسمَّى بـ(القروبات) والتي تنشط يومياً في الترويع والسلب والنهب لكل من يمر بطرقاتها المتمركزة فيها ليلاً، الأمر الذي أحدث ترويعاً وهلعاً بالغاً في نفوس كل قاطني الرصيرص والدمازين معاً، ناهيك عن الانفلات الأمني الحاد في محليتي الكرمك وقيسان، جراء تفلتات مجموعات مسلحة لا يُعرف كنه انتمائها بعد، وتعرضها وتعديها على القرى ومعسكرات التعدين بالمحليتين النائيتين وسلب كل ممتلكاتهم بالترويع المريع، الأمر الذي يتطلب من المركز، وبحكم خصوصية ولاية النيل الأزرق في اتفاق السلام الموقع في جوبا مؤخراً، ضرورة استثناء النيل الأزرق وتسريع تعيين والٍ جديد لها وبأعجل ما يكون، لتجنب الفراغين السلطوي والدستوري معاً بالولاية، ولشرعنة كل الأوامر والقرارات الصادرة من مكتب الوالي، وحسم الفوضى الإدارية والانفلات الأمني الحاد الذي تعانيه الآن، ولجهة الحفاظ على استقرار المؤسسات كافة وأمن الولاية في أوضاع آمنة ومستقرة على الصعيد الداخلي، لاسيَّما وأن الحراك الشعبي عندما خرج في مبدئه سعى إلى إصلاح النظام الحاكم وليس إسقاط مؤسسات الدولة وتعريضها للمساومات والأزمات، وهذا مسلك غاية في الخطورة وجب التنبيه له والتأكيد على ضرورة الوعي بمآلات أي توجه أو فكرة على مجتمع الولاية ومؤسساتها وأمنها، ولعل تسريع إعادة الولاية للحكم وفق الأطر الدستورية وتجنب الدخول في فراغ سلطوي ودستوري ومرحلة انتقالية مفتوحة على كل الاحتمالات والمخاطر هو الطريق الأحكم والأسلم للوصول إلى حلول عادلة لكل مشكلاتها التي ظلت تعانيها خلال المرحلة الماضية، والأولوية الوطنية تقتضي إجراء ترتيبات سياسية ودستورية ضمن إطار الدستور لا خارجه في هذا الخصوص، ريثما يتم الوصول لمرحلة انتخاب الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية عقب انتهاء المرحلة الانتقالية الحالية بالسودان.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى