هل ينفرط للمرة الثالية عقد الجلاد .. لماذا المنع والحرمان

الخرطوم ـ سراج الدين مصطفى
الوجدان الجمعي السوداني يحتفظ لفرقة عقد الجلاد بمكانة خاصة، ليس لأنها فرقة غنائية فحسب، ولكن لأنها تجاوزت الأفكار التقليدية في الغناء ولامست هموم الناس وحياتهم.. فهي غنائية ضد “التعسيلة والغمدة” تبحث في فضاءات جديدة غير مُعتادة.. وقد صنعت عقد الجلاد شكلاً من أشكال الحوار داخل المجموعة نفسها تتبادل أداء الجمل الغنائية مع حضور مسرحي مُذهل استطاعت من خلاله بناء جمهور لها خلال سنواتها الأولى، كما أنّ تناول الفرقة لموضوعات غنائية تخاطب الأجيال الحديثة أفادها في بناء جمهور مستنير مكّنها من إيصال رسالتها دون عناء، ولهذا فإن أغنيات “محجوب شريف” و”القدال” و”حميد” و”فاروق جويدة” كشكل من أشكال الغناء الرصين أصبحت أغنيات جماهيرية، غير أن كل التاريخ والزخم الحداثي لم يمنعها من الدخول في صراعات الجماعية التي فتت عضدها بخروج عرابها عثمان النو قبل نحو عقد من الزمان.. وما أن جمعت نفسها وقَوِي عودها مجدداً إلا وعصف بها صراع آخر جعل 10 من أبرز شعرائها يمنعونها من غناء أعمالهم.
سر الاسم
قال الباحث في مجال الفنون طارق الطيب لـ(الصيحة) عن سر هذا اسم (عقد الجلاد)، إنه وحسب ما قال “ود ضيف الله” في كتاب الطبقات، نوع خاص من الجلد ذو رائحة ذكية، قيل إنه من جلد الغزال أو القط البري تلبسه النساء في الجرتق، مبيناً أن استلهام الاسم جاء نسبةً لارتباطه بالعادات السودانية الأصيلة، ويعرف الجلاد بخصوصيته وطيب رائحته، إذ أنه يزيد طيباً كلما زاد في القدم.
البداية
بدأ نشاط مجموعة عقد الجلاد في العام 1984م ببعض المحاولات لجمع النصوص وتلحينها والالتفات بشكلٍ جادٍ للغناء الجماعي كصيغة متأصلة في المجتمع السوداني، ومن ثم بدأ الالتقاء والتشاور، وكان لعثمان النو فضل المبادرة وزبدة الاجتهاد في خلق الفكرة وتدعيمها بالألحان والنصوص التي حالما وجدت القبول، ومن ثم بدأ التجمع حول الفكرة وبداية مُعسكرات البروفات التي استغرقت وقتاً طويلاً إلى أن أصبحت للمجموعة أعمالٌ تمكنها من وضع برنامج كامل خاص بأعمالها .
انطلاق الفرقة
في ديسمبر من العام 1988م، سجّلت المجموعة سهرة في التلفزيون السوداني لاقت نجاحاً كبيراً وكانت هذه بداية النشاط الفعلي، إذ بدأت المجموعة في إقامة الحفلات الغنائية الجماهيرية، وقد كانت ومازالت حفلاتها الأكثر جماهيريةً بالسودان، فعقد الجلاد ليس تمرداً على الشكل الدائري الذي ساد الأغنية السودانية متعددة الطعم واللون والرائحة، ومحاولة لإخراج السلم الخماسي وتهجينه وإثرائه بالمعاصر من علوم وفنون الغناء، وقد نجحت المجموعة في الخروج من هذه الدائرة بقطاع عريض من المستمعين من كل الأعمار .
الصراع الأكبر
النجاح الساحق للفرقة وبروزها المثير في المجتمع السوداني صاحبته الكثير من العواصف، حيث ظلت الفرقة عبر سنينها الطوال تُعاني من الانقسامات بسبب الخلافات الداخلية بين أعضائها، ولعل أشهر تلك الخلافات كان خروج عرابها عثمان النو قبل أحد عشر عاماً، ويعد الموسيقار عثمان النو واحداً من مؤسسي الفرقة، ولكن تصاعُد الخلافات جعله يخرج من الباب الواسع وفشلت كل محاولات رأب الصدع رغم تدخل شخصيات كبيرة مثل الإمام الراحل الصادق المهدي الذي حاول أن تظل الفرقة متماسكة ولكن كل جهوده فشلت في لملمة أطراف الصراع، وبما أن عقد الجلاد (فكرة) غير مرتبطة بالأشخاص، لم تتوقف كثيراً في محطة عثمان النو والذي بدوره قام بتكوين فرقة (راي) الغنائية مستصحباً معه كل الأغنيات التي قام بتلحينها لعقد الجلاد.
ما بعد النو
تجاوزت عقد الجلاد، خروج عثمان النو والعدد الكبير من الأغنيات التي أوقفها مثل “الطنبارة والغناي ــ أمونة ـ مسدار أبو السرة لليانكي ـ ودود الابتسامة” وغيرها من الأغنيات لأن وجود عضو الفرقة شمت محمد نور غطى على الفراغ الذي تركه عثمان النو بقدراته اللحنية العالية، حيث قدم للفرقة العديد من الأغاني الكبيرة مثل “ست البيت، يابا مع السلامة، طواقي الخوف ونقطة ضو”.
الخلاف الثاني
تلك الأغاني جعلت صوت شمت محمد نور هو الأعلى في الفرقة وتوسّعت أحلامه بأن يصبح المُسيطر على كل شئ داخل الفرقة، لكن يبدو أن الأحلام التوسعية لشمت لم تعجب بقية الأعضاء الذين حاولوا تحجيم دوره لتنطلق شرارة الخلاف الثاني في عقد الجلاد والذي تلاحقت آثاره وانفجر بالأمس، حينما أعلن (10) من شعراء المجموعة منعها من ترديد أغنياتهم، مشيرين الى وجود مشكلات داخل المجموعة تحتاج لأن تحسم قبل السماح لها مجدداً من ترديد الأغنيات.
كيان راسخ
شملت قائمة الشعراء الذين منعوا الفرقة من أداء أغنياتهم بحسب بيان أصدروه أمس الأول كلاً من أسرة الراحل محجوب شريف وقاسم أبوزيد وعاطف خيري وعبد الوهاب هلاوي والتجاني حاج موسى وعبد القادر الكتيابي وعثمان بشرى وجمال حسن سعيد ويحيى فضل الله وقاسم أحمد، كما ضمت القائمة الملحنين شمت محمد نور ومجاهد عمر.
وقال البيان “ان المجموعة أصبحت كيانا راسخا وأصيلا وقوميا ووطنيا، لذا وجب على جميع مؤسسيه من مؤدين وعازفين ومغنين وشعراء وملحنين وغيرهم، المحافظة عليها وعلى جمهوره، لذا وجب علينا جميعاً أن نُساهم بالنقد البنّاء في تصحيح مسار مشروعات المجموعة، لأن دورها أصبح يتعاظم يوماً بعد يوم بعد ما فجر الشباب السوداني الباسل ثورة ديسمبر المجيدة ممهورة بدمائهم وأرواحهم الطاهرة”.
وقال الشعراء في بيانهم، إنهم أوقفوا المجموعة من ترديد أغنياتهم توقيفاً مؤقتاً لحين حل جميع العثرات والمشكلات الدائرة بين أعضاء المجموعة المؤسسين، ودعا الشعراء للقاء جامع بين كل مكونات المجموعة من مغنين وعازفين وإداريين وملحنين وشعراء وغيرهم لمناقشة جميع أوضاع المجموعة الإدارية والفنية والمستقبلية وإقامة الجمعية العمومية وانتخاب كل الإدارات بالطرق الديمقراطية النظيفة.
الأسلوب الاستعلائي
قال الصحفي المتخصص في الفنون أحمد دندش لـ(الصيحة)، إنّ أكثر ما يُمكن أن يضر عقد الجلاد هو الأسلوب (الاستعلائي) الذي باتت تتعامل به مؤخراً مع جمهورها، و(التعتيم) الذي ظلّت تُمارسه فيما يختص بمشاكل أعضائها، وعدم توضيح حقيقة الخلافات التي تدور بداخلها للجمهور، تلك العوامل التي خلقت نوعاً من (عدم الثقة) ما بين الفرقة وجمهورها، وجعلت ذات الجمهور يُسارع لاكتشاف ما يدور (خلف المسرح) بطرق أخرى، ما جعل الفرقة عُرضةً للشائعات والحكايات (المفبركة)، الأمر الذي أسهم كثيراً في تراجع مكانة واسم الفرقة.
صمت الفرقة
بينما تتعالى الأصوات المُندِّدة بذلك الموقف من شعراء عقد الجلاد لم يصدر عن الفرقة أيِّ بيان رسمي حتى الآن يوضح حقيقة ما يجري خلف الكواليس، حيث ذكر عضو الفرقة أبو عركي عبد الرحيم لـ(الصيحة) بأنهم بصدد إصدار بيان شامل لشرح كل التفاصيل للشعب السوداني، وذكر أنهم حالياً في حالة اجتماعات دائمة لمناقشة الأمر في كل جوانبه، وأكد بأنهم كفرقة في حالة تواصل كبير مع الشعراء الذين أوقفوا أغنياته، وحتى تتضح الصورة سنملك الشعب السوداني كل الحقائق كاملة حتى يتعرف على حقيقة الأمر.
استهجان
استهجن عضو الفرقة د. حمزة عوض الله ذلك في قروب “بيت عقد الجلاد”، وقال “ما دخل من كتبوا البيان بالخلافات؟؟ حتى وإن أرادوا الإسهام في الحل ما الذي يجعل منع الاشعار عن الفرقة آلية للمساهمة في الحل؟ وهل كان من شروط منح المجموعة الأغنيات ألا تنشأ خلافات بينهم؟ إن هذا البيان يُخالف القانون، ويُمكن الفرقة من مُواصلة الغناء باعتباره أي البيان، مذكرة تفسيرية له، توضح آلية الضغط لتحقيق غرض ما يتعارض مع قانون المصنفات، فمشروطية لا علاقة لها بعلاقة المصنف الفني بين الطرفين، كما أن البيان جعلهم سلطة على المجموعة”، هذا مع إشارته لسببية الموقف الجماعي والذي هو ليس بفني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى