130 شاباً سودانياً .. المنسيون في قاع الأسى

الخرطوم ـ محجوب عثمان

عشرات الآلاف من الشباب السودانيين دفعتهم الظروف الصعبة لركوب الصعب وسلوك الطريق المفضي الى حلم العبور وواقع الموت.. فحلم الهجرة الى أوروبا يمر بكثير من الصعاب وغالباً ما ينتهي في احدى المحطات الممتدة بين الصحراء السودانية وعصابات الاتجار بالبشر في ليبيا، ومن ثم القوارب المطاطية التي تمخر البحر المتوسط بلا مقومات سلامة، ما يجعل من راكبيها نهباً للامواج التي تلقي بهم الى اليم فيكونوا طعاماً لأسماك القرش.. قليل منهم يصل لمبتغاه او تلفظه الامواج راجعاً عن احد شواطئ الدول العربية ليبدأ المحاولة من جديد، فكثير من الشباب احبط من نتائج الثورة التي لم تحقق نذرا يسيرا من الأهداف التي خرج من اجلها.

قصص تدمي القلوب

قصص كثيرة تروي مآسٍ تدمي القلوب وتدمع المآقي، غير انها لم تكن رادعة لاحلام الشباب وتمدد حوادث الغرق في المتوسط، فخلال العام قبل الماضي احصت السلطات الإيطالية غرق اكثر من 16 ألف مواطن افريقي في البحر المتوسط وفي العام الماضي فاق العدد 20 الف مواطن بينما لا تزال الاعداد تتزايد هذا العام كان آخرها الحادث الذي وقع الاسبوع الماضي والذي افضى الى غرق (130) شاباً سودانيا لاتزال المنظمات التي تعمل في مجال الهجرة غير الشرعية تبحث عن جثثهم في البحر المتوسط.

بداية

تاجر الموت في ليبيا بعد أن حصد امواله التي تزيد عن 5 آلاف دولار عن كل شاب، وقبل ان يدفع بهم على متن 3 قوارب مطاطية تصارع امواج المتوسط صور لهم فيديو قصيرا وبثه كان بمثابة الوداع، رغم ان مصوره أراد من نشره ان يستقطب مزيدا من الحالمين بالهجرة الى اوروبا، وأظهر مقطع الفيديو مجموعة شباب سودانيين أغلبهم من مدينة كسلا شرق البلاد، وهم يثنون على مهربين أشرفوا على رحلة الموت وبقية القصة تمضي بعد ان دفع بهم المهربون على متن القوارب الثلاثة التي واجهت امواجا عاتية ادت الى غرقها وموت ركابها قبل ان تلتقطهم احدى دوريات فرق الإنقاذ الإيطالية.

تأكيد

أكد مسؤول البرنامج مالك الديجاوي امس الاول أن نحو 150 سودانياً لقوا حتفهم الجمعة الماضية غرقاً في البحر الأبيض المتوسط بعد تحركهم من الشواطئ الليبية صوب أوروبا على متن ثلاثة قوارب.

وطبقا للديجاوي، فإن اللحظات الأخيرة لهؤلاء الشباب وثقها المهرب في مقطع فيديو دعائي له في 21 أبريل الحالي لاستقطاب مزيد من المهاجرين وبعدها زج بهم في البحر العاصف الذي بلغت أمواجه علو ستة أمتار.

نداء لانتشال الجثث

وطلب برنامج الحد من الهجرة غير الشرعية والعودة الطوعية للجاليات السودانية بليبيا من الهلال الأحمر والسفارة السودانية بليبيا، المساعدة في انتشال وتصنيف عشرات الجثث لسودانيين غرقوا، وناشد الهلال الأحمر الليبي وسفارة السودان بليبيا بمزيد من التنسيق بخصوص جثث المهاجرين التي يلفظها البحر على طول الساحل بغية معاينتها ومقارنتها مع الصور التي يرسلها ذوو الضحايا للتعرف عليها وأخذ عينات لفحصها لاحقا لمعرفة ذويهم عن طريق البصمة الوراثية.

جثث وتضارب أقوال

تم العثور على 10 جثث طافية قرب قارب مطاطي، بينما لا يزال قارب خشبي من القوارب الثلاثة مفقودا، بينما تتحدث اخبار عن عثور السلطات الليبية على احد القوارب واقتياده عنوة الى اليابسة غير ان المعلومات لا تزال متضاربة بينما تعلن السلطات الايطالية عن العثور على مزيد من الجثث.

وتأسف مالك الديجاوي على تكرار هذه الحوادث رغم خطورتها ابتداءً من الهجرة من السودان حتى الوصول إلى طرابلس او ما جاورها من مدن الساحل، وما يتعرض له المهاجر وأسرته من ابتزاز وتعذيب من قبل المهربين نظير الحصول على فدى مالية تصل الى 5 آلاف دولار، ونصح المهاجرين بتناسي الهجرة لأوروبا التي تكلف كل مهاجر 10 آلاف إلى 20 ألف دولار لكن نهايتها مأساوية إما التعرض للقرصنة والابتزاز من قبل المهربين أو الاعتراض من قبل خفر السواحل الليبي أو الغرق في البحر.

فرح حزين

ورغم سوداوية القصص التي تروى عن غرق المهاجرين، الا ان الاخبار تحمل ايضا بعض الافراح كما حدث الاسبوع الماضي عندما تم جمع شمل طفل عمرة 7 اعوام لفظته الامواج حياً على سواحل تونس قبل ثلاثة اعوام، فعملت منظمة على رعايته والبحث عن اسرته في جهود متواصلة استمرت لثلاث سنوات كللت بالنجاح وادت الى وصول اسرته الى تونس واستلامه لينعم من جديد بدفء اسرة ستقوم برعايته رغم فقدانه لوالده ووالدته غرقاً.

ضائع في ليبيا

قصص تحول احلام الهجرة الى كوابيس لا تقتصر على الغرق والموت فقط، فكثير من الشباب والاطفال القصر يجدون انفسهم في براثن عصابات بشر تبيعهم لآخرين او تطلب فدية من اهلهم، وقصة علي إسماعيل عبد الرازق، الطفل الذي وجد نفسه وحيدا على طريق الهجرة والبحث عن حياة آمنة ومستقبل أفضل دليل دامغ على ذلك.

فقد ولد علي في دارفور عام 2007. توفيت والدته وكان عمره عاما واحدا.. ترك المدرسة في الصف الثالث الابتدائي وتوجه إلى سوق العمل مباشرة وفي العام 2019 غادر الى تشاد ومنها وجد سائق تاكسي أشفق عليه وأوصله مجانا إلى مدينة أم الأرانب الليبية.

في أم الأرانب امضى علي، ثمانية اشهر عمل خلالها في مزرعة لأحد المواطنين الليبيين وقال “قبيل مغادرتي المزرعة، أعطاني صاحب العمل ألف دينار ليبي (حوالي 600 يورو) كبدل عن أتعابي لمدة ثمانية أشهر بعد ان وافق أحد المهربين على إيصاله إلى طرابلس مقابل 800 دينار، لكنه بدلاً من ذلك أوصله إلى مدينة بني وليد وباعه لإحدى الميليشيات هناك. بعد احتجازه لأربعة أشهر، تمكن علي من الهرب في سبتمبر 2020 وتوجه إلى طرابلس، ومنها توجه إلى مدينة بني غشير، قال “كنت أعرف أشخاصا يسكنون هناك، لكني فوجئت لدى وصولي المدينة بأنهم قد غادروا. فوجدت نفسي مشردا في الشارع”.

تجاهل حكومي

ورغم ان الحكومة لم تتدخل في اي من الحالات التي استمرت لسنوات، الا ان حادثة غرق 130 شاباً الاسبوع الماضي حرّكت منظمات مجتمعية، وقال الأمين العام لمجلس تنسيق الجاليات السودانية بليبيا محجوب الحسن الفاضلابي إنّ 130 سودانيًا لقوا حتفهم “الجمعة” غرقًا في البحر الأبيض المتوسط أثناء العبور لأوروبا.

وقالت منظمة (إس.أو.إس مديتيرانيه) الفرنسية للأعمال الإنسانية في وقتٍ سابق إنها عثرت على 10 جثث طافية لمهاجرين في البحر المتوسط كانوا على قارب يعتقد أنه كان يقل على متنه 130 شخصًا لا يزال مصيرهم مجهولاً إلى الآن.

إحباط ثوري

وأطلق مجموعة من الشباب امس على مواقع التواصل الاجتماعي نداءً للحكومة لمحاولة منع الشباب السودانيين من الهجرة، واشاروا الى ان معظم الشباب احبطوا بعد ان رأوا ثورتهم التي مهروها بدماء الشهداء تسرق منهم ولا تحقق ما خرجوا من اجله ففضلوا الهروب من الواقع السوداني الذي يتردى يوماً بعد يوم.

وقال محمد حسن لـ(الصيحة) ان جميع الشباب الذين يغادرون الوطن بغية الهجرة الى اوروبا محبطون من نتاج ثورة ديسمبر بعد عامين من اسقاطهم نظام البشير، موضحا ان ما تحقق من اهداف الثورة التي خرجوا من اجلها محبط لدرجة ان الآلاف يفكرون يوميا في مغادرة البلاد الى الابد رغم المخاطر التي تنتظرهم، وقال يفضلون مواجهة خطر الموت غرقا على انتظار ضياع الثورة من ايديهم.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى