سراج الدين مصطفى يكتب.. استلهام التراث في أغنيات محمد الأمين (2)

(1)

الشاعر هاشم صديق قدراته الكتابية مشحونة بالصدق لا تعرف الخيال فهي تلامس الواقع اليومي والحياتي.. والقصيدة عند هاشم صديق تأخذ شكل (العرضحال) تشرح القضايا وتغوص في جذورها وعمقها… لذلك من البديهي أن يتبوأ هذه المكانة الرفيعة في وجدان الناس.. فإذا توقفنا مثلاً في أغنية (حروف اسمك) وفي هذا المقطع تحديداً:

أدق صدري وأقيف وسط البلد

وأهتف بريدك يا صباح عمري

(2)

يلاحظ في ذلك المقطع أن هناك عاطفة جياشة احتشد بها فكان لازماً على المؤلف الموسيقي استشعار مقاصد الشاعر، وهذا ما فعله محمد الأمين بالضبط.. حيث خلق التوافق والتناسق ما بين أبعاد الجملة الشعرية والجملة الموسيقية.. حيث نلاحظ أن محمد الأمين لحظة وصوله لهذا المقطع تتحول الأغنية إلى شكل هتافي واضح وذلك عن طريق المد لكلمة (بريدك) حيث يقولها بهذا الشكل (بريييييييدك) لأن الكلمة أصلاً هي الفكرة الأساسية التي أراد شاعرها أن تصل للشخص المخاطب.

(3)

الاهتمام بالجانب التعبيري عند محمد الأمين يتضح في كل ثنايا مؤلفاته الموسيقية.. فهو دائماً يسعى للسيطرة على النص ليس من خلال تحجيم محتوياته الشعورية والفكرية ولكن من خلال التناسق في التعبير مع الموسيقى وهذا ما يمنح العمل الموسيقي قوة تمشي في ذات إتجاهات النص الشعري والاهتمام بالجانب التعبيري عند محمد الأمين يتضح في كل ثنايا مؤلفاته الموسيقية.. فهو دائماً يسعى للسيطرة على وهذا ما يمنح العمل الموسيقي قوة تمشي في ذات إتجاهات النص الشعري.

(4)

لذلك ظل محمد الأمين هو الأكثر قدرة على التعبير عن مشاعره من خلال المؤلف الموسيقي ويعبر عن ذلك ببلاغة متناهية وتخطيط داخلي عميق.. وهذه السمات ظهرت باكراً عنده، ففي أغنية (الجريدة) التي كتبها الشاعر فضل الله محمد في الستينيات، كانت الأغنية (ظاهرة) تفكيرية جديدة في كتابة الشعر وخروج عن المألوف والأنماط الشعرية التي كانت سائدة في ذلك الأوان،حيث التزمت القصيدة بفكرتها من بدايتها حتى نهايتها وتسلسل أفكارها بمنطقية للتعبير عن المحتوى الدرامي وصولاً لذروة الفكرة الدرامية المشهدية.. وكان الشكل الموازي للقصيدة هو طريقة التعبير عنها موسيقياً وتوظيف التأليف لخدمة الفكرة.. وهذا يتضح في المقطع الأخير للأغنية:

كنت عايز أقول.. أقول.. أقول

أقول بحبك..

يا وحيدة..

بقرأ في عيونك حياتي

وإنتي مشغولة بالجريدة..

(5)

هذا المقطع بغير غنائيته الدافقه نجده يحتشد بالحركة والحياة حيث إنتقال الفكرة من حالتها كسلوك ساكن إلى التعبير الحركي المباشر، لذلك كانت الدراما حاضرة والسيناريو الحواري موجود وطاغ على الأبيات الأخيرة،ونجد أن محمد الأمين نقل تلك الدراما ولحظات التردد إلى شكل مؤلف موسيقي واضح المعالم، فهو حينما يغني عايز أقول.. أقول.. أقول، ينقل لك كمستمع احساس تلك اللحظة وكأنك تعيشها مشهداً أمامك.. لذلك – في تقديري – محمد الأمين هو من أسس فعلياً لفن الرؤية عبر الأذن .

(6)

هذا المنحى هو ليس وليد اليوم، فهو نتاج تجريبات كثيرة كان يلجأ إليها حتى وصل إلى مستوى عالٍ من الجودة في القدرة على التعبير عن مكنونات النص الشعري بالتوافق مع الجملة الموسيقية، وطيلة الأزمان الماضية ظل محمد الأمين يفكر ويقدم الحلول لموسيقى حديثة ومعاصرة فيها الكثير من المواكبة لما يدور في العالم..

(7)

ولعله يملك رؤيته الخاصة للطريقة التي يمكن أن تخرج بها الأغنية السودانية حتى تلامس جغرافيا أخرى يمكن أن نعكس فيها مزاج هذه الأمة في مختلف الأوقات..وأغنيات محمد الأمين الجديدة المتنوعة (طائر الأحلام) (مشتاق ليك يا جميل يا رائع) (نرجسة) (مين غيرك)  كلها لحان جديدة متطورة في طريقة تأليفها الموسيقي وهي إمتدادت لجهوده في الخروج من نفق العادية إلى فضاء التجديد والحداثة.. وذلك بإشتمالها على أنماط من التراكيب اللحنية والايقاعية الجديدة كحال الأغنية الوطنية( نحلم بالجديد) التي جأت علي إيقاع (الفرنجبية) وهو نمط إيقاع لم يغن عليه من قبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى