بستان الحلنقي

 

(1)

حين تعرض قيصر روما لطعنة قاتلة في الظهر لم يكن يتصور أنها قادمة من خنجر بروتس أعز أصدقائه حيث تقاسما سوياً أجمل المشاوير تحت الأمطار المتساقطة من سماء روما المختلفة عن كل سماء، حيث كانا يتحدثان دائماً عن الحبيبة روما الطفلة ذات الضفائر الطويلة ناعسة العيون يتحدثان عن كيفية النهوض بها الى درجة تجعل من كل حبة رمل فيها بساتين من البنفسج.. تذكر قيصر كل ذلك وهو يشعر بالخنجر يتوغل داخل أنفاسه فقال قولته الشهيرة: وهو ينظر الى أعز أصدقائه ويده ملطخة بالدم «حتى انت يا بروتس» وقيل إن بروتس لم يذق طعماً للحياة بعد خيانته لقيصر.

(2)

قالت له: هل تصدق بأني لم أعد أنظر في المرآة بعد أن ظهرت على شعري خيوط من الشيب بيضاء.. وأضافت بصوتٍ فيه الكثير من الشجن: إن في الشيب دلالة تشير إلى أن ربيعي قد زوى والخريف أصبح على بعد خطوة من الأبواب.. قال لها: إن المرأة جميلة الدواخل لا يمكن للخريف أن يقترب منها أما المرأة التي لا تحمل دواخلها جمالاً فإنها معرضة في أي وقت لهجمة شرسة من خريف بارد.. بعد خروجه مباشرةً عادت إلى المرآة تتأمل خيوطاً من شعرها الأبيض فأحست أنها قد تحولت إلى مواكب من النجوم تتمشى على ضفائرها.

(3)

* قال أحد علماء الحشرات إن أكثر العقارب سماً هي العقرب الخضراء اللون.. وقال إن لدغتها قد تعرض الإنسان إلى رحيل مؤكد.. توقفت كثيراً عند هذه المعلومة فالخضرة هي السيدة الأولى لكل الألوان دون منازع.. الخضرة هي ابتسامة الطفلة.. وهي الضوء للشمعة.. وهي الحياة لأرض صخرية الملمس.. من جانب آخر قيل إن «كيلوباترا» وهي تحتضر أوصت أن توضع على نعشٍ أخضر.. أيضاً الممثلة المعروفة «اليزابيث تايلور» ظلت طوال حياتها تضع حول جيدها شالاً من اللون الأخضر.. ترى من أين أتى عالم الحشرات هذا ليقول لنا هذه المقولة التي حكمت على الخضرة من حولنا بهذا الظلم.

(4)

* أصدرت الفنانة «أم كلثوم» أمراً لكل المسارح التي تغني عليها أن يتم وضع كرسي أمامي في مواجهتها ليجلس عليه غرام روحها الشاعر «أحمد رامي» الذي كتب من وحي عيونها أكثر من «1000» قصيدة.. وقد أكدت الأخبار أن علاقة روحية عالية كانت تجمع بينهما.. ويحكى أنه حين يعود لها بعد غياب كانت تتحول إلى طفلة في عامها الخامس تستقبل عيد ميلادها.. زارها مرة أحد كبار العازفين العاملين بفرقتها فلم تسمح له بالدخول وقبل أن يتحرك من مكانه لاحظ أنها قد خرجت لتستقبل الشاعر «أحمد رامي» بأقدام حافية.. قال لها معاتباً: ترفضين زيارتي وتقبلين زيارة «رامي» بل ترقصين لها؟.. فردت عليه: إن أشعار «أحمد رامي» هي التي صنعت مني كوكباً للشرق.. فصمت لحظة ثم غاب في الزحام.

(5)

قال شاعر البطانة المعروف «ود الفراش» «في جناك ليك حبيب».. جميع الآباء يتفقون مع «ود الفراش» على هذه المقولة.. ولكنهم يتعاملون معها بطريقة الضمير المستتر تقديره حتى لا يؤدي ذلك إلى نوع من التفضيل المباشر بين الأبناء.. فيجد الأب نفسه مضطراً على كتمان مشاعره تجاه من يحب خوفاً عليه من أن يحدث له مثل الذي حدث لنبي الله يوسف عليه السلام من إخوته.. وقد تلاحظ دائماً أن ابنك المقرب إليك هو أكثر الأبناء بكاءً على غيابك حين تغيب وأكثرهم فرحاً بعودتك حين تعود.. أما إذا شعر أنك تشكو من مرض ما فإن ليله يلاقي نهاره وهو يحوم من حولك إلى أن تشفى.. أذكر أن غرة عيني رقد مريضاً على سرير المستشفى فتمنيت من أعماق أعماقي أن أكون أنا المريض في مكانه وأن يكون هو الزائر جاء للاطمئنان على صحتي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى