سمية سيد تكتب..  بيئة الاستثمار

جاء في الأخبار أن عدداً من الشركات من أمريكا والصين وغيرها من الدول أبدت استعدادها للاستثمار  في السودان.

لا شك أن الانفتاح الخارجي بعد رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. والبدايات التي شرعت فيها الحكومة للإصلاح الاقتصادي. وعملية السلام والتسوية السياسية، تمثل مؤشرات جيدة لجذب الشركات ورؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار  .

لكن بالنظر إلى البيئة الداخلية ومتطلبات تحفيز الاستثمار المتمثلة في التشريعات والقوانين الحمائية، التي تطمئن المستثمر فإنها تمثل أكبر عائق، بل تمثل أهم العوامل الطاردة.

خُذ مثلاً المصادرات التي تمت لأصول ومشروعات يمتلكها رجال أعمال كبار، لهم وزنهم الاقتصادي والاجتماعي داخل البلاد. ولهم علاقات اقتصادية خارجية قوية جداً .

كل رجال الأعمال الذين تمت مصادرة ممتلكاتهم في الفترة الأخيرة سمعوا بأخبار المصادرة من خلال المؤتمرات الصحفية للجنة إزالة التمكين، دون أي تحقيقات أو استدعاءات ومواجهتهم بالاتهام حول مصادر أموالهم وتكوين شركاتهم، وعلاقتهم بالنظام البائد.

لم تلجأ لجنة إزالة التمكين إلى القاعدة القانونية المعروفة (المتهم برئ حتى تثبت إدانته)، ومعلوم أن تثبت إدانته هذه تتطلب إجراءات قانونية طويلة جداً، وليست شبهات أو معلومات يتم الحصول عليها من مصادر أو من تجمعات بيوت البكاء ومناسبات الزواج.

لا اعرف أسباب تعطيل مناقشة مشروعات قوانين مفوضيات العدالة الانتقالية ومكافحة الفساد والتي تمثل أهم استحقاق دستوري.

هذه المفوضيات يمكن لها أن تؤسس لمحاربة الفساد بطرق قانونية تتوخى أسس العدالة .

مفوضية العدالة الانتقالية تختص بكل تعد يشكل انتهاكاً جسيماً أو ممنهجاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. فيما يشمل جبر الضرر الناتج عن هذه الخسائر الاقتصادية التعويض المادي والاعتذار ورد الاعتبار.

سلطات مفوضية مكافحة الفساد وبحسب مسودة القانون، تختص بعملية التحقيق في أوجه الفساد المالي والإداري في اي إجراءات أو عقود تبرمها أي من الأجهزة الرسمية. واتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية بشأن اي عقد أو معاملة يتبين انها تنطوي على فساد.. ثم إحالة المخالفات والتجاوزات المتعلقة بالفساد التي يسفر عنها التحقيق إلى الجهات العدلية، أو الجهات الرقابية .

وبحسب الوثيقة الدستورية الحاكمة فإن المفوضية لها استقلالية كاملة، ولا يجوز التأثير على أداء عملها، ولا سلطان عليها في ذلك غير القانون.

هنا يمكن أن تنهي السلطات الوضع الشاذ وغير القانوني الذي يجعل من لجنة إزالة التمكين الخصم والحكم. خاصة مع تعطيل عمل لجنة الاستئناف في مجلس السيادة، التي كان من المفترض أن تبدأ عملها في نفس يوم انطلاق أعمال لجنة إزالة تمكين نظام 30 يونيو.

لجنة الاستئناف (المعطلة) استقال منها ممثلو الحرية والتغيير قبل أن تبدأ ولم يعلن عن بديل لأعضائها. وكأنما مقصود بذلك تعطيل عمليات الاستئناف نفسها.

فبحسب قانون التفكيك نفسه فإن قرارات اللجنة خاضعة للمراجعة من خلال مراحل تالية تمثلها لجنة الاستئناف من المجلس السيادي .

حالياً توجد بحسب التقارير نحو 3 آلاف حالة تحتاج إلى مراجعة، مما يعني ضرورة وجود اعداد ضخمة من القانونيين لعرضها على لجنة الاستئناف والمحاكم إذا دعا الحال.

لا يوجد شخص وطني يمكن أن يقف ضد محاربة الفساد. ولا يوجد من يعتقد بعدم وجود فاسدين تمكنوا خلال النظام البائد. لكن محاربة الفاسدين واستعادة حق الدولة من المفترض أن يتم وفق الإجراءات العدلية والقانونية المعروفة. دون التعدي على حقوق الأفراد وسلب حريتهم في الدفاع عن أنفسهم.

ما ينشر عن إهمال وترد وانهيار طال مشروعات زراعية وأصول مصادرة لا يحدث ضرر على أصحابها فقط وإنما على المنظومة الاقتصادية بأكملها. فبخلاف خروج الآلاف عن دائرة العمل وتحويلهم إلى قائمة البطالة، فإن عمليات تشويه سمعة الاستثمار ستكون أكبر كارثة على البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى