Site icon صحيفة الصيحة

هناك فرق – منى ابوزيد- نِسْبَة مِئَويَّة..!

“الخيانة من مَنظور النِّساء مسألة مُعقَّدة لا تَقتصر على تَجاوزات الحواس الخمس”.. الكاتبة..!

لن يُدهشني أبداً أن أتَعثَّر يوماً بخبرٍ طريفٍ يتضَّمن تصريحاً منسوباً إلى الدكتور “علي بلدو”، قوامُه دراسة علميَّة على غرار: إنّ نسبة أسراب النمل المُصَابَة باكتئاب حادٍ، جرَّاء إصابتها بداء المفاصل، في أثناء سياحتها بشقوق جدران الحارة التاسعة بمنطقة، “أم بدة”، هي “54” بالمائة، فاصل “9”، مثلاً..!

ولن يتغيَّر الحال إذا كان موضوع الخبر هو النسبة المئوية لعدد الفتيات اللاتي يقمن “بِشّلْب” خُطَّاب صديقاتهن الحميمات، أو عدد الموظفين الكهول الذين يستخدمون الحِنّاء السوداء، ماركة “أميرة”، لصبغ شعورهم أو شواربهم. ولا بأس بنسبةٍ مئويةٍ لعدد الزوجات اللاتي يحصُلن على الطلاق بسبب رفضهن تسمية المولودة الأولى “ست النفر” أو”دار السلام”، تيمُّنَاً باسم والدة الزوج. فضلاً عن النسبة المئوية لعدد سائقي “ترحال” الذين ينشغلون عن القيادة بتفحُّص أجساد الزبونات الجميلات، من خلال مرآة السيارة..!

فالدكتور “علي بلدو” دوماً جاهز بمجموعة نسب مئوية لأحكام قاطعة، بشأن الظواهر السلوكية لجموع البشر الخطائين في هذا السودان. وهو يدلي بتصريحاته تلك في اطمئنانٍ مُحَيِّر، غير عابيءٍ بما قد يترتب على كل ذلك من ردود أفعال، رسميةً كانت أو شعبية..!

أحدث تصريح للدكتور “علي بلدو” نشرته صحيفة “السوداني” – في عددها الصادر ليوم أمس الأول – تحت عنوان سميك يقول إن “72% من الرجال السودانيين يخونون زوجاتهم”!. وفي متن الخبر يؤكد الدكتور “بلدو” أنّ تلك الإحصائية حقيقية، وأنّها ليست مجرد “ونسة” والسلام. فيا للهول، ويا سلام..!

الحقيقة أنّ الخيانة من منظور النساء مسألة مُعقَّدة، تتفاوت زاوية النظر إليها بتفاوت الكثير من العوامل والمُعطيات. الأمر الذي يثير سؤالاً مهماً بشأن المفهوم الأنثوي الذي اتكأ عليه الدكتور “بلدو” في تحديد نسبته المئوية تلك. هل يقصد الخيانة بمفهوم “إلهام شاهين”، التي أغرقت دموعها الشاشة، وهي تُعنِّف “مصطفى فهمي” على خيانته لها بزواجه السِّري من الممثلة “ميرنا وليد” في مسلسل “قصة الأمس” مثلاً؟!. وهل تشمل تقديراته تلك الخيانة بمفهوم الزوجة الثانية التي تثور على خيانة زوجها بزواجه من ثالثة، وكأنّه لم يفعل ذات الشيء مع الزوجة الأولى حين زواجه منها..؟!

هل يقصد الدكتور “بلدو” تلك الخيانة الافتراضية التي يُمارسها بعض الرجال من خلال علاقات عاطفية يقيمونها مع نساءٍ أُخريات عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً؟!. أم لعلّه يقصد تلك الخيانة “الطَيَّاري”، حين يعمد بعضهم إلى مشاغلة النساء في شارع الله والرسول؟!. أو تلك التي ينتهج الرجال فيها “طيارة العين” مع كل نساء الأرض؟!. أو لعلّه يقصد الخيانة الواحدة، الخيانة “العديل”، التي تعتمد على تجاوزات الحواس الخمس، في علاقات آثمة، مع نساء غير شرعيات..؟!

طيِّب!. ماذا عن الإخلاص؟!. هل قتلوه، أم صلبوه، أم لَعلَّه قد شُبِّه لهم؟!. ماذا عن الالتزام بقوانين العلاقة وإن كان نسبياً؟!. ماذا عن الدكتور “بلدو” نفسه؟!. هل تشمله تلك النسبة المئوية بشرورها و”شَوَّال دقيقها”، أم أنّه يرفل في عداد الثمانية والعشرين بالمائة، الباقين..؟!

وكَيفَ لسُلُوكٍ مُسَتترٍ كخيانة الزوجات أن يُخضع لنسبةٍ مئويةٍ، تأتي كنتيجةٍ راجحةٍ لدراسة قوامها “الميدان يا حميدان”؟!. هل تمّ حقن رجال السودان كَافّة بمصل الصراحة مثلاً؟!.

خلاصة القول، إنّ إطلاق ذلك العدد المهول من النسب المئوية – لتقدير السُّلوكيات والظواهر السَّالبة في المُجتمع – أمرٌ خطيرٌ. وهو “استهتارٌ” لا يقل خُطُورةً عن فعل الخيانة نفسه. لأنّ في ذلك النهج – أيضاً – خيانة لمعايير الدِّقَّة البحثية، ومقومات المسؤولية الاجتماعية، ومُعدّلات الذكاء و”خوارزميات الربط” في أدمغتنا، ورؤوسنا التي لا تسكنها “القَنَابير”..!

munaabuzaid2@gmail.com

Exit mobile version