رؤى – عبدالرجمن الامين – غزوة المُخدّرات

*ضبط الشرطة لـ (18) مليون حبة مُخدِّرة و(15) طن حشيش، إنجازٌ كبيرٌ يَستحق الإشادة به والوقوف عنده، ذلك أنّ ضخامة الكميات التي جَرَى ضبطها، يُنبِّهنا لخُطُورة موقفنا، وأنّنا أصبحنا قبلةً لمافيا المُخدّرات وشبكتها، وأنّ بلادنا أضحت مَوطناً ومعبراً لها، ومن ثمّ فإنّ هذا يُوجب الاحتياطات التامة منّا، والتجهيزات الواجبة علينا لمُقابلة التبعات التي ترتبها علينا، والأخطار التي تتهدّدنا.

*المخوف أكثر والمُهدِّد أكبر، ذلك أنّه بحسب الإحصاءات العالمية، فإنّ ما يتم ضبطه من مُخدّرات يمثل 10% مِمّا جرى تسريبه، أيِّ أنّ 90% انسربت من بين أيدينا، وأن خطراً كبيراً تسلّل إلينا، وأن مُضاعفات كبيرة تترتّب علينا.

*الخطر لم يعد قاصراً على المُخدّرات التي تَفِد إلينا، ولا على الممنوعات التي تتسرّب إلى وطننا، وإنّما بَاتَ مَكمن الخَطر حتّى داخل مُؤسّساتنا الصِّحيَّة، وأنّ المُخدّرات أودت بحياة شباب عامل في مُؤسّساتنا، وأنّ الأدوية المُخَدِّرة بين أيديهم، أضحت رائجةً بينهم ويسهل الحُصُول عليها ومن ثَمّ تَعاطِيها، وكانت النّتيجة تسمُّماً قادهم إلى حتفهم، هذا يُوجب تَشديداً أكثر في روشتات منحها، ومن ثمّ وصد الباب أمام من أدمنوا تعاطيها.

*وبرغم أنّ اللجنة القومية لمُكافحة المُخدّرات برئاسة د. الجزولي دفع الله ظَلّت تشكو مرة بعد مرة من شُح الميزانيات المرصودة لها، ومن ضعف الروافد المعينة التي كَانَ ينبغي أن ترفد نشاطها، من ذلك أنّنا لم نَستشعر بُعد عظيم ما يتهدّدنا، وخطر ما يحتوشنا، ولم نَسعَ جادين لنجعل مُؤسّساتنا التّعليميّة واحدةً من سياجاتنا، ولَم نُوظّف دُور العِبادة لتقوية المَنَاعة عندنا، ولم نَجعل الرِّياضة رسولاً يخدم هدف حملتنا، ولم نَتَوسّل بالدعاة ليكونوا جُنداً ضمن المطلوب في خُطتنا.

*ثم أنّنا كذلك لم ندرك خُطُورة الأزمات الاقتصادية التي تلفنا، وأنّها قتلت الآمال في نُفُوس شبابنا، وجعلت فُرص التوظيف ضَئيلةً عندنا، ومن ثَمّ أورثت فَراغاً عَريضاً لشبابنا، وأسلمته لمجموعات استغلت فاقته وضياع فُرصته وتبدّد أحلامه وقتل أمانيه، فأسرفت في تمنيته بموبوئها والفاسد من سلعها وبضاعتها.

*عَلاوةً على ذلك، أنّنا جرفنا كل منتزهاتنا، وصحرنا كل حياتنا، وأوصدنا كُل دُور التّرفيه والتّسلية في حياتنا، وجَعلنا دُور السِّينما بلقعاً، من بعد أن كَانت رياحين تُزيح العناء عنّا، وتُروِّح عن شبابنا، كل هذه أوجدت مَرتعاً خَصبَاً، ملأه المُتاجرون بمُخدّراتهم، والسَّاعون لتسويق سُمُومهم.

*الإحصائيات كل يوم تخبرنا، أنّ أمر المُخدّرات يمضي في اتساعٍ، وأنّ ساحته تتمدّد، وأنّ ثُقُوبه تتعدّد، وأنّ الضحايا شبابٌ، نعدّهم لوطنٍ ينتظرهم، ولأمةٍ رَاهنت عَليهم.

*بَاتَ واضحاً أنّ السُّودان ليس بوسعه في ظل اتّساع مَساحته وترامي حُدوده، وأنّ عدداً من الدول تحيط به، وأنّ المافيا أدمنت تسديد الضربات إليه، إنّ هذا يتطلّب عَلاوةً على تقوية مناعتنا الوطنية، أن نُقوِّي من تعاوننا الإقليمي والدولي، ذلك أنّ المُخدّرات باتت خطراً عالمياً يستوجب تعاون المُجتمع الدولي وتَضَافُره، للإحاطة بها وسَدّ المَنافذ أمامها والتّقليل من أخطارها، وليس هناك من وسيلة هَدم لأمّةٍ من الأمم، أكثر من جعلها هدفاً للمُخدّرات، ومَكَبّاً للحاويات، ومعبراً للمُنَشِّطَات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى