اعتمدها لمصر.. الاتحاد الأفريقي يشعل أزمة حلايب

الخرطوم: مريم أبشر – محجوب عثمان

دون سابق إنذار، دحرج الاتحاد الأفريقي، قنبلة موقوتة بين السودان ومصر بإشعال الصراع بين البلدين حول مثلث حلايب وشلاتين المُحتلتين من قِبل مصر، وفي الوقت الذي تتطوّر فيه العلاقات بين الخرطوم والقاهرة،  اعتمد الاتحاد الأفريقي خرائط تمنح مصر منطقة مثلث حلايب السودانية وكأنّه يشرعن احتلال مصر للأراضي السودانية.

الاثنين الماضي، وجه الاتحاد الأفريقي، مكاتبه وإداراته باعتماد الخارطة الرسمية لجمهورية مصر العربية التي تشتمل حدودها الجنوبية ضمنها حلايب وشلاتين، وقضى التوجيه باعتماد الخريطة في كل المشروعات والمراجع والدراسات التي يقوم بها الاتحاد الأفريقي وفق الخرط الصادرة من السلطات المصرية.

وأمس الخميس، قدم السفير المصري لدى الخرطوم، دعوة مُغلفة بالابتسامات لرئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك لزيارة القاهرة.

تاريخ

وحتى الاثنين، كانت جميع الخرط المعتمدة لدى الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة تؤكد على سودانية مثلث حلايب الحدودي مع مصر، ولا تزال كذلك في الخرط المعتمدة أممياً، ولم يستطع الاتحاد الأفريقي تغيير الخرط طوال فترة تكوينه حتى خلال الفترات التي تقلّدت فيها مصر رئاسة الاتحاد، بيد أن الرئيس الحالي الجنوب أفريقي موسى فكي آثر وضع البلدين على شفير الاحتراب.

ويقع المثلث الذي يضم حلايب وأبو رماد وشلاتين في أقصى الشمال الشرقي للسودان على ساحل البحر الأحمر، وتسكن المنطقة قبائل البجا السودانية المعروفة، لكن مصر تدعي أحقيتها في المثلث منذ أكثر من 50 عاماً، لدرجة أنها قامت باحتلاله عنوةً بفرض سيطرتها العسكرية عليه منذ 1995.

استنزاف

رغم أن مصر تعلم منذ الاثنين بقرار الاتحاد الأفريقي، كونها دفعت له طلباً لاعتماد الخارطة، إلا أن ذلك لم يمنعها على المستوى الرسمي من الإمعان في استنزاف خيرات السودان وهي تطلق في أسواقها منتجاً جديداً من اللحوم السودانية أمس الأول باسم (JUST MEAT)، مُعلنة عن توفير 2500 طن شهرياً من اللحوم المصرية للأسواق السودانية، ذلك ما أكده وزير التموين والتجارة الداخلية المصري علي المصيلحى أمس الأول، وزاد بأن مصر لن تكتفي فقط باللحوم السودانية وستتمدّد في المُنتجات الزراعية الأخرى!!

ترضية

وفي محاولة للترضية، ربما انطلق السفير المصري بالخرطوم حسام عيسى أمس في زيارات رسمية، كانت إحداها مع وزير الطاقة والنفط الجديد جادين علي عبيد حسن ووعده بتسريع وتيرة العمل لتوسعة الربط الكهربائي بين البلدين من 70 – 300 ميقاواط قبل فصل الصيف القادم وكأنه يعمل بالمثل المصري “اطعم الفم تستحي العين”!!

ولم يَنسَ السفير رقعة دعوة قدّمها للوزير لزيارة القاهرة، وهي الدعوة التي قبلها الوزير كونها جاءت للتباحُث مع نظيريه وزيري البترول والكهرباء المصريين حول المشروعات المطروحة للتعاون بين البلدين. وأوضح أن الزيارة ستكون بفريق عمل فني مُتكامل بعد اكتمال وتوافق الرؤى بين الجانبين حول المشروعات المطروحة.

تخديرٌ

خلال الزيارة، أكد السفير المصري أن مصر تعتبر استقرار السودان جزءاً لا يتجزأ من استقرارها، وتعهد بتقديم كامل الدعم للسودان في الفترة الانتقالية، مُعتبراً أن مشروع الربط الكهربائي بين البلدين من أهم المشروعات الكثيرة المطروحة للتعاون بين البلدين، منها التجارة والتعدين والتدريب، بجانب البترول والكهرباء والبتروكيماويات والوقود الحيوي، متمنياً أن تبلغ العلاقات السودانية المصرية التكامُل بين البلدين.

دعوةٌ لرئيس الوزراء

السفير حسام عيسى حمل رقعة دعوة أخرى صوب مجلس الوزراء من رئيس الوزراء المصري لرئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك لزيارة جمهورية مصر، قدّمها لوزير رئاسة مجلس الوزراء خالد عمر، الذي أكّد أنّ المرحلة الجديدة التي يمر بها السودان واتّجاهه نحو تحقيق التحول الديمقراطي ستنعكس إيجاباً على العلاقات الثنائية بين البلدين والدفع بها لآفاقٍ أرحب لتُصب في مصلحة شعبي البلدين.

رَفضٌ قَاطعٌ

على المستوى الرسمي، أعلنت الحكومة في الخرطوم رفضها القاطع لقرار الاتحاد الأفريقي بتبعية حلايب وشلاتين لمصر، ووصفت القرار بالخاطئ، ونوهت إلى أن من اتخذ القرار لا يفهم في الحدود ولا القانون الدولي.

الرفض الحكومي جاء على لسان رئيس مفوضية الحدود الدكتور معاذ تنقو، الذي اعتبر الخطوة المصرية بأنها طعنة للسودان، وقال تنقو لـ(الصيحة)، إنّ السودان يرفض القرار ويُطالب الاتحاد الأفريقي بمُحاسبة من اتّخذه، وشدد تنقو، على أنه ليس من حق الاتحاد الأفريقي ولا من صلاحياته تغيير الحدود بين الدول الأعضاء، وليس من صلاحياته أيضاً الاستناد لمذكرة أحادية معنونة من الخارجية المصرية لتعديل حدود السودان ومصر، وقال (لا يجوز لأيِّ أحدٍ وفق القوانين الدولية تعديل هذه الحدود مع السودان إلا عبر مُعاهدة يُصادق عليها السودان)، ولفت إلى أنّ الحدود المصرية هي حدود الانتداب البريطاني على مصر، وقطع بأن حدود السودان عند انتهاء الاستعمار البريطاني المصري على السودان عام 1953 واعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحده سنة 53 وقدمتها  مصر وبريطانيا كذلك بواسطة لجنة الانتخابات للأمم المتحدة لتحديد الدوائر الانتخابية التي قررت مصير السودان بالاستقلال عن بريطانيا ومصر.

ولم يَنبنِ الرفض القاطع على الحكومة فقط، لكن حتى المكونات السياسية بدأت تعلن رفضها للقرار، إذ يرى القيادي بالحزب الناصري ساطع الحاج في حديث لـ(الصيحة) أن الاتحاد الأفريقي أصبح جزءاً من المشكلة باتخاذه هذا القرار، رغم أنه يعتبر الجهة التي ينبغي لها البحث عن حل للقضية، مؤكداً أن أي جهة تتدخّل في قضية حلايب من غير محكمة التحكيم الأممية التي قدم لها السودان شكوى من العام 1958م لن يكون لتدخلها أي معنى، لافتاً إلى أن الاتحاد الأفريقي كان ينبغي له أن يعمل على قيادة الطرفين لمحكمة التحكيم، وأن لا يعمد لحل آحادي يصب به الزيت على النار.

ويشير ساطع إلى أن السودان الآن في وضع انتقال ديمقراطي وسيكون الأقدر على حل المُشكلات المُتعلِّقة بحدود البلاد والانطلاق نحو التحكيم الدولي، داعياً الاتحاد الأفريقي لانتظار ما يسفر عنه التحكيم، وطالب الحكومة بأن لا تنساق وراء العواطف، وأن تجنح للعقلانية التي من شأنها معالجة القضية في أطرها القانونية.

قَرارٌ مُعيبٌ

وبدوره، استبعد القيادي بحزب البعث السوداني محمد وداعة، صدور مثل هذا القرار من الاتحاد الأفريقي، واعتبر أنه فبركة لصرف أنظار السودان في اتجاه آخر بافتعال قضية جديدة، لكنه أكد أن القرار حال صدوره من الاتحاد الأفريقي، فإنه يعتبر قراراً مُعيباً قانونياً ولا يسنده أي قانون كونه ليس من شأن الاتحاد الأفريقي التقرير في حدود الدول، لافتاً إلى أنّ الاتحاد الأفريقي لم يتدخّل حتى الآن لحل المشكلة الحدودية القائمة بين السودان وإثيوبيا رغم وجود عمليات عسكرية في المنطقة، فكيف يعمل لحل قضية حدود ظلّت خامدة لسنوات. وطالب وداعة حال صدور القرار، المصريين للالتزام بما قالوه كثيراً عن العلاقات الأزلية وعُمقها بين البلدين، مُشيراً إلى أن قراراً كهذا سيكون ضد مصلحة الشعب المصري والشعب السوداني معاً. ودعا وداعة الحكومة للاضطلاع بدورها في حماية الحدود السودانية والمُحافظة على الأراضي كونها مِلْكَاً للشعب السوداني وليست للحكومات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى