Site icon صحيفة الصيحة

الحكم الفيدرالي.. هل يُعيد (الكنز المفقود)؟

تقرير- فاطمة علي

رغم التحديات وبعد مخاض عسير، أعلنت الحكومة الجديدة الأسبوع الماضي تمثيل أطراف العملية السلمية  في مجلسي السيادة والوزراء، إلا أن هناك تحديات أخرى تتمثل في تشكيل المجلس التشريعي واختيار الولاة، وتوافقت أطراف العملية السلمية بموجب اتفاق السلام الذي وقع بجوبا أكتوبر من العام الماضي، على تطبيق نظام الحكم الفيدرالي في السودان، على أن يتكون من ثمانية أقاليم بدلاً من 18 ولاية، تتمتع بصلاحيات وسلطات واسعة وحقيقية.

تنافس الأقاليم

ويرى مراقبون سياسيون، أن اعتماد نظام الحكم الفيدرالي سيكون نهاية لأزمة السودان من ناحية الحكم والإدارة، وله إيجابيات ومميزات عدة، أهمها أنه يراعي العدالة الاجتماعية، ويزيد من التنافس بين الأقاليم، ويرفع همة العمل والإنتاج من خلال استغلال الموارد والثروات بشكل أكبر، فضلاً عن أنه يحد من الهجرة إلى المركز، لعدم وجود شعور وإحساس بالتهميش ويجعل كل إقليم ومنطقة تنعم وتتمتع بخيراتها، مع توفر كل الخدمات، وبنظام الحكم الفيدرالي يكون البرلمان قومياً يعكس التنوع بكل أشكاله، وفي ذات الوقت يرفع أبناء الأقاليم للمشاركة في طرح قضاياهم.

وحتى لا تفشل تجربة الحكم الفيدرالي يظل السؤال: هل النخب السياسية ستنجح في تجربة نظام الحكم الفيدرالي لاستقرار السودان سياسياً أم ستفشل؟.

صيغة فيدرالية

الكاتب والمحلل السياسي عبد الله آدم خاطر، قال لـ (الصيحة) إنه في اتفاق جوبا تم الاعتراف بالحقوق الدستورية، والخروج من دائرة النفق التاريخي وفتح المجال لمشاركة السودانيين في تطوير التجربة السودانية للمساهمة في نقل السودان إلى واقع جديد بالصيغة الفيدرالية الديمقراطية.

وأكد خاطر أن التحدي وارد، وأشار إلى أن التحديات تتمثل في استعادة الأفق الاقتصادي والاجتماعي الذي كان يميز بعض الأقاليم، في إشارة إلى دارفور، مضيفاً أن التجربة هذه المرة تأتي في إطار دولة تحترم الأعراف والتقاليد والاقتصاديات لكل الأقاليم، أما بالنسبة للولايات فالتحدي في تحولها من دائرة الإغاثة إلى دائرة الإنتاج، ومن دائرة التقليدية إلى دائرة الحداثة، ومن دائرة الاعتماد على الغير إلى الاعتماد على التنمية من الواقع الثقافي لكل ولاية متضامنة في شكل إقليمي في ظل سودان أكبر، وأيضاً التحدي الأكبر من يتولى إدارة إقليم دارفور بصورة خاصة.

المائدة المستديرة

وأكد القيادي في الجبهة الثورية وعضو المكتب القيادي للحركة الشعبية جناح عقار الرضي آدم ضو البيت لـ (الصيحة)، أن نجاح تجربة الحكم بعد انعقاد المؤتمر بمشاركة الجميع وإتمامها بالأخذ في الاعتبار التجارب السابقة للاستفادة منها، وأضاف: حتى يتم الخروج من المؤتمر بكيفية إدارة الحكم بشكل أفضل، وأشار إلى أن الحكم الإقليمي الحقيقي يحقق مطلب حركات الكفاح المسلح منذ 1955، وهو ما تبناه كل من اتحاد جبال النوبة وجبهة نهضة دارفور وحركة الأنيانيا، وكذلك طالب الجنوبيون بالفيدرالية في مؤتمر المائدة المستديرة في 1947، لكن رفضتها الحكومة المركزية، مما أدى إلى تمردهم ومطالبتهم وتقرير مصيرهم.

مراعاة التنوع

وقال القيادي بحزب الأمة القومي عبد الجليل الباشا، إن تجربة الحكم الفيدرالي أنجح سياسة لفض النزاعات على المستوى المحلي والإقليمي، مشيرًا إلى ما يتعلق بتقاسم السلطة والثروة، أو عائدات الثروة وإتاحة الحريات العامة، واحترام العادات والتقاليد والثقافات والأديان، في إشارة إلى القضايا الأكثر حيوية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

وأضاف: من المهم جداً أن يحدث اتفاق بين جميع مكونات الشعب السوداني على المستوى القومي، مثل قضية العلمانية وعلاقة الدين بالدولة، والدستور الدائم، فجميع هذه القضايا تحتاج إلى النقاش ومشاركة الجميع في الطرح من خلال منبر قومي، حتى تكون المعالجة جذرية، وتوضع معايير واضحة تراعي التنوع المحلي وكيفية إدارته.

وأوضح أن تجربة الحكم الفيدرالي أنسب نظام في إدارة التنوع، لذلك يصلح كنظام حكم للسودان لتميز وتنوع سكانه وثقافاته وأعراقه، وقال: المهم أن يكون التطبيق سليماً، وأهمية المشاركة الحقيقية من المواطنين من خلال اختيار السياسات المختلفة، لإدارة إقليمهم.

فشل النخب

فيما أكد الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر السوداني نور الدين بابكر في تصريحات صحفية، أن “تطبيق الحكم الفيدرالي واحد من المطالب الرئيسة والقديمة لمعظم سكان البلاد منذ استقلالها في 1956، فقد فشلت النخب السودانية طوال 64 عاماً في تحقيق هذا المطلب، مما أدى إلى اندلاع الحروب في المناطق المهمشة، بسبب تظلّمات التوزيع غير العادل للثروة والسلطة وغيرها”.

وأضاف بابكر: “ظل الحكم المركزي هو الأساس في كل العهود السابقة، فقد سيطر هذا النظام على ثروات أقاليم السودان المختلفة، كما أصبحت هذه الأقاليم تحكم بواسطة أشخاص من خارج مناطقهم وغير ملمين بطبيعة المشكلات والتحديات التي تواجه الأقاليم التي يحكمونها، مما جعلهم يفشلون في إدارتها وحل مشكلاتها، فضلاً عما خلفه هذا النظام من غبن وسط مجتمع تلك الأقاليم التي تعرضت للتهميش السكاني والتنموي. وأشار إلى أن “اتفاق السلام يعتبر خطوة مهمة في اتجاه استقرار البلاد سياسياً، وما يتعلق بشكل الحكم. وأضاف: صحيح أن الاتفاق خاطب بعض القضايا المهمة في البلاد، رغم أن هناك مجموعات مسلحة لم تكن مشاركة.

فوارق تنموية

ويرى المحلل السياسي إبراهيم محمد عسكوري أن التجربة الفيدرالية هي مستوى من التطور في المؤسسية، فالمشكلة التي كانت تعانيها أقاليم البلاد المختلفة هي أن الحكومة المركزية ما كانت تعطيها صلاحيات كافية لإدارة شؤونها، بل كانت تتحكم في ثرواتها بالرغم من مشكلاتها البنيوية”. لكن النظام الفيدرالي يتيح لأهل الإقليم إدارته من تلقاء أنفسهم، وتوجيه الموارد لتنميته، بالتالي لن تكون هناك تظلمات في هذه الناحية”، وأشار إلى أن  فترة النظام السابق كان نظام الحكم “أشبه بالفيدرالي ولكن كان هناك تركيز على مناطق معينة، مما جعل فوارق تنموية كبيرة بين الأقاليم.

مرسوم دستوري

ومن المتوقع أن يصدر مرسوم دستوري من رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان يؤسس للفيدرالية، وعودة دارفور إلى حكم الإقليم الموحد بموجب اتفاق جوبا، سيطبق الحكم الإقليمي بشكل كامل، وتنقل الصلاحيات الإقليمية إلى عاصمة الإقليم، وكذلك صلاحيات الحكم المحلي إلى المحليات بشكل كامل، مما يؤسس للديمقراطية من القواعد وممارسة السلطة على المستوى المحلي، بناء على الحكم الإقليمي. وبدأت لجنة دراسة نظام حكم الأقاليم برئاسة عضو السيادة محمد حسن التعايشي المشكلة بقرار من رئيس المجلس السيادي الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان وناقش الاجتماع إمكانية تكوين الأقاليم بحسب ما نص الاتفاق وأوصى بكيفية استعادة نظام الحكم بجانب تكوين لجنة فنية للتحضير لمؤتمر الحكم لمعالجة القضايا التي تتعلق بأسماء الأقاليم وحدودها وهياكلها.

 

 

Exit mobile version