لواء شرطة (م) بشير علي محمد بخيت يكتب.. مشروع بسط الأمن الشامل.. الحاضر.. الغائب..!!

 

كان مشروع بسط الأمن الشامل أول مشروع شرطي أمني استراتيجي من بنات أفكار قادة الشرطة، وهو يسعى ويرمي ويهدف لمنع ارتكاب الجريمة وبسط الأمن والطمأنينة العامة في قلب العاصمة الخرطوم وكافة أحيائها السكنية المترامية الأطراف, وذلك من خلال الوجود (الشرطي) الميداني الدائم (على مدار الساعة).. وقد ظهرت هذه (الأطروحة) الشرطية الأمنية الواعدة, إلى حيز الوجود في عهد وزير الداخلية الأسبق اللواء الركن د. الطيب إبراهيم محمد خير.. الذي أولى هذا المشروع – بسط الأمن الشامل – كامل اهتمامه ومتابعته الشخصية, وأضاف إليه (خطة) شراء عدد ضخم من عربات الشرطة (بكاسي) بواسطة (شركة دال) للسيارات, والتي لا تزال تعنى حتى اليوم بتوفير وصيانة عربات الشرطة من مختلف الأنواع.. ولكن.. ما أن غادر الوزير الطيب وزارة الداخلية حتى توقف مشروع بسط الأمن الشامل عن النمو والحركة والاستمرارية..!!

ثم كانت (عودة الروح) للمشروع عندما تولى وزارة الداخلية الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين, الذي يبدو واضحاً أنه كان ينظر (بعين الرضا) للمشروع الاستراتيجي بعد الدراسة الدقيقة للملف.. ومن ثم بدأ التنفيذ الفوري للمشروع الذي استيقظ بعد نوم طويل وعميق.. فانتشرت (أكشاك) الشرطة برجالها في قلب وأطراف العاصمة.. وبدأ المواطنون يشعرون بالأمن والطمأنينة العامة في الشارع والمسكن..

وبما أنني عاصرت كلا الوزيرين عندما كنت نائباً لمدير عام قوات الشرطة.. فإنني أقول والحق يقال وأشهد أن كليهما كان (رجل دولة) متمرس, ومخطط أمني استراتيجي بامتياز.. متعهما الله بالصحة والعافية..

ماذا يعني مشروع بسط الأمن الشامل؟

يعني هذا المشروع باختصار شديد (الوجود الشرطي الدائم) على مدار الساعة, بمعنى وجود (رجل شرطة) وسط أو بالقرب من أماكن (تجمعات) المواطنين كالأسواق ومواقف المواصلات والمحال التجارية والمؤسسات الاقتصادية والمالية ودور العبادة والجامعات وأماكن الترفيه وصالات الأفراح.. ويعتبر هذا المشروع نسخة أو صورة طبق الأصل من أسلوب وطريقة عمل (البوليس) – أيام زمان – بصورته اليومية الراتبة لحفظ الأمن والنظام العام وبمنع ارتكاب الجريمة على مستوى العاصمة.. وهي تجربة ميدانية عملية ممتدة لعشرات السنين وناجحة بكل المقاييس الأمنية والقانونية والإدارية وتستحق اليوم الأخذ بها وتكرارها و(تدويرها) من جديد..

كيف كانت قوة (البوليس) تمنع الجريمة (أيام زمان)؟

بالرغم من إمكاناته البشرية والمادية المتواضعة والمحدودة للغاية إذا ما قورنت بإمكانات شرطة اليوم, كان وجود (رجل البوليس) لا تخطئه العين أينما اتجهت لا سيما في الأسواق وأماكن تجمعات المواطنين في قلب العاصمة وأحيائها السكنية.. وذلك من خلال (أكشاك) البوليس أو نقاطه الثابتة.. وأمام كل كشك تجد رجل البوليس بزيه النظيف وهو يقظ ومسلح رمزاً لهيبة الدولة ويقظتها خلال الـ 24 ساعة التي تمثلها خدمات البوليس الثلاث, وهي كالآتي:

  1. الخدمة الأولى – من الساعة 6 صباحاً حتى الساعة 2 ظهراً.
  2. الخدمة الثانية من الساعة 2 ظهراً حتى الساعة 10 مساء.
  3. الخدمة الثالثة من الساعة 10 مساء حتى الساعة 6 صباحاً.

ويحرك ويدفع قسم الشرطة المختص بهذه الخدمات الثلاث في المواعيد المحددة (بالضبط) دون تأخير أو غياب لأفرادها وذلك تحت إشراف ضابط (الإدارة) بالقسم ويرافقها على (الكومر) حكمدار الخدمة (ضباط صف) لتوزيع الخدمة على أماكنها المحددة في الوقت المحدد.. ثم يأتي المرور على أفرادها بواسطة حكمدار الخدمة والضابط (المناوب) بالقسم ليلاً.. وكبار الضباط حتى رتبة القمندان (عقيد) وهو مدير بوليس المديرية.. وتأسيساً على ذلك كان وجود البوليس الدائم وسط تجمعات المواطنين من أبرز وسائل (منع ارتكاب الجريمة).

عليه أخلص مما ورد أعلاه إلى أن وجود رجل (البوليس) بالأمس.. ورجل (الشرطة) اليوم بالقرب من تجمعات المواطنين في أي مكان وزمان.. هو الخيار الوحيد والأوحد الذي لا ثاني له لنشر أهم وسائل منع ارتكاب الجريمة.. إذ لا يمكن أن تمنع (الجريمة) بوسائل هلامية أخرى دون الوجود (الشرطي) وسط أو بالقرب من تلك التجمعات البشرية أو المقار والمباني الاقتصادية.. فكيف يمكن أن نمنع الجريمة والشارع العام خالي الوفاض من الشرطة.. عدا شرطي (المرور).. أو ذلك الشرطي الجالس على (كرسي) أمام إحدى السفارات الأجنبية..!! ولكن أضاءت مؤخراً في أفق الخرطوم بارقة أمل جديدة لاحتواء التدهور الأمني وذلك من خلال (الحشد الشرطي) الكبير الذي ظهر في شوارع العاصمة بقيادة الأخ وزير الداخلية شخصياً في تصميم واضح للتصدي للجريمة والمجرمين في أوكارهم.. (فالضربة الأولى) مكتوب لها النجاح دائماً.. ولكن لا هذه الحملة (ولا الارتكاز الشرطي) يمكن أن يكون (بديلاً لمشروع بسط الأمن الشامل), موضوع هذا المقال.. فهو الخيار الأفضل و(المجرب) لمنع ارتكاب الجريمة.. فمجرد وجود (كشك) الشرطة في الأحياء السكنية أو في السوق وأماكن تجمعات المواطنين يعتبر هذا (الكشك) مظهراً مهماً ووسيلة فاعلة من وسائل منع ارتكاب الجريمة..

في الماضي البعيد وحتى بعد صدر الاستقلال المجيد، كان (مركز ثقل) العاصمة الخرطوم صغيراً ومحصوراً  ونظيفًاً وجميلاً، وأعني بذلك السوق الأفرنجي, المحطة الوسطى (زمان) التي تعج (بركاب الترماي) وميدان الأمم المتحدة (موقف بصات أبو رجيلة) والسوق العربي.. وتضم هذه المساحة الشوارع الرئيسية الثلاث, شارع القصر, الجمهورية, الجامعة.. وبعد منتصف الليل لا تجد في هذه المنطقة والشوارع الثلاثة أي إنسان غير رجال البوليس (الخدمة الثالثة) المتيقظين وعمال النظافة وتناكر الماء (لغسل الشوارع) بالماء بعد منتصف الليل!! أي والله.. غسيل شوارع الخرطوم بالماء والصابون لتصبح نظيفة ولامعة..!! تصور (يا عمرو).. هل تصدق ذلك يا (عمرو)؟!! كان هذا يحدث في قلب العاصمة الخرطوم التي أصبحت تعج اليوم بصفوف (الخبز) والوقود جنباً إلى جنب مع صفوف السيارات العطشى للبنزين والجازولين.. معززة بقطوعات (الكهرباء) في (عز الشتاء) والتي حتى (برمجتها) لا يجيدونها.. “حشف وسوء كيلة”..!!

واليوم, وإن جاز لي أن أطرح (اقتراحاً) لإخوتنا في قيادة الشرطة – لمنع الجريمة – بصورة (تدريجية) في قلب ومركز ثقل العاصمة وهو المنطقة المكتظة بالمباني الضخمة والبشر والسيارات.. والتي  يمكن أن نحددها في المساحة الواقعة بين (المقرن) أو البنك المركزي غرباً حتى جامعة الخرطوم (ونفق بري) شرقاً.. ومن شارع النيل أو وزارة الداخلية شمالاً حتى محطة السكة الحديد وموقف شروني وكبري المسلمية جنوباً.. فهذه المساحة الواسعة ومركز الثقل الاقتصادي والأمني للعاصمة يتطلب (تأمينها) شرطياً طوال الأربع وعشرين ساعة, وجود 50 (كشك شرطة تقليدي) مساحة 2,5×3م.م أو 50 (كرفانة) صغيرة بنفس المساحة.. وتوضع بعناية ودقة تامة في أماكن مختارة في محطات وسائل المواصلات ومواقف الحافلات والأماكن الاقتصادية ودور العبادة وأماكن الترفيه..

وهذا يعني ويتطلب وجود 50 رجل شرطة مسلح في الوردية أو الخدمة الواحدة.. بمعنى وجود 150 (مائة وخمسون) رجل شرطة (للخدمات الثلاث) في اليوم الواحد.. المشار إليها في هذا الموضوع (خدمات البوليس) إذا أردنا الأخذ بنظام خدمات البوليس (أيام زمان) وتطبيقها على (خدمات الشرطة اليوم).

وليكن (الاقتراح) أعلاه (تجربة) ميدانية عملية علها تساعد على (إيقاظ) مشروع الوزيرين السابقين الطيب وعبد الرحيم لبسط الأمن الشامل في العاصمة والولايات.. الذي لا يزال (نائماً) نوم أصحاب الكهف!! فمجرد إيقاظ وتنشيط وتفعيل هذا المشروع الإستراتيجي سيؤدي حتماً لخروج العاصمة من (نفق) الجريمة المظلم الذي لا زالت تعيش داخله وبين جنباته حتى اليوم.

ويتطلب تطبيق هذا الاقتراح وبالضرورة إنشاء (إدارة عامة جديدة) تضاف للهيكل الإداري لقوة الشرطة تسمى (الإدارة العامة لبسط الأمن الشامل) برئاسة ضابط برتبة (لواء) لكي تكون بعيدة كل البعد عن مرمى (النيران الصديقة) التي قد تنطلق عليها من (مواقع الولاية) كما كانت تطلق (نيران الولاية الصديقة) عندما تطلق المظاهرات المليونية التي تضم (ذوي الربو) والحساسية من دخان (البنبان)!!

ختاماً: الأخ الفريق أول شرطة حقوقي/ الطريفي إدريس وزير الداخلية:

كما ذكرت لقد ظهر هذا المشروع الشرطي الأمني الاستراتيجي الواعد (بسط الأمن الشامل) ظهر لأول مرة في عهد وزير الداخلية (الأسبق) اللواء الركن د. الطيب إبراهيم محمد خير.. ثم (توقف) لينهض ويواصل مسيرته الشرطية الجادة في عهد الفريق أول مهندس ركن عبد الرحيم محمد حسين, وزير الداخلية الأسبق, الذي أولى هذا المشروع اهتمامه ومتابعته الشخصية للتنفيذ على الأرض, ودفعه إلى الأمام بكل ما يملك من قوة وإمكانيات مادية فظهرت وانتشرت (أكشاك) الشرطة برجالها في قلب العاصمة والأحياء السكنية لتتراجع الجريمة (ضد الإنسان والمال) تراجعاً ملحوظاً وساد الأمن والطمأنينة العامة الشارع العام..

وها أنت اليوم وزير للداخلية وتقود بنفسك حملة شرطية ضخمة (ووثبة قوية) رادعة لكبح جماح الجريمة التقليدية والمنظمة والوافدة.. ولكي تصل هذه (الخطة) إلى أهدافها وغايتها المرجوة.. لا بد أن تستصحب معها تنفيذ (مشروع بسط الأمن الشامل) فهو (رمانة ميزان الأمن العام والطمأنينة العامة) ليكون أبو وعد أنت ليكون (تتويجاً ومسك ختام) للنهضة و(الغضبة المضرية الشرطية) ضد الجريمة التي تقودها أنت اليوم..

وفقكم الله وسدد رميتكم وخطاكم وزيراً ومديراً عاماً وهيئة قيادة وضباط وصف وجنود.

ولله دركم

نائب مديرعام قوات الشرطة (الأسبق)

قائد قوات الاحتياطي المركزي (الأسبق)

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى