أحمد التجاني أحمد البدوي يكتب.. أزمة الحكم في السودان هل لها من علاج

يتساءل الناس هذه الأيام عن إسقاط الحكومة، وفي رأينا أي حديث عن إسقاط أو تغيير أو  تحريك للشارع دون إعداد البديل المشروط بالكفاءة والخبرة والبرنامج  المحدود  في زمن معدود سوف نصل إلى النتيجة المعلومة وهي الفشل، وعليه لقد ثبت لنا جلياً في كل فترات الحكم في السودان وإلى الآن أن سبب الفشل أنه لا يوجد برنامج على أساسه يحكم السودان لدى كل الأحزاب اليساري منها واليميني حتى التقليدي، وكذلك العساكر، ولذلك كان الفشل ملازماً لكل الحكومات عسكرية وحزبية، وعليه فإن الخروج من هذا المأزق أن يصحو السودانيون من غفوتهم وينتبه السياسيون عن غفلتهم، وذلك بأن يجتمع كل من له غيرة ووطنية على هذا السودان في مكان واحد على مختلف توجهات الناس وأحزابهم وأن يقدموا برنامج عمل لحكومة منتخبة أو انتقالية أو عسكرية أو حكومة طوارئ والمهم في الأمر، أن تلتزم تلك الحكومة بتنفيذ هذا البرنامج المجمع عليه لأن كل الحكومات المتعاقبة أصبح مصيرها معروفاً، ولأنه لم يكن هناك برنامج ولا هدف تتوسل به إلى أهدافها مع توفر الإمكانات مما جميعه البشرية والزراعية والرعوية والغابية والتعدينية، فالسودان لم يكن محتاجاً لأي جهة أو أن يمد يده لأحد، لكننا نفتقد الجهة المفكرة المبرمجة والإدارة الناجحة، فكل الدول التي نهضت أخيراً قادتها حكومات لها برامج ولها أهداف كأندونيسيا وماليزيا ورواندا حتى أثيوبيا، فقد نجح أبي أحمد لأنه أتى ببرنامج وفكرة أنَّ هذا الأمر الوطني وأعني به الإجماع على برنامج، فهو متاح لكل المكونات ومن بينهم مشائخ الصوفية يمكنهم أن يساهموا في هذا البرنامج، وأن يكونوا على مسافة واحدة من كل المكونات السياسية حتى لا تهتز مكانتهم عند أتباعهم، ولا شك أن لأتباعهم توجهات مختلفة، ولأن الصوفية لهم في منهجهم ما يحدد كيف يتعاملون مع السلطان.

وحكومة ما بعد الثورة ليست استثناءً مما ذكرنا، وهي ليس لها برنامج كذلك مما عجل بفشلها، وقد أتت بأفكار قائمة على الغبن والثأر ولم يلتفتوا لتصحيح أخطاء الإنقاذ التي أدت إلى سقوطها، وكانت واضحة فالاقتصاد كان منفلتاً والصرف الحكومي ليس منضبطاً وهيبة الدولة مهتزة، وكنا ما نتوقعه أن تبدأ حكومة الثورة بإصلاح تلك الأخطاء، ولكن أغلب الذين استوزروا لهم من الأيدلوجيات والأفكار التي يريدون تطبيقها فتدخلوا في المناهج وبدأوا يتحدثون عن التعاونيات والقطاع العام كما فعل النميري من قبل فصادر وأمم وسلم الشركات للأفندية والشركات الأجنبية خرجت من البلد، وكذلك البنوك فتدخل الدولة في البيع والشراء والشركات تسبب في تدهور الاقتصاد ولا زال التدهور مستمراً ونخشى أن يصل القاع.

وكذلك التعليم لم يسلم من تخبطات النميري، فالمناهج كانت قوية ومرتبطة بالمناهج البريطانية وامتحانات الطالب بمرحلتي الوسطى والثانوي كانت تأتي من كامبردج والطالب في رابعة أولية يمكنه أن يدير مؤسسة، كما أن الطالب في الثانوي يتحدث اللغة العربية والإنجليزية بطلاقة قبل تعريب المناهج، أما الآن فبعض الطلاب في الصف الثامن يخطئ حتى في كتابة اسمه وأصدقكم القول بأننا سألنا أحد المحامين قائلاً لنا:(أبوذر بالزين ولا بالذال)، والحق أن نجمع كلنا كسودانيين بمختلف أطيافنا على برنامج، وهذا البرنامج من ينفذه هو الرجل الكُفُؤ ذو الخبرة والوطنية من أي جهة كان من الشرق من الغرب، والأفضل إعلان هذا البرنامج  وعرضه على الشعب وعليه تحاسب الحكومة، وذهابها أو بقاءها وحتى عمرها يحدده نجاحها أو فشلها في إنفاذ البرنامج.

إنَّ اللغط الخطير الذي يهدد وحدة السودان والدائر هذه الأيام أن القبيلة الفلانية لم تحكم والجهة الفلانية لم تحكم ولماذا يحكمنا الشمال ونقول لهؤلاء هذا علاجه يكمن في اختيار الرجل الكُفُؤ صاحب البرنامج والذي إذا وجدنا من ينفذه نعطيه إياه دون تردد أو حديث عن جهته أو قبيلته ولا ننسى أنه قد حكمنا الإنجليز ولا زال الكبار منا يقولون “يا حليل الإنجليز” لأنهم أداروا البلد إدارة صحيحة وأنشأوا منشآت لم نستطع أن نحافظ عليها ناهيك عن أن نزيد إليها شيئاً كمشروع الجزيرة والسكة الحديد وغيرها كثير، ونلفت النظر إلى أن التحدث عن الديمقراطية في هذه  الظروف لم يكن مناسباً لأنه لا يوجد حزب واحد مستعد لخوض انتخابات حتى الأحزاب  التقليدية ليست مهيأة لذلك، والأهم من كل ذلك أن نعترف بأخطائنا وأننا فشلنا في كل الفترات السابقة، وعلينا أن نفكر تفكيراً جاداً ونستفيد من تلك الأخطاء بالإجماع على برنامج حكومي يتناول كل مشاكل السودان ويضع لها الحلول في فترة زمنية محددة وليصبح علاجاً شافياً لكل مشاكل السودان الخدمية منها والقبلية والجهوية حتى يكون الولاء للوطن وحده لا للجهة ولا القبيلة وبذلك ترتقي الشعوب وتصعد.

والله الموفق وهو المستعان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى