Site icon صحيفة الصيحة

إغلاق مراكز الإعاقة الذهنية.. من يعيق (المعاقين)

مجلس الأشخاص ذوي الإعاقة: مهمة المجلس تنسيقية وليست تنفيذية

خبير في شؤون الإعاقة: الدولة ليس لها فهم في حقوق الإنسان والإعاقة

“مراكز الأحباب”: نعمل في هذا المجال منذ العام 1960 ومُجبرون على الإغلاق

عضو الإعاقة الفكرية: الرعاية الاجتماعية وعدت ولم تفِ بوعدها

مديرة مركز: الأمين العام للمجلس الجديد لم تكلف نفسها الجلوس إلى المراكز

فوارق ضخمة

أصبحت قضايا حقوق الإنسان تمثل الهاجس الحقيقي الذي يؤرق الدول سيما دول العالم الثالث الأكثر انتهاكاً لكل الحقوق بمن فيهم الأشخاص ذوي الإعاقة الذين ضاعت وتفرقت حقوقهم بين المؤسسات الحكومية.

وما بين الإعاقة البصرية والسمعية والحركية أصبحت الإعاقة الذهنية للأطفال تواجه تحدياً كبيراً بين المراكز الحكومية والمراكز الخاصة التي بدأت في التلاشي شيئاً فشيئاً بسبب الضائقة الاقتصادية وارتفاع تكاليف الترحيل والتدريب بنسبة أربعة أضعاف، حيث تواجه أكثر من 90% من المراكز الخاصة معاناة الإغلاق دون أدنى تدخل من الجهات الرسمية التي اكتفت فقط بالمشاهدة ومتعة الانهيار لتكون الحكومة بتلك التصرفات هي الأكثر إعاقة بدلاً من أولئك الأطفال.

تحقيق: النذير دفع الله

دكتور ياسر محمد موسى رئيس مركز الإعاقة الذهنية والخبير في شؤون الإعاقة والمرأة والطفل قال لـ(الصيحة)، إن مراكز الإعاقة الذهنية وأطفال التوحد وتلك المراكز شبه خيرية وتحقق فوائد كبيرة للمجتمع وتتولى أمر شريحة لا تضعها الدولة في خانة أولوياتها أو اهتماماتها سواء كانت الدولة الكيزانية أم القحاتية,

وأضاف ياسر، أن هذه المراكز تقوم بأدوار مهمة نيابة عن الدولة فيما يتعلق بالاهتمام بشريحة الأطفال المعاقين ذهنياً، مشيراً إلى أن المراكز يشرف عليها ويعمل بها خريجو علم الاجتماع وعلم النفس والتربية الخاصة، لأن المراكز قائمة على التخصص، وهذه الشريحة ليست لها وظائف من الدولة، وعندما قمنا بتشجيعهم على هذا النوع من الاستثمار  هذا إن استطاع صاحب المركز أن يلتزم بمرتب معلم واحد يكون قد جنى الكثير من كل العملية، ولكن للأسف الوضع الاقتصادي خلق فوارق ضخمة منها جزء كبير لا علاقة لنا به وجزء آخر تتحمل الحكومة فيه المسئولية فيما يتعلق بفارق سعر الصرف، وما يترتب عليه من رفع الدعم من المحروقات والكهرباء قفز بإيجارات المراكز لمبالغ خرافية، إضافة لخدمة الترحيل.

وأوضح ياسر أن رسوم الترحيل إضافة إلى رسوم الدراسة لا يستطيع الأهل الوفاء بها لأن معظم حالات إصابة الأطفال مرتبطة بالأسر الفقيرة، لذلك هي واحدة من الأسباب التي أدت لتعثر هذه الخدمة أو رفع الرسوم وتكلفة الدراسة، مشيراً إلى أن تكلفة رسوم الطفل الواحد خلال العام الماضي أو العام الحالي ألفا جنيه دراسة وألفان آخران للترحيل، أما الأن خدمة الترحيل قفزت لمبلغ عشرين ألفاً للطفل الواحد خلال الشهر وعشرين ألفاً للدراسة، لذلك فإن الذين صمدوا مع هذه الظروف أصبحت تكلفة الطفل أربعين ألفاً خلال الشهر، مشدداً على أن ما يحدث يؤكد بأن الدولة ليس لها أدنى فهم للإنسان أو حقوق الإنسان ولا تعتبر الإنسانية من أولويات الحكومة.

وأكد ياسر أن الدولة ليس لها أي اهتمام بهذه المراكز أو هذه الشريحة، كما أن الحكومة (ما عندها أضان تسمع بيها)، وجلسنا إلى وزيرة الرعاية الاجتماعية أكثر من مرة، نقلنا لها خلال اللقاء التجربة المصرية والتي هي شبيهة بالواقع السوداني، عليه يجب إلغاء جميع الرسوم الحكومية على هذه المراكز، منبهاً أن المراكز حالياً تدفع رسوماً لوزارة التربية بدون أن تقدم الوزارة أي شيء للمراكز، مبيناً أن المركز الواحد إذا احتوى على خمسين طفلاً فقط ووجد وظائف لعشرة معلمين فقط، يعتبر مكسباً كبيراً جداً للدولة. وأضاف ياسر أن المجلس القومي والولائي للأشخاص ذوي الإعاقة لاعبو سياسة منذ الدولة الكيزانية، وتعيين الأمناء العامين تم بمعايير سياسية، يأتي الأمين العام وتعتبر وظيفته درجة من درجات التوظيف السياسي، ويكون المجلس عبارة عن كوبري للاستوزار أو مساعد لوزير، وهو ما حدث بشأن الأمين العام الجديد دكتورة رحاب للأسف، وهي للأسف بعيدة جداً عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وكثيراً ما يتنازل المجلس عن دوره ويعتبر نفسه منسقاً فقط بين المراكز والمؤسسات الحكومية وليس له دور تنفيذي كما يقولون، فهو وقت الواجبات دوره تنسيقي ووقت الخطب السياسية هو تنفيذي، لذلك لا توجد معايير للمجلس باعتباره آلية لتنفيذ احتياجات المراكز.

تبعية المراكز

دكتورة ابتسام محمود عضو الإعاقة الفكرية ومديرة مراكز “أمنية للإعاقة الذهنية”، أوضحت لـ(الصيحة)، أن مراكز “أمنية” تمتلك مركزاً للتدخل المبكر، ومركزاً للتوحد، وآخر للإعاقة الفكرية ومركزاً لصعوبة التعليم، مضيفة أنه تم إغلاق مركز الإعاقة الفكرية منذ مارس الماضي نسبة لارتفاع تكلفة الإيجار بصورة عالية جداً، وكذلك الروضة تم تجميد نشاطاها لذات الأسباب، أما مركز صعوبات التعلم، فهم منزلي الخاص قمت  بتشييده ليكون مركزاً للتدخل المبكر، جئنا بالأطفال وبأجر رمزي جداً، ولكن واجهتنا مشكلة ترحيل الأطفال من الكلاكلة للمركز بمبلغ عشرين ألفاً شهرياً للطفل الواحد، وحتى يتم الصرف على المعلمات والخدمات، على الأسرة أن تدفع أيضاً (11) ألفاً أخرى لتكون تكلفة الطفل الواحد خلال الشهر (31) ألف جنيه، وبناء على تلك الزيادات قمنا بتجميد أنشطتنا في جميع المراكز.

وأوضحت ابتسام لم تكلف الدولة نفسها لحل مشكلة المراكز الخاصة ولكن قمنا برفع قضيتنا لوزارة الرعاية الاجتماعية  بواسطة أحد أعضاء حزب المؤتمر السوداني، وكما العهد، الوزارة وعدت بالدعم وإيجار مراكز وعدد من العربات، ولكنها لم تفِ بالوعد.

وأشارت ابتسام إلى أن عدد الأطفال بالمراكز أكثر من (200) طفل فضلاً عن عدد المعلمين.

وطالبت ابتسام بضرورة توحيد تبعية المراكز، فبعض المراكز يتبع لوزارة الرعاية الاجتماعية وأخرى لوزارة التربية، وجزء للعون الإنساني، لذلك أولى الخطوات لحل مشكلة المراكز توحيد تبعيتها لوزارة الرعاية الاجتماعية التي تتكفل بدفع الإيجار ومرتبات المعلمين وعلى الأسر الالتزام بالترحيل، بدون ذلك فإن تكلفة الطفل لن تقل عن (50) شهرياً.

وأقرت ابتسام بأن أكثر من 90% من مراكز الإعاقة أغلقت أبوابها أمام تقديم الخدمة،  بينما الأسر في حيرة إلى أين يذهبوا بأبنائهم من أجل تدريبهم والتعليم، بينما بعض المراكز فقد هجر أصحابها الخدمة وبعض المراكز تعمل بنظام الجلسات تفادياً للترحيل، ويظل التحدي الكبير أن الأطفال من ذوي الإعاقة الذهنية والتوحّد وصعوبة التعلم لا توجد أي جهة لقبولهم، وأن 98% من الخدمات التي تقدم لهذه الشريحة هي خدمات خاصة وليست حكومية، و90% من الخدمات لهذه الشريحة موجودة في الخرطوم فقط دون الولايات، لذلك بعض الأسر لجأت للخرطوم من أجل تدريب وتعليم أطفالها.

وشددت ابتسام على عدم النظر للأمر بأنه ينحصر فقط في مراكز أغلقت أبوابها، بل الأمر أكبر من ذلك، وهي كارثة سيما أن هؤلاء أطفال ولهم حق أصيل من ناحية حقوقية، بأن يجدوا التعليم.

وأضافت:  يجب أن تكون هنالك وسيلة لدمج المراكز في المدارس وهو امر يحتاج لتمويل يتمثل في تأمين تلك المدارس وتدريب المعلمين وتهيئة البيئة من غرفة مصادر ووسائل تعليمية وغيرها، وللإعاقات الأخرى هو عمل يجب أن أن تتبناه الدولة، وسيجد الدعم من الخيرين وغيرهم، ولكن المؤسف أن الحكومة غير مهتمة بهذه المراكز التي هي غير ربحية.

إغلاق إجباري

مديرة مركز “الصديق للإعاقة الذهنية” الأستاذة سلافة الصديق أحمد البلة، قالت لـ(الصيحة): نحن نمتلك مركزين، تم إغلاق إحدهما نسبة للوضع الاقتصادي المتردي، وهو منذ العام 2006 في خدمة ذوي الإعاقة الفكرية من تأهيل أكاديمي ومهني، ومع دخول جائحة “كورونا” وقفت المراكز، وأصبحت مشكلتنا الكبرى هي الإيجارات. ومركز “الصديق” من المراكز المميزة تم . وأضافت سلافة أن صاحب العقار الذي كنا ندفع له (20) ألفاً أصبح الأن (60) ألفاً لا نستطيع الوفاء بها في ظل الوضع الاقتصادي، كنا نوافق على تسجيل الطالب سابقاً بمبلغ (2000) جنيه، والآن إذا دفع الطالب مبلغ (10) آلاف فإنها لا تفي بالتكاليف، لذلك الأسر لا تستطيع تحمل هذه التكاليف، وقالت: أقدمت مؤخراً على بيع الأجهزة وأداوت المركز لأسباب مالية، فضلاً عن مركز علاج طبيعي متكامل، الآن أصبحتُ في حيرة من أمري إلى أي مجال آخر أتجه بعد إغلاق المراكز، وأشارت سلافة أن الوضع الحالي غير مستقر، ولا نعرف مع من سنتواصل، وأن المسؤولين عن هذا الجانب متخبطون، وأكدت أن 90% من المراكز أغلقت أبوابها، نحن في هذا المجال لأكثر من عشرين عاماً، قدمنا خلالها الكثير للأطفال الذين الآن يمتهنون مهناً جيدة.

وأضافت أن الأسر ستتضرر كثيراً جراء وجود الأطفال في المنازل بدون تدريب أو خدمة أو تعليم، سيما وأن الإعاقة الفكرية من الإعاقات التي يصعب التعامل معها في المنازل، وتحتاج لوجود الأطفال في المراكز الخاصة بهم، بعض الأسر أصبحت في حيرة من أمرها من أجل الإنفاق على الأطفال من ذوي الإعاقة الذهنية. وكشفت سلافة أن الأمين العام الجديد لمجلس الأشخاص ذوي الإعاقة ليس لها دور واضح، ولم تكلف نفسها حتى الاجتماع بمديري المراكز لبحث الإشكالات والعقبات ولم تقدم أي خدمة لهذه المراكز.

القضاء والإعاقة

مديرة مراكز “دار الحنان والأحباب” (ماما) آمال مصطفى أحمد، قالت إن المركز يعمل منذ العام 1960 في برنامج الإعاقة الذهنية للأطفال، ولدينا بعض المراكز في الأقاليم، وأضافت أن مشكلة الإيجارات العالية أجبرتنا على إغلاق جميع هذه المراكز، وأصبح ملاك العقارات يرفعون الإيجارات بدون مسوغ  قانوني، وأوضحت أن صاحب المركز طالب بإخلاء جزء من المبنى ليؤجره بطريقته الخاصة، أو زيادة الإيجار مبلغ ألف دولار، وهو لا يدري أننا جهة خيرية فقط، وما زالت القضية أمام القضاء ليفصل.

وأشارت آمال إلى أن كل هذه القضايا أثرت كثيرًا على أداء المراكز، وبالتالي قد تكون سبباً لإغلاق المراكز جراء الضائقة الاقتصادية.

وأضافت أن المراكز الذهنية تعمل على تدريب الأطفال على كيفية الأكل والشرب والجلوس وغيرها، ولكن القضاء بعد عدد من الاستئنافات أمر بإغلاق المركز، وما زلنا أمام القضاء ليفصل بالحق في قضية المراكز، سيما وأن المراكز تخدم ثلثي الأطفال مجاناً.

وشددت آمال على أن الطفل المعاق ليس سبة أو “نبذة”، كما أن مجلس الأشخاص ذوي الإعاقة دوره تنظيمي فقط، يقوم بإصدار الخطابات للجهات التي تتطلب موافقتها على العمل من أجل بعض التواصل مع المنظمات والجهات الأخرى، معظم المسؤولين في الوزارات والمجالس يتحدثون فقط بدون تنفيذ أي عمل.

وكشفت أن معظم المراكز تعاني من الإجراءات الإدارية المتعلقة بالدولة، وأكدت أن الأسر التي لها أطفال معاقون أسر ضعيفة، وأن ما يعرض علينا في المراكز نسبة بسيطة، وللأسف أن الذين لديهم أطفال معاقون من الأسر المتعلمة يستحون من عرض أبنائهم على المراكز.

عمل تنسيقي

راشد التيجاني الأمين العام السابق لمجلس الأشخاص ذوي الإعاقة بولاية الخرطوم، قال لـ(الصيحة)، إن جميع هذه المراكز خاصة علاقتنا بها علاقة تنسيق فقط من حيث الأداء والاهتمام، ويمكننا تقديم بعض المعينات فيما يختص ببعض الأجهزة المستخدمة لقياس الذكاء، مضيفاً أن المجلس اختصاصاته التوسع في المراكز الحكومية التي كلما زاد عددها كان الضغط والإقبال على المراكز الخاصة ضعيفاً، سيما وأن جميع الإشكالات تأتي من الفئات الضعيفة التي لا تستطيع الوفاء بتكلفة المراكز الخاصة، وهذا يتأتى حسب المنطقة الجغرافية والسكانية، فكلما كانت المنطقة من الفئات الضعيفة لا تستطيع دمج وإدخال الأطفال المعاقين في المراكز الخاصة.

وأشار راشد إلى أن المراكز الحكومية مقارنة بالمراكز الخاصة قليلة والإقبال عليها ضعيف، مبيناً أن عدم وجود مراكز للإعاقة الذهنية  في الولايات يرجع لدرجة الوعي في تلك الولايات، بل هنالك بعض الأسر تستحي من الذهاب بأطفالها لتلك المراكز.

 

Exit mobile version