في محكمة الرئيس المعزول وآخرين في قضية مدبري انقلاب (89م)

جلسة عاصفة وقرارات حاسمة للمحكمة  ..

المحكمة تستبعد وكيل النيابة أحمد الحلا من تقديم البلاغ كمتحرٍ وتستبدله بضابط شرطة

هيئة المحكمة ترفض طلباً للدفاع بوقف إجراءات محاكمة المتهمين

المحكمة: السلطة القضائية التزمت مثل المؤسسات الحكومية بالشروط الصحية للجائحة

قاضي المحكمة يرفض طلباً بحجب النشر الإعلامي في القضية

قاضي المحكمة: اندهشت من تقديم محامي متهم غائب طلباً بحظر النشر الإعلامي في الدعوى

القاضي يكشف عن رفض رئيس القضاء طلباً للدفاع  بوقف المحاكمة لأمر تشكيلها 

 

الخرطوم: محمد موسى

حسمت هيئة  المحكمة الخاصة والمنعقدة بقاعة معهد تدريب ضباط  الشرطة بمقر مباني الأدلة الجنائية الخرطوم  قرارها في مجموعة من الطلبات لهيئات الدفاع، في محاكمة مدبري انقلاب 30 يونيو 1989م المتهم فيها الرئيس المعزول عمر البشير و(27) من قيادات الحكومة البائدة، حيث أصدرت المحكمة قرارات  باستبعاد المتحري وكيل النيابة أحمد النور الحلا، من تقديم التحريات على ذمة القضية واستبداله بضابط شرطة خلفاً له، كما رفضت ذات المحكمة طلبات أخرى تتعلق بإيقاف إجراءات محاكمة المتهمين واستبعاد أحد هيئة أعضاء المحكمة من منصتها لهتافه ضد موكليهم المتهمين باعتصام القيادة العامة .

مشاهد خارجية ..

وبعد نهاية جلسة محاكمة المتهمين رصدت   (الصيحة) تجمهر منسوبي المؤتمر الشعبي أمام مقر المحكمة من الخارج ويحملون لافتات مدون عليها عبارات (لا لتسييس العدالة / ولجنة التمكين سيف مسلط على القضاة / المحاكمة على الانقلابات تبدأ من البرهان وحاضنته وتمر بكل القوى السياسية /غياب المحكمة الدستورية مدعاة لأخذ القانون باليد / أليس الأولى أن تحاكم قحت من فض اعتصام القيادة وإشعال النار في فتاة برنو والجنينة)، وفي المقابل رصدت (الصيحة) كذلك سيارة بوكس  وضعت عليها مكبرات الصوت واتخذها المتجمهرون كمنصة لتقديم محامي الدفاع لمنسوبي المؤتمر الشعبي اعتراضاتهم لقرارات المحكمة، في ذات الوقت كانت هناك مجموعة من الأشخاص يحملون اللافتات والصور التي كان مطبوعاً عليها صور للأمين العام  للمؤتمر الشعبي د.علي الحاج،ونائبه إبراهيم السنوسي، وإضافة إلى صور للقيادي بالشعبي عمر عبد المعروف.

غياب متهم للمرض ..

في بداية جلسة المحاكمة بالأمس شرعت المحكمة في تسجيل حضور جميع هيئات الاتهام والدفاع، حينها تفاجأت المحكمة بأن المتهم الثاني عشر سليمان محمد سليمان، قد تغيب عن جلسة المحاكمة لظروف صحية بحسب ما أعلن عنه محاميه للمحكمة وتسليمها مستندات تقارير طبية توضح بأن موكله المتهم مريض ولم يتمكن من الحضور للجلسة .

رفض طلب إيقاف المحاكمة ..

من جانبه أصدر قاضي المحكمة قراراً برفض طلب  للمحامي بارود صندل رجب، رئيس هيئة الدفاع عن المتهمين منسوبي المؤتمر الشعبي (عمر عبدالمعروف، علي الحاج، إبراهيم السنوسي)، بوقف إجراءات المحاكمة استناداً لنص المادة (201) من قانون الإجراءات الجنائية، لحين الفصل في طلبين بطرف رئيس القضاء تتعلقان بتنحية القاضي محمد المعتزعضو هيئة المحكمة لمشاركته في اعتصام القيادة وهتافه ضد المتهمين، والطلب الثاني يتعلق بأمر تشكيل المحكمة الذي جاء مخالفاً لنصوص الوثيقة الدستورية  وقانون الإجراءات الجنائية وعدم صلاحيتها للنظر في الدعوى .

وأرجع قاضي المحكمة رفض الطلبين استناداً إلى استلامه قرارين من المدير التنفيذي لمكتب رئيس القضاء يقضيان برفض طلبات الدفاع المقدمة من المحامي بارود صندل،والمتعلقة بالطعن في دستورية المحكمة وأهلية أحد أعضاء هيئة المحكمة،وشدد القاضي على أنه وبموجب ذلك فقد انتفت أسباب تقديم الطلبين أو إصدار المحكمة قراراً فيها،ونبهت المحكمة إلى أن هذه المحكمة هي محكمة طبيعية جنائية شكلت بأمر رئيس القضاء ويتم محاكمة المتهمين فيها وفق ما يكفل حقوقهم القانونية ويطعنون في أحكامها في الدرجات العليا للتقاضي، ولفت القاضي  إلى أن حديث المحامي صندل بعدم دستورية المحكمة هو زعم خاطئ بحد تعبيره .

رفض شطب الدعوى ضد إيدام ..

من جهتها رفضت المحكمة بشطب الدعوى في مواجهة المتهم الحادي عشر إبراهيم نايل إيدام، لتجاوز النيابة الإذن المنصوص عليه في محاكمة منسوبي القوات المسلحة، وعللت المحكمة رفضها الطلب إلى أن منشور القوات المسلحة للعام 2018م يتعلق بالجرائم العسكرية التي يرتكبها منسوبوه أثناء تواجدهم بالخدمة واستُثني من ذلك المدنيون، ولفتت المحكمة إلى أن المتهم وأثناء تقييد الدعوى الجنائية اتضح بأنه لم يكن خاضعاً لقانون القوات المسلحة ولم يكن بالخدمة العسكرية .

رفض طلب بحجب النشر الإعلامي ..

في ذات السياق رفضت المحكمة كذلك طلباً للمحامي أحمد عثمان ممثلاً للدفاع عن المتهم الـ(34) الغائب عن جميع جلسات المحاكمة، بمنع وحجب النشر الإعلامي في القضية، وعلل ذلك تنفيذاً لمبدأ العلنية في المحاكم والوصول لمحاكمة عادلة للمتهمين، فيما ألزم ذات القاضي الإعلاميين بضرورة نقل ما يدور داخل الجلسة كما ورد، دون تعليق أو تحليل فيها .

وشدد قاضي المحكمة على أن أساس المحاكمة العادلة هي علنية الجلسات وهو ما جاء حق متفق عليه في المادة (10) من قانون الإعلام العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948م، لاسيما وأن أي إنسان له الحق أن ينظر ملف محاكمته وينظر التهمة الموجهة له  بمحاكم علنية، مشدداً على أن المشرع السوداني في نص المادة (38) ـ أرسى مبدأ علنية الجلسات لمراعاة حق المتهم وكفل حقوقه وليس عادلاً متابعة المتهم لجلسات محاكمته سرياً.

وأفاد قاضي المحكمة بأنه مندهش من طلب محامي لمتهم غائب عن جلسات المحاكمة وأخفى نفسه عن النيابة أن يطلب طلباً  بحجب النشر الإعلامي في القضية، في وقت كان يكون فيه المتهم الغائب هو أحرص الناس على النشر الإعلامي حتى يتسنى له متابعات وقائع الجلسات عبر الأثير  ومايدور فيها وسماع أقوال الشهود وتقديمهم للشهادة، ونبهت المحكمة إلى أن المتهم الغائب كلف محامياً للظهور بدلاً منه وافقت المحكمة على ظهوره أمامها بالرغم من اعتراض هيئة الاتهام عليه في وقت سابق.

وحول حديث ممثل دفاع المتهم الغائب بأن النشر الإعلامي للقضية وتناول أقوال الشهود يضر بسير إجراءاتها، وقد يفشي أسراراً عسكرية وتمس الأمن القومي للبلاد، كانت تدفع المخابرات الأجنبية مبالغ طائلة للحصول عليها، وأفاد القاضي بأن هذا الحديث مردود على قائله لاسيما وأن قضية الاتهام ليست بها أي أسرار عسكرية تمس الأمن القومي للبلاد. وأضاف القاضي بقوله: (وفي حال أثير أي سؤال بهذا الصدد من حق أي الأطراف الاعتراض عليه).

التزام القضائية بالشروط الصحية  ..

في المقابل رفض قاضي المحكمة أيضاً طلباً لهيئة دفاع المتهمين الـ(8/14/15/17/27) بتعليق جلسات المحاكمة لجائحة كورونا،وقررت المحكمة المواصلة في سماع جلسات القضية، مبرراً ذلك إلى أنه سبق وأن أصدر القاضي السابق لهيئة المحكمة قراراً بتحويل محاكمة المتهمين من قاعة تدريب العلوم القضائية إلى قاعة تدريب ضباط الشرطة بمقر مباني الأدلة الجنائية، وذلك لحجمها الكبير ومواءمتها للشروط الصحية للجائحة مع تباعد جلوس الحاضرين فيها من كافة الأطراف، مشدداً على أن جميع المؤسسات الحكومية ومن بينها السلطة القضائية قد اتخذت جميع التدابير الصحية منعاً للجائحة من تعقيم وارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي وغيرها، إضافة إلى أن رئيسة القضاء في وقت سابق قد أصدرت توجيهاً إدارياً بتقليل مرتادي المحاكم واستثناء ماهم في الحراسات ومن بينهم المتهمون الماثلون بالمحكمة، فيما نبه ذات القاضي إلى أن رئيسة القضاء وجهت بمزاولة جميع المحاكم عملها بصورة كلية .

وحول حديث رئيس هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية مدبري انقلاب 89م المحامي عبد الباسط سبدرات، بأن رئيسة القضاء ليست مختصة بإصدار توجيهات وقرارات بشأن الجائحة لأنها ليس من ضمن اللجنة العليا الصحية بالبلاد، هنا أجابه القاضي قائلاً: (إن مثل هذا القول يجافي الحقيقة لأن رئيسة القضاء لاتبدي أي قرارات حول ذلك إلا بعد ابداء الجهات الصحية والفنية والطوارئ رأيها حول ذلك لتسيير دولاب العمل) بحد قوله .

استبعاد وكيل النيابة (الحلا)..

فيما وافقت المحكمة على طلب هيئة الاتهام عن الحق العام باستبعاد وكيل نيابة الخرطوم شمال أحمد النور الحلا، الموقوف إدارياً من قبل النائب العام من تقديم ملف الدعوى الجنائية أمام المحكمة كمتحري فيها واستبداله بعضو لجنة التحقيق والتحري في البلاغ عقيد شرطة جمال محمد الخليفة، وقررت المحكمة إمهال المتحري الجديد فرصة لأسبوعين حتى يتسنى له الاطلاع على ملف الدعوى الجنائية وتقديمه يومية التحري فيه أمام المحكمة .

وقال قاضي المحكمة في قرار استبعاد المتحري وكيل النيابة الحلا بأن (33) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م التي تتعلق بفتح إجراءات الدعوى الجنائية بناءً على علم شرطة الجنايات والنيابة العامة أو بناءً على ما يرفع لأي منهما بالشكوى،منوهاً إلى أنه وبتاريخ 13/5/ 2019م قد تقدم بعض المحامين للنائب العام بعريضة يطلبون فيها بتقييد دعوى جنائية بما ورد من أسباب على لسانهم، وبموجب ذلك مثل الشاكي في البلاغ أمام المتحري وكيل النيابة أحمد الحلا الذي بدوره أصدر أوامر بالتحري وقام باستجواب الشاكي وثلاثة من شهود الاتهام مثلو أمامه، وشددت المحكمة على أنه وبمراجعة خط الكتابة بيومية التحري لأقوال شهود الاتهام اتضح وجود اختلاف في الخط،  مما يعني أن وكيل النيابة قد  استعان بآخرين لتدوين أقوال الشهود التي شملت من صفحة (1 إلى 27) من يومية التحري، مشيراً إلى أنه وبعد ذلك أصدر النائب العام قراراً بتشكيل لجنة بالتحري في البلاغ برئاسة وكيل النيابة سيف اليزل سري ومقررها وكيل النيابة أحمد النور الحلا ، وعضوية كل من مدير المباحث الأسبق الفريق عابدين الطاهر حاج إبراهيم، إلى جانب عضوية العقيد شرطة جمال محمد الخليفة وآخرين .

وأكدت المحكمة بأن  لجنة التحري وبعد ذلك تولت كافة إجراءات البلاغ ابتداءً من صفحة (27 وحتى 313) من يومية التحري،وشددت المحكمة على أن المتحري وكيل النيابة الحلا قام بإجراءات التحري  في البلاغ لا تتجاوز (9%) من يومية التحري، ونوهت المحكمة إلى أنه وفور تشكيل لجنة للتحري يصبح أي عضو منها مؤهلاً لتقديم الدعوى الجنائية أمام المحكمة.

ولفتت المحكمة إلى أن الاتهام هو مايحدد مايقدمه من قضيته للمحكمة، وحول حديث رد الدفاع بأن النيابة ينتهي دورها بتقديم الملف للمحكمة فإن ذلك لا سند له في الفلسفة التشريعية، خاصة بما يتعلق بدعاوى الحق العام التي يجوز للنائب العام فيها اتخاذ قرار بوقف إجراءات الدعوى حتى في مرحلة قبل النطق بالحكم .

تبديل حكومة وحاضنتها  ..

وقال  المحامي أبوبكر عبدالرازق عن المتهمين منسوبي المؤتمر الشعبي  بأن قضية مدبري انقلاب 89م  هي مسرح سياسي كبير ولايظنون منها خيراً ولايرجون منها عدالة،موضحاً بأن هذه المحكمة ابتدت بخطأ عند اختيار النائب العام تاج  السر الحبر  المنتمي لأحد الأحزاب السياسية،إضافة إلى أختيار رئيسة للقضاء نعمات عبدالله محمد خير التي خرجت في الاحتجاجات، وحينما حمل النائب العام هذا البلاغ من المحكمة العليا وفتحت له قاعة الإمام علي بالمحكمة العليا وأدار مؤتمراً صحفياً سلم خلاله البلاغ للهيئة القضائية التي قبلت هذا الانتهاك السياسي الصارخ، مشيراً إلى أنه وبعد ذلك قامت رئيسة القضاء بتكوين محكمة سياسية التي من صفاتها تكوينها بواسطة الخصم لتنحية خصومه السياسيين من المسرح السياسي، وأعتبر ذلك شرطاً للتخصيص ينطبق على هذه المحاكمة وتفصل فيها القاضي على المتهمين -لاسيما وأن رئيسة القضاء قد قامت بتفصيل 3 قضاة على المتهمين بحد قوله، مشيراً إلى أن هذه المحاكمة بها تجاوزان أولها أنها محكمة كبرى تم إلغاؤها في قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م قبل ثلاثين عاماً والتي كانت في قانون العقوبات لسنة 1983م، إضافة إلى أن تجاوز المحكمة يتمثل في أنها محكمة خاصة خالفت نص المادة (52) من الوثيقة الدستورية لسنة 2019م التي تساوي بين المواطنين السودانيين أمام القضاء في سياق المحاكمة العادلة، وتجعل كل مواطن سوداني يحاكم أمام قاضيه الطبيعي في محكمة طبيعية مختصة، ووصف عبد الرازق قرار المحكمة تفصيلاً على المتهمين وأنهم في الدفاع لا يرجون خيراً من هذه المحكمة على الإطلاق بحد تعبيره .

وطالب المحامي أبوبكر عبدالرازق منسوبي المؤتمر الشعبي في وقفة احتجاجية أمام مقر مباني الأدلة الجنائية بالخرطوم، عقب خروجهم من جلسة محاكمة مدبري انقلاب (89)  بتغيير الأوضاع وفرض الأمر الواقع الذي يبدل رئيس القضاء والنائب العام والحكومة وحاضانتها السياسية بالبلاد، لأجل إرساء مبادئ العدالة والنزاهة والاستقامة والاستقلالية .

ووصف عبد الرازق قرار قاضي المحكمة برفض جميع طلباتهم في هيئات الدفاع المتعلقة بأمر تشكيل المحكمة وتنحي أحد أعضائها وتعليق جلساتها لجائحة كورونا، إضافة إلى موافقة المحكمة لطلب الاتهام باستبدال المتحري بآخر، تمثل فضيحة في جبين القضاء السوداني يقرر فيه القاضي النيابة العامة التي تمثل الاتهام، لها الحق في أن يكون لها رأي بعد إحالة البلاغ للمحاكمة ويدعي ادعاءً غير صحيح  لا ينص عليه شرع أو قانون أو فقه أو شروح أو سوابق القضاء .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى