بسبب البحث عن الذهب.. مُعدِّنون سُودانيون في قبضة الجيش المصري

 

الخرطوم– محجوب عثمان

مع تضاؤل فُرص العمل، وتوسّع الضائقة المعيشية خاصةً في الولاية الشمالية، يَمّمَ غالبية شبابها وَهَادَ الصحراء، علّهم يجدون في وديانها كثيرة اللمعان بعضاً من الذهب الذي يُمكن أن يُغيِّر مسيرة حياتهم للأفضل، وعادةً ما يمضي شباب قرية واحدة ضمن مجموعة “كَلة” تنطلق لتتقاسم شظف العيش وزمهرير الشتاء وبعض المُؤن الضئيلة، كما تتقاسم ما يجود به الله عليهم من رزقٍ.

مُهجِّرون

ولم يكن أبناء منطقتي أمري الجديدة والبركل استثناءً من هذا الواقع، غير أنّ ما يزيد وقعه على أبناء منطقة أمري، كونهم كان قد تمّ تهجيرهم من مناطقهم الأصلية إلى صحراء بيوضة لبناء سد مروي، فتعاظمت مشاكلهم بين مشروع لا يعمل كما يجب، وأرض لا تجُود بثمارها إلا بتكاليف زراعية عالية في الأسمدة وبقية المُدخلات.

اعتقال

أمس الأول وفي سعيهم للبحث عن الذهب عبر التعدين التقليدي، “سرح” كل من صديق بله سليمان والخير عوض الله سليمان وعبد الهادي الخير عوض بله وعلي نصر بله وعثمان فرح ومجاهد عوض الله خلف الله وعبد الغفار الماحي سيد احمد ومعهم (6) آخرين من رفاقهم من منطقة البركل، من خيمتهم في منطقة المثلث الحدودية وهم يحملون آمالاً عراض بأن يجدوا ما يحقق آمالهم وبعض طموحاتهم، لكن حظهم العاثر أوقعهم في قبضة الجيش المصري الذي قبض عليهم بدعوى تجاوزهم الحدود غير المرسومة في تلك المناطق، فوجدوا أنفسهم في لحظات مُعتقلين، مُحاطين بعسكر جيش مصر وهم لا حول لهم ولا قوة.

فرار

ربما لحُسن الحظ، إن القوات المصرية لم تلق القبض على كل المجموعة، إذ تم اعتقال الـ(13) فقط، بينما استطاع آخرون الفرار ليصلوا إلى خيمتهم في قلب الصحراء، ومن هناك انطلقت الهواتف التي تعمل بالأقمار الصناعية لتنقل خبر الاعتقال إلى ذويهم في القرية (4) أمري الجديدة بمحلية مروي.

المثلث

وتُعرف منطقة المثلث بأنها المنطقة الواقعة على الحدود مع ليبيا ومصر وتعتبر سوقاً تجارياً كبيراً، خاصّةً وأنّها تعتبر المعبر البري تجاه ليبيا، كما أن المنطقة أصبحت مأهولة تماماً بالسكان ومرتكزاً للمُعدِّنين في المنطقة الشمالية من الولاية الشمالية.

اجتماع

جاء بله سليمان والد أحد الشباب المعتقلين وعضو لجنة الخدمات والتغيير بالقرية (4) إلى اجتماع مُعلن للجنة، ليعلن للاجتماع إنّ القوات المصرية ألقت القبض على (13) سودانياً، ضمنهم (7) من شباب القرية، ومن هناك بدأت الاتصالات مع الجهات الرسمية، فكان أن تم الاتصال بالمدير التنفيذي لمحلية مروي، وكذلك مدير مكتب والي الولاية الشمالية، ومدير شرطة الولاية الشمالية، وطالبهم أهل المعتقلين بمتابعة أمرهم حتى يتمكنوا من الوصول لأهلهم آمنين.

تحرُّكات

وقال الأمين العام لتنسيقية لجان مقاومة محلية مروي حسن سليمان لـ(الصيحة)، إنهم أجروا العديد من الاتصالات، وظلوا متابعين للقضية، لافتاً الى أن لجنة أمن الولاية الشمالية أخذت الأمر مأخذ الجد، فكان أن قامت بدورها بتحرُّكات عاجلة لقيادات القوات النظامية في البلدين، أسفرت في النهاية عن إطلاق سراح المعتقلين، وقال: “أمس الجمعة وحوالي العاشرة صباحاً، تلقينا اتصالاً هاتفياً من الشباب الموجودين في منطقة المثلث، أخطرونا فيه بإطلاق سراح المعتقلين”، مبيناً أنهم ظلوا على تواصُلٍ حتى تأكدوا من وصولهم الى مكان إقامتهم في منطقة المثلث.

جهود رسمية

أكد مصدرٌ مطلعٌ تحدث لـ(الصيحة)، أن اتصالات تمّت بين القيادات الأمنية في الولاية الشمالية مع قيادة الجيش المصري بواسطة قنصل جمهورية مصر في حلفا، وبمتابعةٍ لصيقةٍ من حكومة الولاية الشمالية، وبمجهودات مقدرة وتعاون مع القوات النظامية، تم إطلاق سراح كل الشباب الذين وقعوا في قبضة الجيش المصري بالمثلث، مشيراً لتعاون كبير بين الولاية الشمالية والجهات المصرية في كل المناطق الحدودية خَاصّةً المعابر.

فرحة

وبمثل ما كان خبر اعتقال الشباب صدمة لذويهم في القرية الوادعة لكون أن عدداً من السودانيين الذين تم اعتقالهم في أوقات سابقة قضوا أوقاتاً طويلة في السجون المصرية، كانت الفرحة عارمة بنبأ إطلاق سراحهم، وأعربت أسر المعتقلين بمناطق أمري والبركل عن شكرها لوالي الشمالية والقوات النظامية والأجهزة الإعلامية لمجهوداتهم التي تكلّلت بالإفراج عن المُعتقلين.

مسؤولية

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يعتقل فيها الجيش المصري معدنين سودانيين، لكن ذلك لم يثنِ هؤلاء الشباب عن ضرب الصحراء والبحث عن الذهب، ما يؤكد أن التعدين الأهلي أصبح الآن مِهنَةً يلجأ إليها الشباب رغم مخاطرها، في ظل تضاؤل فرص العمل في المجالات الأخرى، الأمر الذي يضع على عاتق الحكومة مسؤولية توفير الحماية لهم، سواء برسم الحدود ووضع علامات ظاهرة عليها، فَضْلاً عن تدريب المُعدِّنين وتكثيف الجُرعات التوعوية لهم، حتى لا يقعوا في المُخالفة بتجاوز الحدود.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى