يحيى إبراهيم محمد أحمد يكتب: طريق أبو قوتة الذاكرين

ضرب من العشق لا درب من الحجر * هذا الذي طار بالواحات للجزرهكذا وصف الشاعر والأديب السعودي المرحوم غازي عبد الرحمن القصيبي، جسر الملك فهد الذي ربط السعودية بالبحرين.. وهو محق فيما قال، لأن الطرق والجسور ليست مجرد منشآت من الحجارة و(الزفت)، وإنما شرايين تضخ دماء الحياة في القرى الواقعة على جانبيها، بما تيسره من تواصل سهل. وتضخ أيضاً، بهذا التواصل، في قلوب قاطني هذه القرى – المضمخة أصلاً بعشق بعضهم بعضا ـ دماء تغذي هذا العشق، لأن لقاء الأحبة يوقد نار الحب، حتى بعد خمود، كما قال ابن أبي ربيعة:

وذو الشوق القديم وإن تعزى * مشوق حين يلقى العاشقين

أما الطريق المعني فهو قصير بحساب الكيلومترات (48 كلم تقريباً) لكن فوائده تجعله “يلحق الكعكول”، إذ يكفي أن نشير هنا فقط إلى أنه يربط ثلاث محليات في قلب مناطق الإنتاج وذات كثافة سكانية عالية جداً، وهي محليات الهدى وطابت وأبو قوتة. ويمر بأكثر من ثلاثين قرية، غير تلك التي تقع شرقه أو غربه. وسيكون جُزءاً من طريق المناقل أبو قوتة الخرطوم، مما يخفف الضغط على طريقي النيل الأبيض (الخرطوم – كوستي) والنيل الأزرق (الخرطوم – مدني) ويربط – بالتالي – جميع طرق الولاية الداخلية ويحولها لطرق دائرية.

هذا الطريق الحيوي يساعد في نقل المنتجات الزراعية من القرى إلى أماكن معالجتها (مطاحن – محالج – مصانع…) والبضائع من المدن وإليها، بتكلفة أقل وفي مدة أقصر. ولا تقتصر فوائده على المواطنين وحدهم، بل ستنال إدارة مشروع الجزيرة – أيضاً – من فيوض خيراته. فعلاوةً على ما ذكرنا من سهولة نقل المواد الخام من قمح وقطن وفول وغيرها إلى المطاحن والمحالج والمصانع، فإنه يسهل ويسرّع حركة عمال الري ومفتشي مشروع الجزيرة لأداء مهامهم.

وقد أحسن شاعرنا أزهري الحاج البشير حين ردّ على د. القصيبي بقوله:

إن كان يربطكم جسـر بإخـوتكـم  *  وليس هذا سوى صنع من الحجر

ففي (الجزيرة) في أرجائها عمرت * شتى الأواصر من قربى ومن أثر

وللحفاظ على هذه الأواصر في (جزيرتنا)، انبرى نفر كريم من أبناء المنطقة، على رأسهم السادة/ علاء الدين عبد الرؤوف (رئيس اللجنة) والصادق السني والباشمهندس خالد لتحويل حُلم هذا الطريق إلى واقع، فقاموا بالاتصال بالسلطات المسؤولة في الهدى ثم المناقل فمدني التي صدقت – مشكورة – على  المشروع وأبدت استعدادها لتوفير الآليات اللازمة التي تدعم هذا الجهد الشعبي المقدر. وكانت ذروة سنام جهودهم الاتصال بالسيد عبد الله إدريس الكنين، والي الجزيرة، الذي ثمن جهود أبناء المنطقة وأكد دعمه لها، بل قد أدرج الطريق في ميزانية 2021، فلم يحوجنا لتذلل أبي الطيب:

أبا المسك هل في الكأس فضل أناله  *  فإني أغنِّي منذ حين وتشربولا

وفي النفس حاجات وفيك فطانةٌ  *  سكوتي بيان عندها وخطابُ

كان كذلك للسيدة الفضلى عوضية صديق، حرم الوالي وممثلة المرأة في لجنة الطريق، والياقوت عبد الماجد والطيب محمد نور دور كبير في حملة تنفيذ الطريق، والشكر موصول للأخوين الكريمين الغزالي أحمد خوجلي، سكرتير السيد الوالي، والدكتور مضوي، مدير مكتبه، اللذين يسّرا الاتصالات الرسمية وظلا يتابعان عمل اللجنة وللأخ عثمان حسن حمودة. ونشكر، أولاً وأخيراً، أخانا عبد الله محمد سعد الذي نسق كل ما سبق ذكره من خطوات ولا يزال يتابع ويستنفر أهل المنطقة لتنفيذ هذا المشروع الحيوي.

نتمنى أن نسمع – قريباً – شاعراً من المنطقة يصف رحلته من المناقل إلى الخرطوم، ممتطياً ظهر فارهة، وهو يترنم بأسماء القرى التي مرّ بها، دون أن يخشى وحلاً سببته سحابة الحاردلو الممطرة:

قَدَمَتْ من هنا وبي أضانها سمعت كرّة

فـوق كارتوت شِخِيتِيراً تخـين خَــــــرّ

(كرّة: صوت الرعد. كارتوت: اسم جبل. شخيتير: القطعة من السحاب المُمطر)

السادة أبناء المنطقة، الكرة الآن في ملعبكم وقد نّفذ إخوة لكم كرام ضربة البداية.. فهيّا و(ما تَهَدّوا اللِعِب).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى