Site icon صحيفة الصيحة

والي شرق دارفور د. محمد عيسى عليو  لـ”الصيحة”

عليو

برميل الماء وصل إلى 1200 جنيه بسبب رفع الدعم عن المحروقات

أبناء دارفور يحتاجون لعدالة انتقالية.. وولايتنا مُحافِظة على أمنها

مارس المقبل سيشهد هبوط أول طائرة “بوينج” في مطار الضعين

حوار: جعفر باعو

قبل أيام قلائل، انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الأجهزة الإعلامية خبر استقالة والي شرق دارفور دكتور محمد عيسى عليو من منصبه بصورة مفاجئة، وبدأت المجالس تتحدث عن سبب الاستقالة خاصة مع وجود ندرة للدستوريين الذين يتنحون عن مناصبهم في هذا الزمان.

“الصيحة” اتصلت بالسيد الوالي لمعرفة أسباب  ودواعي الاستقالة، فوجدت رجلاً مهموماً بقضايا ولايته ويسعى لتوفير مقومات الحياة الكريمة لشبعها، فكان رده بأنه لم يستقل وإنما رفع مذكرة بها الكثير من احتياجات شرق دارفور الأساسية وليس الكمالية التى يجب توفيرها للمواطن، ولسان حاله يقول “إن لم ننجح في توفير أساسيات المواطن، فالرحيل أكرم لنا”.

في هذه المساحة استقطعنا جزءاً من وقت الوالي لنقف معه على أهم ما حوته المذكرة التي رفعها لمجلس الوزراء ومشاكل الولاية الخدمية والتنموية والحلول المتوقعه خلال الأيام القادمة في عهد حكومة الثورة، فلنتابع ماذا قال:

ــ بدءاً السيد الوالي، لماذا هذا التوقيت بالذات لرفع المذكرة وأنتم مكلفون منذ عدة شهور؟

أولاً يجب أن تعلموا أن ولاية شرق دارفور، ولاية مربوطة بالتخلف والظلم منذ أزمان بعيدة، وربما أسهم في هذا بُعدها عن مركز الحكم في الخرطوم، رغم أنها من الولايات الغنية جداً بمواردها وأهلها وموقعها الاستراتيجي، ولكن رغم ذلك ظُلمت في التاريخ ونخشىأان تُظلم في حاضر ومستقبل الثورة.

*قاطعته.. كيف ظلمت تاريخياً؟ نحتاج تفسيراً؟

التاريخ يقول، إن هذه الولاية شهدت هجوماً وإبادة شبه جماعية من الأتراك في العام 1874م، حيث هاجموا الضعين، وقتلوا شعبها، إلا أن دخل الزبير باشا ود رحمة الفاشر، وكذلك يعتبر رجال الولاية من الذين بكروا في اتباع المهدية، ووصف مادبو بأنه أول من رفع راية المهدي في دارفور، ولكنه أيضاً قتل بسيوف المهدية ومعه العديد من كبار وشيوخ دارفور.

وتوالت المظالم، حيث حرضوا أهل الولاية على الجنوب بعد الاستقلال، وعندما جاءت الإنقاذ كمّلت الناقصة، ولكم أن تعلموا أن شعب شرق دارفور شعب عظيم، ولكن مقدراته ضاعت سدى، والآن جاءت الثورة العظيمة، وكنا نرجو أن تكون لديها برامج لهذه الولاية وغيرها من ولايات السودان الطرفية التي تضررت في الأزمان السابقة حتى تنهض وتزدهر.

*ولكن ما علاقة المذكرة التي رُفعت بكل الذي ذكَرتَ؟

ربما لا تعلمون أن شرق دارفور تعتبر الولاية الوحيدة التي تنتج النفط منذ التسعينيات، وكذلك بها أجود انواع الفول السوداني إلى جانب الثروة الحيوانية الضخمة، وموقعها الاستراتيجي، حيث تجاور دولة جنوب السودان، وعلى الرغم من ذلك، يعاني أنسانها من شح الخدمات، وربما انعدامها في بعض الأحيان، ونخشى أن تُظلم في عهد الثورة كما ظُلمت من قبل، لذا المذكرة تحدثت عن هذه المظالم من صحة وتعليم وخدمات أخرى يحتاجها المواطن، ونحن نحمد الله كثيراً أن الولاية لا زالت محافظة على أمنها واستقرارها، ولكنها تعاني في مجال التعليم، حيث المدارس القشية والنقص في الكتاب المدرسي والإجلاس، وفي مجال الصحة يوجد نقص في كل شيء، ولكم أن تعلموا أن المحليات ليس بها كادر طبي، وإنما يعمل بها مساعدون طبيون، أما المياه ــ وهي عصب الحياة ــ فالمعاناة فيها تزداد بصورة كبيرةـ والمواطن أصبح لا يقوى على توفير عصب الحياة لكلفتها العالية.

*هل لنا أن توضح لنا حول الكلفة العالية لمياه الشرب؟

برميل المياه يُباع داخل الضعين عاصمة الولاية بستمائة جنيه وفي بعض المحليات البرميل بألف جنيه، وهناك محليات يُباع فيها برميل المياه بألف ومائتي جنيه، ولكم أن تصدقوا أو لا تصدقوا، ولكن هذا واقع هذه الولاية، أما المشكلة الثانية التي نعاني منها وهي الطرق، وتعتبر شرق دارفور الولاية الوحيدة التى لم يتم ربطها بطريق قومي رغم أن الطريق وصل من الخرطوم إلى الفولة.

*عفواً السيد الوالي، ولكن ما هي أسباب ارتفاع سعر المياه لهذه المبالغ؟

طبعاً السبب الأساسي هو رفع الدعم عن المحروقات، ويمكننا القول إن شرق دارفور تعتبر من أكثر ولايات السودان تضرُّراً من هذا القرار، لأن المياه فيها ترتبط ارتباطاً مباشراً بالجازولين لعدم وجود مصادر مياه أخرى، وعندما تم رفع سعر برميل الجازولين من عشرة آلاف جنيه إلى أربعين ألف جنيه ارتفع معه برميل المياه من عشرة إلى ثلاثين، ثم إلى ستمائة جنيه داخل مدينة الضعين، ووصل في بعض المحليات كما ذكرت لكم إلى ألف ومائتي جنيه، وحقيقة إن كان الحكومة المركزية شاورت الولايات في هذا الأمر كان الأمر سيكون مختلفا كثيراً.

*كيف سيختلف؟

سيكون لدينا خيارات، منها استخدام الطاقة الشمسية، ونحن على قناعة تامة بأنها البديل الناجع للوقود في ولايتنا، فالولاية بها تقريباً ثلاثمائة خمسة وسبعون دونكياً  حكومياً وخمسة وسبعون قطاعاً خاصاً، وهذه الدوانكي تستهلك أطناناً من الجازولين، ولكن للأسف المركز لم يشاورنا في هذا الأمر لنجهز الحلول الضرورية.

*هل معنى هذا أنه لا يوجد تنسيق بينكم والمركز فيما يخص الخدمات وغيرها في الولاية؟

يوجد تنسيق ولكن ليس بالقدر الكافي، وقد تختلف الأولويات في التقديرات بين المركز والولاية، فنحن في الضعين نرى ما هو أهم للمواطن خاصة فيما يتعلق بالخدمات والتنمية المستدامة، ولكن الأمر يعتبر قديماً أي قبل مجيء الثورة، حيث كان النظام السابق يتعامل مع ملف الخدمات بميزان أبناء السيدة وأبناء الأمة، فالأولى تأتيهم الخدمات في مكانهم دون عناء والآخرون ليس لديهم تنمية ولا خدمات، فنجد مناطق ربما لا توجد فيها عربة كارو، ولكن لديهم طرق معبدة  وولايات أخرى بها الإنتاج وليس لديها حتى ردمية ترابية وليس طريقاً معبداً ومدناً بها مطارات دولية غير مستخدمة ونحن لدينا طائرة واحدة تأتي من الخرطوم في الأسبوع وتكلفتها عالية، ومع ذلك مزدحمة، مما جعل المواطن يفكر في الهجرة ونحن نسعى إلى عدم حدوث ذلك، لذا كانت المذكرة التي تم رفعها لمجلس الوزراء.

*ولكن أكرر لماذا هذا التوقيت بالذات الذي يتم فيه رفع المذكرة؟

بدءاً المشاكل موجودة من بدري، وكانت مرفوعة، وكل فترة كنت أتابع سيرها في الخرطوم، ولكن ما حدث من الشركة التركية مؤخرًا كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.

*كيف ذلك، ممكن تفسّر؟

الشركة التركية للكهرباء، هي السبب في تفجّر هذه المذكرة مجدداً، حيث لهذه الشركة ماكينات في ست ولايات منذ عهد الحكومة السابقة، ولم تُسدّد أمواله،ا وظلت مُرحَّلة حتى اليوم ولم تُدفَع، وأصبح هذا الديْن سيفاً مُصلتاً على هذه الولايات فهذه هي المرة الثالثة التي يتم فيها قطع الكهرباء، ومن قبل كان خيارنا صيانة الماكينات التشيكية الموجودة إلى جانب تشغيل الطاقة الشمسية ولكن هذين الأمرين يحتاجان إلى مساعدات وتدخل من المركز.

*ألم توضحوا للمركز هذه الحلول؟

فعلنا ذلك، وكان هناك اتفاق أنه يتم فتح اعتماد منذ شهر أكتوبر الماضي، ولكن هذا لم يحدث حتى توقيت رفع المذكرة ولم يفتح الاعتماد، وقد تكون الولايات الأخرى متضررة، ولكن يوجد لديها بدائل، أما شرق دارفور فليست لها بدائل أخرى، لأن كل شيء مرتبط بالكهرباء، والمذكرة حوت كل هذه المشاكل حتى تجد العلاج الناجع.

*وماذا حوت المذكرة أيضاً؟

كل المشاكل التي نعاني منها في الولاية تم رفعها في المذكرة ومنها الطريق القومي الذي يربط النهود بالضعين ثم نيالا، فنحن لا نتحدث عن طريق يخدم شرق دارفور وحدها، وإنما فوائده لكل أهل السودان، وكذلك المطار، فهو سيشكل معبراً لصادرات الولاية مما ينعش الاقتصاد القومي، ويعني أن السودان هو المستفيد الأول منه، وليس إنسان شرق دارفور وحده، وكذلك الكهرباء التي تعتبر من العوامل الأساسية لجذب المستثمرين.

*هل هناك نسبة تعود للولاية من حقول النفط الموجودة على أراضيها؟

قيل إن هناك نسبة 2%، ولكن لم نرها ولا نعرف عنها شيئاً لأننا لا نعلم حقيقة الإنتاج في حقول النفط.

*هل تم تسليم المذكرة للسيد رئيس الوزراء؟

لا، باعتباره كان خارج البلاد، ولكن تم عرضها على المجلس وتسلمها مستشاره الشيخ الخضر ووزير الدولة بالمجلس عمر مانيس، وتمت مناقشتها بحضور عدد من الوزراء المعنيين بأمرها، وتم عقد عدة جلسات، ووصلنا إلى ضرورة إيجاد حلول عاجلة وناجعة للمشاكل المطروحة فيها.

*هل هناك سقف زمني لبداية هذه الحلول؟

نعم، خلال يومين ستكون البداية بالمطار، ومتوقع في شهر مارس أن نستقبل أول طائرة بوينج فيه، ثم سيكون العمل أيضًا في الطريق، فالحل الآجل هو طريق النهود ــ الضعين ــ نيالا باعتبار أن هذا الطريق يحتاج إلى تمويل خارجي، أما الحل العاجل سيكون بعمل ردمية من قرية جاد السيد وهي بالقرب من آخر حقل نفط  في شارف وأبوسفيان، وهي تقريبًا مسافة لا تتجاوز الستين كيلو متراً للضعين، وسنستهدف ردمية من الضعين إلى أبوكارنكا ومنها لجاد السيد إن شاء الله.

*كيف هي الأوضاع الأمنية في الولاية، وهل يمكننا القول إن الصراع القبلي انتهى دون رجعة؟

يمكن أن  واحداً من الأسباب التي تم بها اختياري لهذا التكليف هو أنني رجل مجتمع مدني وإدارة أهلية، وأعتقد أن القيادات القبلية التي طرحت اسمي كواحد من المرشحين لهذا التكليف  باعتباري من الإدارة الأهلية، وبحمد الله وُفّقنا في بداية استلامي للمنصب بالجلوس مع الشرائح، وبناء عليه اتفقنا على تناسي كل ما حدث طيلة الفترة الماضية واعتباره صفحة سوداء تم طيها، على أن نفتح صفحة بيضاء جديدة، وقلت لهم إن الذين رحلوا نتيجة هذه الأحداث بينهم الظالم ومكانه النار وفيهم المظلوم ومكانه الجنة إن شاء الله، ولكن الأحياء لابد أن يعيشوا بسلام وأمان دون صراعات، ونحمد الله أنه طيلة الفترة الماضية لم تشهد الولاية أي أحداث، ولم يُصب أي شخص أو طفل وكل ذلك تم بتضافر اللجنة الأمنية والإدارة الأهلية.

*كيف ينظر السيد الوالي للأزمات المتلاحقة للاقتصاد القومي وكيفية الخروج منها؟

في بدايات تكليفي بهذا المنصب جلستُ إلى رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك مرتين، في الأولى كانت رسالته لي هي المحافظة على النسيج الاجتماعي في الولاية، وخلاصتها المشاكل القبلية في دارفور وحلها جذرياً، أما اللقاء الآخر فكان حول تجرية هيئة جمع الصف الوطني، وقلت له إن السودان يحتاج لتجربة مشابهة لهذه التجرية، ونحن كسودانيين محتاجون أن نوحد صفوفنا قبل التوجه للخارج، وانفعل جداً بالتجربة، وذكر لي ما حدث من الأزهري في الخمسينيات وفي أكتوبر، وكذلك أقول لكم إن الحل الأول للسودان قبل الانفتاح الدولي عبر علاقته هو توحدنا كسودانيينـ فعندما يحدث هذا سينظر لنا الآخر نظرة أخرى، وكذلك نحن محتاجون أن لا نقصي أحداً حتى ننجح في العبور باقتصادنا إلى بر الأمان،

ولكم أن تضعوا ما يحدث في ولاية غرب دارفور نصب أعينكم الآن، وأقول بصراحة إن أبناء دارفور يحتاجون لعدالة انتقالية ما عندها علاقة بالاتفاقيات التى وُقِّعت، وإنما جل مشاكل الإقليم متعلقة بالقتل والنهب الذي كان يحدث في دارفور، وهذا هو الحل الوحيد والموجود في غرب دارفور موجود في بقية ولايات دارفور، وأنا من هنا أدعو أبناء دارفور لمعالجة مشكلة غرب دارفور من خلال اجتماعهم وتصالحهم مع بعض، ومنها تكون المعالجة الأكبر لنا كسودانيين لننسى المرارات والأحقاد والإقصاء، ونريد أن نوقف دوامة هذه المرارات التى بدأت قبل الإنقاذ وزادت في حكم الإنقاذ، والآن الملاحظ أن ما يحدث في هذه الحكومة هو أشبه بما حدث في فترة الإنقاذ ويجب أن نفوق من هذه المشكلة حتى ننهي هذه المرارات.

*كيف هي علاقتكم مع مكونات الولاية المختلفة؟

ربما لا تعلمون أن إعلان قوى الحرية والتغيير بالولاية لم يكن يضعني ضمن المرشحين لهذا التكليف، وهذا سبب بعض الإشكاليات في بدايات عملي بالولاية، ولكن بعد توضيح الأمر من المجلس المركزي بالخرطوم سبب اختياري لهذا التكليف جلسنا مع بعض ونجحنا في التوافق باعتبار أنني لم آت برؤية حزبية أو قبلية، وأنما أستصحب معي كل مكونات المجتمع لقيادة الولاية إلى المقدمة، وخلال الفترة الماضية واجهتنا بعض العقبات من لجان المقاومة في بعض المناطق التي تم تعطيل التحصيل فيها من خلال الاعتصامات، ولكننا لم نلجأ إلى الشرطة لإيجاد معالجات بل صبرنا واستخدمنا الحكمة حتى نعبر إلى بر الأمان.

*ولكن هناك صوت لوم للسيد الوالي أنه لم يقف مع الفرق التي كانت تمثل الولاية في المنافسات القومية؟

ضحك قليلاً ثم قال، أنا بطبعي إنسان رياضي، ولكن ليس لدي فريق مفضل، وإنما أحب اللعبة الحلوة، وخلال الفترة الماضية مرت الولاية بظروف صعبة جداً ولم تكن هناك ميزانية مقدرة لتقديم الدعم الكافي لهذه الفرق، ولكننا دعمنا فريقي “سبدو” الضعين و”الكوكب”، ووقفنا معهما، وفي المستقبل إن شاء الله نوفر الدعم المطلوب لكل الفرق التي تمثل الولاية، ففي تلك الفترة لو كنا دعمناهم بأكثر مما أعطيناهم كنا سنجد من ينتقدنا باعتبار أن هناك أولويات للمواطن أكثر أهمية مثل الصحة والتعليم وغيرهما.

 

Exit mobile version