القطاع الزراعي.. من قاطرة الاقتصاد إلى أدنى الاهتمامات

 

1.2% نصيب الزراعة في موازنة 2021

زيادة تعرفة الكهرباء والضرائب تثير مخاوف المزارعين

الغرفة الزراعية تتهم الحكومة بتجاهُل القطاع

الخرطوم: جمعة عبد الله

يعاني القطاع الزراعي عدة إشكالات متشابكة ومعقدة أسهمت في تراجع مساهمته في الاقتصاد القومي لأدنى مستوى منذ عقود، بسبب سياسات حكومية قعدت بالقطاع لحد تضاءلت فيه مساهمة الزراعة في الاقتصاد القومي، مع محاولات شكلية لإصلاح الوضع دون جدوى بسبب افتقارها للجدية والعلمية. ويشرح أصحاب المصلحة ومسؤولون أسباب هذه المشكلات مع مقترحات الحل، ورغم حدوث تغيير مؤثر في المشهد السياسي وما تبعه من تغييرات جذرية في السلطة الحاكمة، إلا أن واقع القطاع الزراعي ما يزال بعيدًا عن إحياء الآمال مجدداً بجعل السودان “سلة غذاء العالم”.

اقتصاد زراعي

قبل استعراض المقومات الزراعية المتاحة تجدر الإشارة إلى أن موازنة أول حكومة وطنية عقب الاستقلال في 1957م اعتمدت كلياً على “محصول القطن” كمورد، وأوفت إيرادات صادر القطن بكل بنود الموازنة، بل حقتت فائضاً من الإيرادات تم تحويله للموازنة التالية.

الثابت أن الاقتصاد السوداني كانت بدايته في أولى سنوات الاستقلال يعتمد بالدرجة الأولى على الزراعة والصادرات الزراعية خاصة القطن، أي أنه اقتصاد زراعي، وأثبت الزراعة كما تشير الوقائع وتحليلات الخبراء جدارتها في الارتقاء بالدولة الخارجة لتوها من حقبة استعمارية، واستمر اعتماد الموازنة المالية للدولة على محصول القطن كمحصول نقدي أساسي لجلب العملات الصعبة لفترة طويلة، حتى تراجعت مكانته رويداً رويداً مع مرور السنوات، وتراجع الاهتمام بالزراعة وبمحصول القطن بعد استخراج النفط في خواتيم عام 1999م، وبالتالي تراجعت مساحاته المزروعة وصادراته، وكنتيجة مباشرة لهذا التراجع، قلت عائدات القطن، حتى خرج في بعض المشاريع الزراعية من الدورة الزراعية، وبات بلا مساهمة تذكر في الاقتصاد القومي بعد أن كان متسيداً لها.

الزراعة تُمّول أول موازنة

تاريخياً، اعتمدت أول موازنة بعد الاستقلال، وهي موازنة العام 1955/ 1956م، التي قدمها أول وزير مالية سوداني بعد الاستقلال المرحوم “حماد توفيق حماد” على محصول القطن كمورد رئيسي للموازنة، وجاءت تلك الموازنة التي قدمها وزير المالية حينها، كأول موازنة بالعملة المحلية “الجنيه”، وشكلت فيها الزراعة العمود الفقري لاقتصاد البلاد وبالتحديد القطن، وهو المحصول النقدي الرئيسي، وكان هو المحصول الذي شكل العامل الأساسي في إنجاح الموازنة والخروج بالعام المالي للحكومة إلى بر الأمان، حيث تشير الوقائع لعدم حدوث أي إشكاليات في تسيير دولاب الدولة وإنشاء المشروعات الخدمية، وباستصحاب العامل الأساسي في الموازنتين، موازنة أول حكومة وطنية، وموازنة الأعوام الثلاثة الأخيرة كمثال، نجد أن موازنة أول حكومة وطنية تركزت على إيرادات محصول القطن وحده، فيما تركزت موازنات الأعوام الثلاثة الأخيرة على الإيرادات الضريبية بنسبة أدناها “74%”، ويفهم من ذلك ضمناً أن جميع القطاعات الإنتاجية الحالية مثل الزراعة والصناعة، مضافاً إليها بقية الإيرادات النفطية وإيرادات المعادن وتحويلات المغتربين والمنح والقروض الخارجية، هذه جميعها لا تساوي نسبة “26%” من الموازنة.

واقع بائس

وفي الوقت الحالي، لا تشكل مساهمة القطاع الزراعي رقماً يذكر في الاقتصاد القومي، على الرغم من ثراء وتنوع المقومات الزراعية، حيث يتوفر القطاع الزراعي في السودان على مائتي مليون فدان صالحة للزراعة، 80% منها أرض بكر لم تستغل، فيما لا يتجاوز حجم المستغل منها فعليًا 20 بالمائة. ويقول مختصون إن المقومات الزراعية المتوفرة بالسودان، “كافية لسد حاجة كل الأسواق العربية من المحاصيل والخضروات” شريطة استغلالها بشكل جيد، وهو ما سيمكن البلاد من تحقيق فوائد بقيمة 50 ملياراً سنوياً قيمة استيراد المنتجات الزراعية للدول العربية.

وبسبب ثراء الموارد الزراعية تنشط عدد من الدول العربية في الاستثمار الزراعي بالسودان، وأبرزها مشروع الراحجي بولايتي  شمال كردفان والولاية الشمالية، وحققت مشروعاته نحاجاً لا تخطئه العين حيث ينتج فدان القمح “36” جوالاً، يقابله 10- 15 جوالاً إنتاج المزارع المحلي الذي يعتمد على الزراعة التقليدية ويفتقر للتقانة الحديثة.

انتقادات حادة

وهاجم الأمين العام للجنة التسييرية باتحاد الغرف الزراعية دكتور مرتضى كمال خلف الله، سياسات السلطة التنفيذية تجاه القطاع الزراعي بزيادة أسعار مدخلي الإنتاج من الجازولين والكهرباء على القطاع، واستنكر زيادة أسعار الكهرباء على القطاع بنسبة  1000% واعتبر ذلك من أهم مهددات الزراعة والموسم الشتوي، جازماً بعدم تقدير واضح من السلطة التنفيذية للقطاع.

ووصف د. مرتضى تقديرات السلطات التنفيذية بفرض زيادات على مدخلات الإنتاج بالخاطئة باعتبارها توازن ما بين الطاقة للأغراض الاستهلاكية والتي تقدر بنحو 95% والطاقة للأغراض الزراعية التي لا تتعدى الـ 95%، وقال إن واقع السياسات تجاه القطاع الزراعي عكس ما يقال من الحكومة الثورة الانتقالية، واصفاً الهجمة الاستثمارية ببعض الولايات بأنها غير مدروسة، وقال إنها تحتاج لتخطيط بطريقة جادة والاستفادة من الموارد والإمكانيات بالولاية والتركيز على سلاسل القيمة المضافة، وطالب بإنشاء لجنة مشتركة بين الاتحاد والولاية للعمل المشترك لتشجيع الاستثمار.

بدوره، انتقد المهندس أحمد عبد الرحمن الدومة رئيس لجنة تسيير اتحاد غرف الزراعة والإنتاج الحيواني باتحاد أصحاب العمل ضعف نسبة المخصص القطاع الزراعي بموازنة الدولة للعام 2021، وكشف الدومة أن الموازنة خصصت نسبة 1.2٪ فقط للقطاع الزراعي، وأشار الدومة إلى أن أقل نسبة للقطاع تقدر بـ 15% من إجمالي الموازنة، ووصف ذلك الوضع بالإهمال، مؤكداً أن الدول التي تقدمت وازدهرت خصصت موازنات لا تقل عن 17% للزراعة مثل رواندا وتركيا، وأبان أن القطاع الخاص هو الشريك الأساسي للعملية الإنتاجية التي تمكن المواطنمن من الاستفادة من الطاقة المالية للقطاع.

مشكلات مستمرة

رغم ما تشير إليه التصريحات الحكومية من بث رسائل متفائلة بتحسن موقف الزراعة، إلا أن الواقع على الأرض ينبئ بعكس ذلك، فكثير من الإخفاقات البائنة لا يمكن إنكارها.

ففي ولاية ولاية القضارف “مركز ثقل الزراعة المطرية”، مُنِي محصول السمسم بفشل ذريع، وتدنت المساحات المزروعة بشكل كبير ما حدا ببعض المنتجين لوقف الصادر لعدم كفاية الإنتاج.

وبسبب تزايد مشكلات صغار المزارعين من سياسات الحكومة وقصور الأداء من الجهات المختصة، تواصلت العديد من الاحتجاجات آخرها إغلاق المزارعين للطريق القومي الخرطوم ــ سنار لعدم توفر الجازولين لأكثر من أسبوعين، أما في الولاية الشمالية، فلم يكن الحال أفضل، حيث كشفت لجان المقاومة بمحلية البرقيق عن خروج كافة المشاريع بالمحلية من خط الإنتاج إلا القليل منها بسبب معوقات تتعلق بالإدارة والبنية التحتية والمقومات الخدمية من كهرباء وشبكة صرف صحي وشبكة انترنت وغيرها من المشاكل.

أما أبرز العقبات الأخرى التي تواجه المشتغلين في الحقل الزراعي، فهي صعوبة الحصول على مدخلات الإنتاج والأسمدة والتقاوي والتمويل للتحضير، حيث يشيرون إلى أن الحكومة وأذرعها غير قادرة علة الوفاء بهذه الالتزامات على الوجه الأكمل، مما يدفع المزارعين للجوء لخيار التمويل عبر الاستدانة وهو تمويل به نسبة مخاطر عالية أخرجت كثيراً من المزارعين من دائرة الإنتاج، والقليل من المقتدرين يعتمدون على التمويل الذاتي وهو أيضا ذو تكلفة عالية لغلاء أسعار المدخلات.

ولا تقف مشكلات المزارعين عند هذه الحد، بل تواجههم العديد من العقبات في مختلف مراحل الإنتاج في الحصاد والتسويق والنقل والترحيل وكل مرحلة من هذه المراحل تتطلب تكاليف عالية، والمحصلة أن المحاصيل تصل للمستهلك بأسعار عالية.

الوقود

وفي خواتيم الأسبوع المنصرم، أعلن مدير مشروع الجزيرة د. عمر محمد مرزوق عن إرسال 500 جالون جازولين لمزارعي مشروع الجزيرة ضمن مساعي حل إشكالية توفير الجازولين مع شركة النيل، وقال مرزوق إن وزارة الطاقة التزمت بتوفير الجازولين لفترة أسبوعين بواقع 40 ألف جالون في اليوم، لافتاً لوجود مشكلة في الطاقة قبل أسبوعين تم بموجبها تحديد طلمبة واحدة لتوفير الجازولين، غير أن تلك المحطة لم تكن لديها محطات أخرى لتوفير الجازولين، ما أحدث خللاً، لافتاً إلى مطالبتهم بتحديد محطة أخرى، حيث وقع الاختيار على شركة النيل التي اتضح أن فيها مشكلة فرق السعر.

اختلالات

وترى الخبيرة الاقتصادية د. إيناس إبراهيم، أن الإشكال الأول في السياسات الإنتاجية يتمثل في ارتفاع تكلفة الإنتاج الزراعي وكثرة الرسوم والضرائب الحكومية، حيث تم مؤخراً فرض ضرائب بنسبة 2% على القطاع الزراعي كانت ملغاة في السابق قبل إعادتها مجدداً، أما بالنسبة للشق الثاني، وهو سياسات الصادر، وهي تبدأ بالفوضى التي يعانيها القطاع من وجود الأجانب الذين ينشطون في تصدير المنتجات السودانية مثل السمسم والحبوب الزيتية والصمغ العربي وغيرها، ورأت أن هؤلاء ينبغي إعمال القانون في مواجهتهم لأنه لا يعقل أن يتحكم أجانب في إنتاج البلاد من هذه المحاصيل الإستراتيجية، إضافة إلى ذلك، هنالك عقبات تواجه المصدرين في الموانئ من تأخير الشحن مما يدخلهم في التزامات مع الجهات المستوردة بسبب تأخر وصول البضاعة في الموعد المتفق عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى