Site icon صحيفة الصيحة

الصراع في “الفشقة”.. ميراث التنافُس السوداني ـ الأثيوبي..!

الفشقة- القضارف

 

الصراع على “الفشقة” سيُعيد الحرب لدارفور وجبال النوبة!

أبي أحمد مُجبر على قبول وساطة حمدوك والحدود الناعمة هي الحل

قبول أبي أحمد اقتراح السيسي جعله تحت مرمى الحصار الأمريكي

حاجة السودان لرفعه عن قائمة الإرهاب جيّرت موقفه لصالح مصر

الصراع بين إثيوبيا والسودان يعمّق الأزمة في المنطقة

مصر وأمريكا نجحتا في قلب دبلوماسية أبي أحمد المائية بمساعدة السودان

ترجمة: إنصاف العوض

حذّر الباحث الأمريكي المختص في شؤون السودان أليكس دي وول من أن تؤدي التوترات بين السودان وإثيوبيا إلى عودة الاحتراب في أقليمي دارفور وجبال النوبة، وقال أليكس في مقال تحليل نشره موقع “إيه بي سي” الأمريكي، إن أثيوبيا ستتخذ مع السودان سياسة زعزعة الاستقرار المُتبادَل، مشيراً إلى أنه وفي الثمانينيات، قامت إثيوبيا الشيوعية بتسليح المتمردين السودانيين، بينما ساعد السودان الجماعات المسلحة العرقية القومية، بما في ذلك الجبهة الشعبية لتحرير تيغري. وفي التسعينيات، دعم السودان الجماعات الإسلامية المتشددة، بينما دعمت إثيوبيا المعارضة السودانية.

تاريخ مُفخَّخ

وأضاف وول: في ظل الاشتباكات المسلحة والاضطرابات في أجزاء كثيرة من إثيوبيا، ما زالت اتفاقية السلام الأخيرة التي أبرمها السودان مع المتمردين في دارفور وجبال النوبة غير مكتملة مما يمكن كل دولة من العودة بسهولة إلى هذا النمط القديم من زعزعة الاستقرار المُتبادَل. وأرجع إليكس الصراع بين البلدين إلى تاريخ التنافس الطويل بينهما، وقال في مقال بعنوان “لماذا اختلف كل من  إثيوبيا والسودان على الشفقة”؟ قال:  البلدان بينهما تاريخ طويل من التنافس والاشتباكات المسلحة على طول الحدود، إلا أن الاشتباكات الأخيرة  بينهما هي أحدث تطور في تاريخ من التنافس المستمر منذ عقود بين البلدين، رغم أنه من النادر أن يقاتل الجيشان بعضهما البعض مباشرة على الأراضي.

نزاع إقليمي

والقضية العاجلة هي منطقة مُتنازَع عليها تُعرَف باسم “الفشقة”، حيث يلتقي شمال غرب منطقة أمهرة الإثيوبية بولاية القضارف في السودان.

وعلى الرغم من أن الحدود التقريبية بين البلدين معروفة جيدًا – يحب المسافرون أن يقولوا إن إثيوبيا تبدأ عندما تفسح السهول السودانية الطريق للجبال الأولى،  ونادرًا ما يتم ترسيم الحدود الدقيقة على الأرض. ووفقاً  لإليكس فإن الحدود في القرن الأفريقي مُتنازَع عليها بشدة. حيث خاضت إثيوبيا حربًا مع الصومال في عام 1977 على منطقة “أوجادين” المُتنازع عليها. وفي عام 1998، حاربت إريتريا على قطعة صغيرة من الأرض المُتنازَع عليها تُسمَّى “بادمي”. وقُتل قرابة 80 ألف جندي في تلك الحرب التي أدت إلى مرارة شديدة بين البلدين، خاصة وأن إثيوبيا رفضت الانسحاب من بلدة “بادمي” رغم أن محكمة العدل الدولية منحت معظم الأراضي لإريتريا. وأعادت القوات الإريترية احتلالها خلال القتال في “تيغراي” في نوفمبر 2020.

حدود ناعمة

وبعد حرب عام 1998، أحْيَت إثيوبيا والسودان محادثات طويلة نائمة لتسوية الموقع الدقيق لحدودهما التي يبلغ طولها 744 كيلومترًا ـ أى ما يعادل (462 ميلًا) ــ وكانت “الفشقة” أكثر المناطق التي يصعب حلها. وفقًا لمعاهدات الحقبة الاستعمارية لعامي 1902 و1907، تمتد الحدود الدولية إلى الشرق، وهذا يعني أن الأرض ملك للسودان – لكن الإثيوبيين استقروا في المنطقة، وكانوا يزرعون هناك ويدفعون ضرائبهم للسلطات الإثيوبية التي  أدانت الصفقة ووصفتها بصفتها صفقة سرية، وصلت المفاوضات بين الحكومتين إلى حل وسط في عام 2008. واعترفت إثيوبيا بالحدود القانونية، لكن السودان سمح للإثيوبيين بالاستمرار في العيش هناك دون عائق.

لقد كانت حالة كلاسيكية لـ “الحدود الناعمة” التي تمت إدارتها بطريقة لم تدع موقع “الحدود الصلبة” يُعطِّل سبل عيش الناس في المنطقة الحدودية؛ كان هناك تعايش لعقود حتى الآن، عندما طالبت إثيوبيا بخط سيادي نهائي.

إيقاظ الفتنة

وترأس الوفد الإثيوبي إلى المحادثات التي أدت إلى تسوية عام 2008 المسؤول الكبير في جبهة تحرير شعب “تيغراي”، أباي تسيهاي. وبعد الإطاحة بـ “التغراي”  من السلطة في إثيوبيا في عام 2018، أدان زعماء عرقية الأمهرة الصفقة ووصفوها بأنها صفقة سرية، وقالوا إنهم لم تتم استشارتهم بشكل صحيح. ولكل جانب في القضية روايته  الخاصة حول ما ومن  أشعل الاشتباك في “الشفقة”، إلا أن  ما حدث بعد ذلك ليس محل خلاف، فقد طرد الجيش السوداني الإثيوبيين وأجبر القرويين على الإخلاء. وتعهّد قادة الجيش السوداني بالتمسك بالمنطقة المُتنازَع عليها.

مفاتيح سياسية

وفي قمة إقليمية عُقدت في جيبوتي في 20 ديسمبر   الماضي،  أثار رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الأمر مع نظيره الإثيوبي أبي أحمد، واتفقا على التفاوض، لكن لكل منهما شروط مسبقة مختلفة، إثيوبيا تريد من السودانيين تعويض المجتمعات المتضررة والسودان يريد العودة إلى الوضع السابق. وبينما كان المندوبون يتحدثون، وقع اشتباك ثانٍ ألقى السودانيون باللوم فيه على القوات الإثيوبية، وكما هو الحال مع معظم النزاعات الحدودية، لدى كل طرف تحليل مختلف للتاريخ والقانون وكيفية تفسير المعاهدات القديمة. لكنها أيضًا أحد أعراض مشكلتين أكبر – تم فتح قفل كل منهما من خلال تغييرات سياسة السيد أبي.

مطالب عرقية

ووفقاً للمقال فإن الإثيوبيين الذين يسكنون الفشقة هم من عرقية “الأمهرة” – وهي دائرة اكتسحها السيد أبي بشكل متزايد بعربته السياسية بعد أن فقد دعمًا كبيرًا في مجموعته العرقية “أورومو”، وهي الأكبر في إثيوبيا. و”الأمهرة” هي ثاني أكبر مجموعة في إثيوبيا وحُكّامها التاريخيون. وبتشجيع من انتصارات الجيش الفيدرالي في الصراع ضد جبهة التحرير الشعبية لتحرير “تيغراي” على مدى الشهرين الماضيين، يطالب الأمهرة بمطالب إقليمية في “تيغراي”. وبعد انسحاب الجبهة الشعبية لتحرير “تيغري”، قامت ميليشيات أمهرة الإقليمية بملاحقتها ورفعوا أعلامهم ووضعوا لافتات على الطريق كُتب عليها “مرحبًا بكم في أمهرة”، وكان هذا في الأراضي التي تُطالب بها ولاية “أمهرة” لكنها خُصِّصت لـ”تيغراي” في التسعينيات عندما كانت الجبهة الشعبية لتحرير “تيغراي” في السلطة في إثيوبيا. ويتّبع صراع “الفشقة” نفس نمط المطالبة بالسيادة – باستثناء أنه لا يتعلق بالحدود الداخلية لإثيوبيا، بل بالحدود مع دولة مجاورة.

دبلوماسية مائية

ويرى إليكس أن الفشل في حلها سلمياً هو نتيجة غير مباشرة لانقلاب آخر في سياسة السيد أبي في العلاقات الخارجية لإثيوبيا. فعلى مدار 60 عامًا، كان الهدف الاستراتيجي لإثيوبيا هو احتواء مصر، ولكن قبل عام، مدّ أبي يد الصداقة لمصر فكلا البلدين يعتبران نهر النيل مسألة وجودية. وتعتبر مصر سدود المنبع تهديدًا لحصتها من مياه النيل، التي تم إنشاؤها في معاهدات الحقبة الاستعمارية. ترى إثيوبيا في النهر مصدرًا أساسيًا للطاقة الكهرومائية اللازمة لتطوّرها الاقتصادي، ووصل الخلاف إلى ذروته بشأن بناء سد النهضة الإثيوبي الضخم، وكان حجر الأساس للدبلوماسية المائية لوزارة الخارجية الإثيوبية عبارة عن شبكة من التحالفات بين دول المنبع الأفريقية الأخرى. كان الهدف هو تحقيق اتفاق شامل مُتعدّد الدول حول تقاسُم مياه النيل. في هذا المنتدى، فاق عدد مصر، وكان السودان في المعسكر الأفريقي كونه  المستفيد من السد  الذي سيمكنه من  التحكم في الفيضانات، وزيادة  الري، وتوفّر الكهرباء الرخيصة، بينما أرادت مصر محادثات ثنائية مباشرة بهدف الحفاظ على حقها الاستعماري في غالبية مياه النيل.

حصار ثلاثي

وفي (أكتوبر) 2019، سافر أبي إلى القمة الروسية الأفريقية في “سوتشي”. وعلى هامش  القمة  التقى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وفي اجتماع أحادي دون حضور مسؤولين بوزارة الخارجية، قلب أبي استراتيجية إثيوبيا بشأن مياه النيل، وافق على اقتراح السيسي بأن تتوسط وزارة الخزانة الأمريكية في النزاع بشأن السد، واتجهت الولايات المتحدة نحو مصر، وعليه إذا كان الزعيم الإثيوبي الشاب، الذي فاز للتو بجائزة “نوبل” للسلام لإنهاء التوتّرات مع إريتريا، يعتقد أنه يمكنه أيضًا تأمين صفقة مع مصر، فقد كان مُخطئاً إذ حدّث العكس وحاصر الشاب البالغ من العمر 44 عامًا نفسه.

إذ أصبح السودان ثالث دولة تمّت دعوتها للتفاوض في واشنطن العاصمة، وبسبب تعرُّضه للضغط الأمريكي بسبب حاجته الماسة إلى أمريكا لرفع العقوبات المالية التي كانت مفروضة عليه عندما تم تصنيفه على أنه دولة راعية للإرهاب، عام 1993 انحاز السودان إلى  الموقف المصري. وأثار نجوم البوب ​​الإثيوبيون الخلاف حول سد النيل، وانقلب الرأي العام الإثيوبي ضد المقترحات الأمريكية، واضطر السيد أبي لرفضها، وبعد ذلك علّقت الولايات المتحدة بعض المساعدات لإثيوبيا. وحذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أن مصر قد “تُفجِّر” السد، وأعلنت إثيوبيا منطقة حظر طيران فوق المنطقة التي يقع فيها السد.

وساطات دافئة

ووصلت العلاقات بين السودان وإثيوبيا إلى أدفأ  درجاتها عندما سافر السيد أبي إلى الخرطوم في يونيو 2019 لتشجيع المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية والجنرالات السودانيين على التوصّل إلى اتفاق بشأن حكومة مدنية بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير.

لقد كانت مبادرة مميزة لأبي، رفيعة المستوى وفردية بالكامل،  وكانت بحاجة إلى إضفاء الطابع الرسمي من خلال الهيئة الإقليمية (إيقاد) لإزالة  العبء الدبلوماسي الثقيل عن الآخرين، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي والدول العربية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة لتحقيق النتائج المطلوبة، وحاول رئيس الوزراء السوداني حمدوك رد الجميل من خلال عرض المساعدة في حل الصراع الإثيوبي في “تيغراي”، تم رفضه، في الآونة الأخيرة في قمة 20 ديسمبر، حيث أصر السيد أبي على أن الحكومة الإثيوبية ستتعامل مع شؤونها الداخلية من تلقاء نفسها. ومع استمرار تدفّق اللاجئين من “تيغراي” إلى السودان، حاملين معهم قصص الفظائع والجوع، قد يجد رئيس الوزراء الإثيوبي صعوبة أكبر في رفض الوساطة، كما أنه يخاطر بإشعال جولة جديدة من العداء عبر الحدود بين إثيوبيا والسودان، مما يُعمِّق الأزمة في المنطقة.

Exit mobile version