عبد الحفيظ مريود يكتب :كتابة

عبارة الأمريكىّ، صمويل كولت، الذي اخترع المسدس “الآن يتساوى الشجاعُ والجبان”، تلخيصٌ دقيقٌ لامّحاء الفوارق بسبب مساعدات التقنية. كان صمويل كولت مهووساً بالمتفجّرات، حتّى أنّه طُرِدَ من المدرسة بسبب ذلك. تقف مؤشّرات تفوّق الجيوش على ما يملكُه جيشٌ ما، من قدرات جويّة، بحريّة، بريّة، ومقاتلين بالآلاف، مثلاً. قد تُحدِثُ مسائل عديدة أخرى فوارق، لكن – حتماً – ليس من بينها شجاعةُ الأفراد المقاتلين. وذلك لأنّ عبارة كولت كانت قد لخّصتِ الأمر. ومن بين الجيوش المائة الأقوى فى العالم، يتمّ تصنيف بضعة جيوش افريقيّة. على الرّغم من أنّ الأفارقة يفتأون يمجدّون شجاعتهم العرقيّة. كثيرٌ من شعوب الأرض تدّعي ذلك، بالتأكيد.

لكنّ مخترع الفيسبوك، وجملة وسائل التواصل الاجتماعىّ، ومنصّات الكتابة، لم يعيدوا إنتاج جملة الأمريكىّ صمويل كولت. ربّما لأنّها دخلتْ فى حكم القانون. المنصّات هذه، جعلتِ الأعمى والبصير سيّان. لن يحجزك شيء عن الكتابة طالما تملك حاسوباً، أو هاتفاً ذكيّاً، وتعرف بعض الأبجدية. ليس ثمّة من رقيبٍ أو مدّعى معرفةٍ يمكنه أنْ يحكم بضعف موهبة أىّ شخص، أو سوقه للغثاء وجعله يمشى بين النّاس. ومن الواضح أنّ نظاماً جديداً سيطرأ على العالم بسبب ذلك. نظام التلاطم في ظلمات الكتابة المجانية والمعلومات وادعاء المعرفة. الآثار واضحة في مستوى إدراك النّاس وتفاعلهم. قدرتهم على تقبّل وتصديق ما يكتبه أو ينقله العالم الغاصّ بالكتابة والكاتبين. للدرجة التي تجعلُ من الموضة القديمة – أمثالنا – غارقين في حيرتهم ودهشتهم. كيف يجرؤ شخص ما، عاقل ومسؤول، على نشر مثل هذا؟ ليصبح أمامك خيارٌ وحيد: أنْ تغادر ما تطالع فوراً، من صفحات هذا العالم الإفتراضي.

كنتُ أترصّدُ ردود فعل الشباب وتفاعلهم بمسألة تقدّم الجيش السّودانىّ ليقف على حدوده ويستردّ أراضيَه من الجارة أثيوبيا. أغلب المعلّقين والكاتبين يتبنون وجهات نظر خطرة. تصبُّ في مجملها فى كون هذه الحرب – إنْ صحّت تسميتها – إنّما هي حربٌ بالوكالة، نيابة عن النظام المصرىّ، أو في أحسن أحوالها، هي حربٌ “يحاول” بها الجيش أنْ يعيد ما فقده من تعاطفٍ عقب تشكيل واستتباب الأمر للحكومة المدنية التي جاءتْ في أعقاب ثورة ديسمبر.

لكنّ الأمر تعدّى فئاتِ الشباب حين لاحظتُ وناقشتُ آخرين تخطّوا زهرة الشباب وطيشه وعدم قدرته على التفكير العميق، ونقص معلوماته. فقد بدا كما لو أنّك – لتكون موجوداً ومقروءً في وسط دوائر محدّدة – أنْ تتلقّف ما تخرجه عبقريات الكتبة الجدد والمفكّرين الجدد الغارقين في غوغائيتهم. أنْ تجاريَهم ليرضوا عنك، حتّى ولو كان ذلك عين الخطل.

في إحصاءات دقيقة ودولية، دأب على نشرها منظّمات معتبرة، يحتلُّ السّودان مرتبةً “محترمة” في قائمة الدول الأكثر أميّةً. مما لا شكّ فيه أنّ الحقبة الإنقاذية فاقمتْ ذلك، بسبب المعالجات الأمنية والعسكرية لقضايا وسائل حلّها ليست الحرب. ازدهرتِ سوقُ الحرب في عهد الإنقاذ على نطاق واسع، وهو أمرٌ سينعكس سلباً على التنمية ومنها – بالأساس – التعليم. ذلك فضلاً عن منهجها في التعليم الذي لا يكادُ يسدُّ الرّمق. وظلّ يخرّج على مدى سنواتٍ أنصاف أمّيين. وحين تضع كل ذلك على صفحتك، حائطك، أو تجد ناشراً تنويريّاً الكترونيّاً، فإنّ مسدس كولت يكون قد حسم الفوارق. تصبح عالماً، عارفاً، مفكّراً وكاتباً بلا حاجةٍ منك لأىّ جهد. اعتقد أن الجميع قد اشترى مسدسات، ههنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى