الوجبة المدرسية.. تحدّي التمويل والخبز

 

الخرطوم: رشا التوم – جمعة عبد الله

المالية: ليس هناك قرار واضح بدعم الوجبة المدرسية

مُحلل اقتصادي: صناعة  الوجبة وتوفيرها وتوزيعها تحدٍّ كبير

 

يبدو الموقف غامضاً وغير واضح المعالم بشأن مدى التزام وزارة المالية بالوعود التي قطعتها على نفسها بتوفير  تكاليف الوجبة المدرسية لطلاب مرحلة الأساس، مع تنامي التحذيرات من خطورة الاستمرار في الدراسة وفقاً لجائحة كورونا وارتفاع المخاطر الصحية المترتبة على ذلك في ظل عدم توفير كمامات ومعقمات بالمجان للطلاب والطالبات.

وغالبا ما تصطدم الوزارات الموعودة من قبل وزارة المالية خاصة  التربية والتعليم والصحة بمعضلة عدم توفر  التمويل، مما يجعل الغموض سيد الموقف بخصوص الوجبة والوقاية من الكورونا.

سياسات فوقية

وقال مصدر مسؤول بوزارة المالية  ــ فضل حجب اسمه لـ(الصيحة) ــ إن سياسات الدولة هي المعوق الأساسي لعمل وزارة المالية وتحجم من صلاحياتها المطلقة، وعلل تراجع أداء الوزارة الى  سحب صلاحياتها وإسنادها الي لجان تابعة لمجلس الوزراء، منوهاً إلى أن الفنيين والمختصين والإدارات الداخلية أصبحت دون مهام واضحة، وفي موقف المتفرج   ووصف المطلوبات بأنها تفوق مقدرة الوزارة،  وزاد بأن المنوط بهم حل الإشكالات داخل الوزارة لا يستطيعون فعل شيء، مشيرًا إلى أن موجهات موازنة العام 2021م  تم إعادتها إلى مجلس الوزراء ولم تُجز حتى الآن، وقطع بأن السياسات أصبحت فوقية في تجاوز واضح للمالية وصلاحياتها  علاوة على عدم إنزال قرار واضح من وزير المالية فيما يتعلق بشأن  دعم الوجبة المدرسية، ولم تتلق الإدارات التنفيذية أي توجيهات في المسألة، مبيناً أن موضوع الوجبة يحتاج الى إعداد ميزانية كاملة .

 خوف وهواجس  

الخوف من عدم التزام المالية ووفائها بخصوص الوجبة المدرسية لم يأت من فراغ، والوزارة لها عدة مواقف سابقة  في عدم الوفاء بما وعدت  به، والحديث عن  فشل وزارة المالية في تقلد مهامها الأساسية يعد خللاً يستدعي المعالجة الفورية.

وهي في الوقت نفسه مطالبة بالإسراع لإحداث تغيير حقيقي في الوزارة وإصلاح جذري، حيث تمثل وزارة المالية مركز الثقل في تشكيلة حمدوك، وسيكون أمامها مواجهة واقع صعب يتمثل في تراجع المالية العامة للدولة وتراجع الإنتاج المحلي في كافة القطاعات الاقتصادية مع عجز بائن في الميزان التجاري بما يقارب الـ 9 مليارات دولار، وهي ملزمة من خلال ولايتها على المال العام أن توفر التمويل المطلوب لكافة القطاعات الاقتصادية والوزارات والمؤسسات الحكومية التي تقع تحت مسئوليتها المباشرة.

 مواقف سابقة

وأبلغ مثال على عدم التزام المالية بتعهداتها عدم الاستمرار في تطبيق الزيادة الأخيرة التي طرأت على المرتبات والتي أقرها وزير المالية السابق د. إبراهيم البدوي، فما حدث  في أرض الواقع عكس التوقعات تماماً  فبدلاً عن الوفاء بإكمال فرحة الموظفين بمرتباتهم، جنحت وزيرة المالية والتخطيط الاقتصادي المكلفة د. هبة محمد علي، للتاكيد بأن  “مرتبها لا يكفي لنهاية الشهر”، وتساءلت عن كيفية وضع المواطن،  وقدمت الوزيرة اعتذاراً شخصياً للقوات المسلحة عن تأخير صرف مرتب أغسطس، باعتباره الاعتذار الأول للجيش واعتذاراً آخر  لوزارة التعليم العالي بالعجز عن سداد  المرتبات.

وهناك حادثى أخرى تظل شاهداً على عدم الالتزام من قبل الوزارة فيما يتعلق بشأن البرنامج الذي أعلنته وهو  الدعم النقدي المباشر للأسر  وتقديم 500 جنيه للفرد شهرياً أي ما يعادل 9 دولارات في ذلك الوقت، وسيجري تعديل المبلغ وفقاً للتضخم، ولكن نجد أن البرنامج توقف أيضاً  في فترة ما بعد جائحة كورونا  الأولى لأسباب  غير معلومة، وقد تم  تغيير المسؤول عن مشروع الدعم النقدي وتسليم المهام لشخص آخر.

معيقات في الطريق

ورغم التزام وزارة المالية بدعم الوجبة  المدرسية، إلا أن الشكوك  تتزايد حول مدى  قدرتها على الوفاء بالالتزام  لجهة مواجهة الحكومة  مصاعب اقتصادية لا حصر لها مع تدني نسبة الإيرادات بصورة كبيرة بسبب جائحة كورونا.

ويشكك المحلل الاقتصادي قاسم صديق في قدرة وزارة المالية  على الأمر، موضحاً  أن تكلفة الوجبة المدرسية لن تقل عن 60 جنيهاً للتلميذ الواحد  في أبسط الخيارات، وهو أمر صعب  لعدد كبير بقدر تلاميذ  مرحلة الأساس، لافتاً أن المشكلة ليست في التكلفة المحلية  بقدر ما تتمثل في بقية المطلوبات من توفير الوجبة والخبز والدقيق وكيفية صناعته  علاوة على عدم  تحديد آلية توفير وتوزيع الوجبة المدرسية  وهل ستتولاها الوزارة أم المدارس أم الولايات.

وقطع صديق بأن المعطيات تشير إلى صعوبة تطبيق الأمر بسبب العقبات الاقتصادية، لافتاً إلى أن الخبز بات عسير المنال حتى للمقتدرين، ومن يبتغون شراء الخبز التجاري لا يجدونه حتى بالوقوف في الصفوف وقريباً منه.

وقالت المحلل الاقتصادي  د. إيناس إبراهيم إن مشكلات العام  الدراسي لا تنحصر فقط في صعوبة إفطار التلاميذ بقدر ما تتمثل  في عقبات متشابكة  منها الكتاب المدرسي  والترحيل وعدم تهيئة البيئة المدرسية، وعدد من المدارس متضررة من فيضان وخريف العام  الحالي ما يجعل  مواصلة تلقي الدروس في المدارس المتضررة مهمة صعبة، ونوهت إلى أن التزام وزارة المالية بالوجبة يساعد في حل بعض العقبات وبطبيعة الحال ليس كلها.

مطالب واجبة التنفيذ

تظل الوجبة المدرسية للطلاب مثار جدل بين فرضية وفاء المالية بالأموال المخصصة لها أو السير في ذات الطريق القديم والتعلل بعدم توفر الأموال نسبة للظروف الاقتصادية الحرجة التي يشهدها الاقتصاد، وقد كانت ولا تزال المطالب الاقتصادية والمعيشية السبب الرئيس في بروز وتنامي الأصوات الاحتجاجية، كما كان الاقتصاد هو المتأثر الأكبر بالإخفاقات التي حدثت طوال الفترة الماضية، ووصلت الأزمة  الى حدود عجزت فيها الحكومة عن معالجة قضايا شح السلع وتوفير الخدمات.

وهي ذات المعضلات التي ما زالت  عصية على الحل من قبل وزارة المالية لأنها بكل وضوح غير قادرة على وضع حلول وهنالك تحديات كبيرة تواجه موازنة 2021م وهي نتيجة طبيعية لتبعات إرث ثقيل من الانتكاسات الاقتصادية لا تبدأ من افتقار البلاد لموارد حقيقية لتمويل هذه الموازنة ولا تنتهي بتدهور العملة الوطنية، ويبدو أن وزارة المالية تسير على ذات الخطى القديمة دون الوصول إلى مرفأ سلامة يضمن حياة معيشية كريمة للمواطن ويخرج البلاد من الضيق الاقتصادي والأوضاع المأزومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى