Site icon صحيفة الصيحة

المصالحة الشاملة.. تصفير عدّاد الانتقالية !

 

تقرير / نجدة بشارة 

في رسالة خالدة للزعيم الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا إلى ثوار العرب قال فيها: “لا زلتُ أذكر ذلك اليوم بوضوح، كان يوماً مشمساً من أيام “كيب تاون”، خرجت من السجن بعد أن سلخت بين جدرانه عشرة آلاف يوم.

خرجت إلى الدنيا بعدما ورِيتُ عنها سبعة وعشرين عاماً لأني حلمت أن أرى بلادي خالية من الظلم والقهر والاستبداد، ورغم أن اللحظة أمام سجن “فكتور فستر”  كانت كثيفة على المستوى الشخصي إذ سأرى وجوه أطفالي وأمهم بعد كل هذا الزمن. إلا أن السؤال الذي ملأ جوانحي حينها هو: كيف سنتعامل مع إرث الظلم لنقيم مكانه عدلاً؟

أكاد أحس أن هذا السؤال هو ما يقلقكم اليوم: لقد خرجتم لتوّكم من سجنكم الكبير؛ وهو سؤال قد تحُدّد الإجابة عليه طبيعة الاتجاه الذي ستنتهي إليه ثوراتكم. إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم. فالهدم فعل سلبي والبناء فعل إيجابي. أو على لغة أحد مفكريكم فإن إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل”.

تصفير العداد !

ورغم مرور السنوات والحقب، إلا أن رسالة مانديلا ما زالت تعطي درساً بليغاً لكل الأنظمة التي تحررت من  الدكتاتورية وتشرع في بناء دولة الديمقراطية .. وخير مثال وشاهد  الجبهة الثورية التي عادت للوطن بعد سنوات من النضال ضد النظام السابق، وباتت شريكاً أصيلا للفترة الانتقالية، اعتنقت  مبدأ مانديلا في التسامح  والعدالة الانتقالية؛ عبر  دعوتها  الى إذابة الخلافات  بدلاً من التشفي والانتقام وإلى تصفير العداد والانطلاق بحاضنة جديدة تستوعب كل الكيانات بالسودان..

لكن دعوة رئيس الحركة الشعبية مالك عقار، ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، أثارت تساؤلات المتابعين  حول إمكانية تطبيقها ومدى نجاحها في نبذ الإقصاء السياسي في السودان وتصفير العداد الانتقالي ؟

تباين وجدل 

بالمقابل تباينت ردود الفعل تجاه الدعوة  التي أطلقت، وأثارت جدلأ كثيفاً في منصات التواصل الاجتماعي  خاصة وأنها  شملت الإسلاميين من التيار المعتدل، بيد أن مجرد الحديث عن هذه المصالحة كفيلة بإثارة سخط ورفض قطاع كبير من الشعب والثوار  .

لكن مناوي وعقار حددا دواعي هذه  المصالحة عبر  الاستدلال بتجارب دول في هذا الخصوص.

وقال  مني في لقاء بالتلفزيون  إن استمرار المشاكسات خلال الفترة المقبلة ستؤدي إلى انهيار الدولة، لافتاً إلى ما حدث في العراق وليبيا عقب إسقاط النظامين، مؤكداً على ضرورة  التصالح مع المعتدلين من الإسلاميين، قائلاً: (يجب أن يُحاسب المُجرمون الذين ارتكبوا أخطاء وجرائم) .

من جهته شدد رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال مالك عقار، على تجاوز المرارات وضرورة إجراء المصالحات بين السودانيين، مؤكداً على إمكانية تجاوز آثار الحرب، ولا توجد صعوبة حيال ذلك، مشيراً إلى تجارب بعض الدول الأفريقية وغير الأفريقية كالهند والاستفادة منها.

العدالة أولاً 

وكان مني قد نفى أن تكون هناك  أي عداوة من الجبهة الثورية تجاه أحد أو حزب أو فصيل في هذا التوقيت، وهذا ما اعتبره مراقبون تبييضاً للنوايا وبداية لمشروع للمصالحة، لكن المحلل السياسي د. صلاح الدومة قلل (للصيحة) من الدعوة  واعتبرها مجرد حديث للاستهلاك السياسي، وربما هو طرح من قبل الجبهة الثورية للتمظهر  بأنهم إصلاحيون بإطلاقهم العفو العام، بينما أرى أن حق  العفو لا يملكونه لأن الدماء يملكها أولاياء الدم وليس غيرهم (العفوا لمن يملك)، ثم إذا نظرنا إلى صيغة الدعوة نجد أنها بلفظ العموم بقولهم العفو عن من لم يرتكب الجرائم وأن يعاقب مرتكبو الجرائم، وهذا ليس جديداً وإنما استناداً إلى القانون، أما فيما يتعلق بإمكانية إذابة الخلافات وتصفير العداد، وتكوين حاضنة سياسية شاملة، قال: لا أتوقع أن يحدث توافق سياسي كامل ما لم تُقَم العدالة أولاً ..

الحل في الوفاق 

من جانبه أيد القيادي بقوى الإصلاح الآن د. أسامة توفيق دعوة مني وعقار، وقال في حديثه (للصيحة)، إن حل أزمة السودان السياسية الراهنة هو الوفاق الشامل والمصالحة مع كل الكيانات السياسية، وأن تكون الحاضنة السياسية للفترة الانتقالية جامعة لا تقصي أحداً، وما عدا ذلك يظل الحديث والفعل (حرثاً في البحر ) ، وأردف بأن الحركات المسلحة اختبرت مرارات الحرب والإقصاء والشجعان لا يخشون التسامح من أجل اكتمال السلام، واردف: أرى أن الحاضنة السياسية التي بصدد تكوينها بين الجبهة الثورية، والحرية والتغيير بالإضافة للمكون العسكري فقط لن تحل المشكلة، لأنه حتى الجبهة الثورية تعتبر جزءاً من مكون (قحت).

 

Exit mobile version