Site icon صحيفة الصيحة

محمد إسماعيل آدم يكتب :  أضواء على إسلامنا المظلوم في أرضه وبين أهله وتابعيه:

بقلم

ما كان حديثًا يفترى إذا قلنا إن الدين والسلطان توأمان، بحسبان أن الدين أُسُّ والسلطان حارس.

وما لا أُس له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع. الإسلام كما تبدّت محاسنه في صياغة النفس الإنسانية وتشكيلها على نسق مقصود ومحمود، والدليل القاطع والبرهان الساطع لدى الأعراب قبل الإسلام الذين كانوا رُكاماً غامضًا، وعند دخولهم في دين الله أفواجًا تحول هذا الركام إلى كينونة فيها وسامة وقسامة، ولها معنى يستفاد منه، لأن الملكات الإنسانية عند الأعراب وقتئذٍ كانت فوضى فرتبها، وعقيمة فأثمرت، ومتضاربة فتعاونت، فصار الأعراب بالإسلام كتابًا يُقرأ ويُفيد ويُعجب ويُغري الآخرين بالاقتداء، لأنه يدرك أن الحياة مكتظة بالخطايا والأخطاء فوضع لها الإسلام نواجع الحلول.

السؤال المشروع إذًا، لماذا لم يصنع بنا الإسلام ما صنع بهم؟. هنا سنُلقي بحجتنا التي تلقف ما كانوا يأفكون هؤلاء المطبلون بالجواب الشافي وكافي والذي هو أن أمتنا التي تنتسب للإسلام اسماً وشكلًا وليس روحًا وجوهرًا تأبى عليه أن يقوم بعمله! واكتفينا بالانتماء فقط. رافع السماء بلا عمد في عليائة يا بني وطني لم يعط إنسانًا الحقيقة وحده مهما أُوتي من بسطة في العلم وسعة في الذكاء والقوة، لأن حياة البشر في كل العصور والأمكنة تتأثر بما يعتريها من جسيم الحوادث وعظيم الأمور التي تفوق طاقة الفرد، حتى المرسلين بالعناية الإلهية عليهم الصلاة والتسليم أمرهم بمشورة أنصارهم وحواريّهم ما لم يكن وحيًا منزلًا من السماء.

 

إلا أن الأمر الذي تقشعر منه جلود أُولي الألباب والذي لا يخفي على أحد أن الغزو الثقافي للعقل المسلم قد خلّف وراءه رصيدًا هائلًا من التشوهات الفكرية والعقدية والنفسية والسياسية بين المنتسبين للإسلام للقيام بتعطيل أو هدم سيادة الشريعة في علاقة الدين بالحياة، علمًا بأن الإسلام ليس دينًا مغلولًا في قيود المحراب أو حبيسًا في سجن الشعائر بالمسجد فقط، بل هو منهج حياة كامل الدسم.

نعم ما زال وسيظل التطلع إلى الرئاسة والتنازع على الإمارة آفة البشرية حديثاً وقديمًا، بيد أن العقل السياسي السوداني الثقيف وفهيم متهم حتى تثبت براءته من الفشل الذريع، وإلاّ لماذا أضحى الشعب السوداني أبيّ النفس أشبه بالغريق الذي يلتمس النجاة وهو يغالب الأمواج الطاغية من الغلاء الساحق، طلبًا لاستنشاق عبق الرخاء لكريم العيش، والذي أجزم أنه مطلب وسيم الوجه مقبول الطلعة، لولا سفساف الأمور من صراع الأيديولوجيات والمحاصصات ومنافع الذات من الإسلامين السابقين والماثلين أمام الأعين من العلمانيين الذين لوّثوا مُحيّا المطالب المعيشية بالأهواء الانتقامية والسلوكيات الانصرافية حتى أمست دميمة الخِلقة ثقيلة الظل في الأرض الودود وولود سلّة غذاء العالم التي تستجدي المعونة، وكأن لسان حالها يقول كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ.. والماء فوق ظهرها محمول.

من البديهات التي لا تقبل عواقر الجدل أن الاحتكام للعلمانية وحدها لن تحمل في أحشائها جينات النجاح الذاتي، ولن تكون الطلقة السحرية التي تفجر الأرض ينابيع من الخيرات ولن تنهمر السماء على أثرها بالبركات فاكهة وأبا متاعاً لكم ولأنعامكم دونما مناهج علمية وعملية لزيادة الانتاج والإنتاجية، ولن تكون بمفردها الترياق للفساد السياسي والتردي الاقتصادي، ما لم يكن مقصدكم منها الانهيار الهائل وكامل في بنيان الأخلاق، واستهانة مقبوحة بجملة الفضائل لهذا الشعب المجيد حتى يتعرّى من الأخلاق وتحيا أجيال المستقبل الآتية مكشوفة السوءة.

في الوقت الذي يتسربل فيه اليهود بعقيدتهم ويصرخون بحماس أنهم أبناء التوراة وأبناء الأنبياء قائلين بالصوت الجهير نحن بنو إسرائيل، وكذا النصارى تتطاول أعناقهم زهواً وخيلاء بنصرانيتهم، حتى مشاهيرهم في ميادين التباري يصلّون قبل ولوج الميادين وعند نشوة الفوز، نلحظ بقدر من الدهشة مطالبة بني علمان أن نتعرّى عن قيم ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وحقًا إنها لجريمة قتل عمد أن ننتمي للإسلام ثم لا نُحسن فهمه ولا غرضه ولا العمل به ولا الدفاع عنه. المرء لا يسعه إلاّ الحزن لمصائر قادة الفكر السياسي في بلادي والذين حال بينهم وبين نفع الجماهير في معاركها الحياتية من مأكل ومشربٍ وملبسٍ وتداوٍ حائل فأرادوا أن يطعنوهم في خاصرة عقيدتهم.

للذين يتطلعون لحكم السودان إني لكم ناصح أمين عليكم أن تحيوا بفكر مفتوح بعيد عن ظلام  التعصب وغواش العناد، وأن تأتوا البيوت من أبوابها، حتى إذا اصطفاك الشعب السوداني واجتباك في انتخابات حُرّه ونزيهة عندها اجلس على رؤوس الأشهاد عزيزًا مُكرماً حتى ينصرم أجل حُكمك، كذا علينا أن نراجع أفكارنا وننكر ذواتنا ونتخلى عن كبريائنا أمام الحقائق حتى لا نسوق الشعب السوداني الفخيم بالعصا كالسوام، لأن الديمقراطية بالميسور من تعريفاتها وشروحها التي لا تحتاج لجدل الألسن ومخاصمة العقول وكزازة الطبع وضيق الحظيرة هي حكم الأغلبية وكفى.

السؤال الذي أتعشم أن تأتيني إجابته على عجل وبشيء من العقلانية وليس الفهلوانية كيف لأمة جُلّها إسلامية تحكمها أقليّة بمناهج علمانية وعبر لغة البندقية، وما وجه الاختلاف بينكم والديكتاتورية الاستبدادية التى تزعمون أنكم توشحتم السلاح من أجلها؟. أم هي الازدواجية والانتهازية التي لا تقبل القسمة على اثنين؟.

وإلاّ كيف نفسّر بيت أبو الأسود الدؤلي القائل:

لا تنه عن خُلقٍ وتأتي بمثله..

عارُ عليك إذا فعلت عظيم.

محمد إسماعيل آدم- إمام وخطيب بمسجد أي في ستي بواشنطن

 

 

 

 

Exit mobile version