عثمان بشرى يكتب : (سوقني معاك يا ربيع)!!

 

طالت الشمس أم الغصن

الذى استظللته مالت به الريح؟

فأفضى سره الزمن المفرق

بيننا حظا فحظا..؟

التقينا بشكل صميم ونهائي، في منتصف العام 91 في تلك الأيام الكؤود اليابسة.. وعلى الرغم من كل ملامح الهدر والتيه والحاجة إلى كتف رؤوم وروح جزلة وقلب محب .. على الرغم من الجوع والمسغبة وتوهان الأنفس واضطراب الأفئدة.. كانت داركما العتيقة المعتقة برائحة النضال/ الجمال/ والغناء ، ملاذاً آمناً للعديد من الأرواح التائقة للحرية والانعتاق من ظلامات ذلك الزمان الشحيح المتشح بسنواتهم المظلمة وهم فى بدايات قهرهم لأي فعل جميل..

كانت داركما أنت وتوأم روحك الهادي الهدي الرضي. طوق نجاة للسويعات القليلة التي نقضيها معيتكما في التفكير العميق والجلي عن كيفية الخروج بفعل ما، عبر الغناء والشعر والمكابدة الجمالية.. كنت وعلى يفاعة تجربتي الشعرية وتمردها على ما أظن.. وقتها أتى إليها بمعية الجميل إبراهيم الماحي وجمال يوسف لنجد عندكما عاطف ومحمود عازف الإيقاع الفذ رحمة الله تغشاه والفنانون الجميلون طارق مختار ووليد مأمون ووليد يوسف والجميلة رفيقته الصامدة هناء، ومن ثم يتوافد العقد الميمون بقية الرواد النبلاء من عازفين ومغنين هشام كمال، زينب، أسامة الأسد، طارق أبوعبيدة وعبداللطيف ضرار، معتصم ساورا، وهكذا كنا نناديه. وعفواً لمن سهوت عنهم فهم كثر (حملة معول التغيير في الغناء) لحناً، كلمة، وأداء..

كان زماناً فارقاً ومغايراً وصميمي الفكرة..

وبدأت (ساورا الجسارة الغنائية تتخلق)..! في الخارج كان الظلاميون يتربصون بأي فعل يمس مقدسهم اللعين.. ومع ذلك كنتم عصبة محبة للحب والسلام والغناء والرفض لأي شكل من أشكال التركيع أو المساومة أو المتاجرة بمشروع ساورا العظيم..

(توما 1 وتوما 2)(مجنون يا نيل) (طفلة العصافير) (يوما ما) (لا زلنا في أول ساعات الليل) (الشجر قربني منك) (وردة ومنديل).

كان غناء ملائكياً، وريف، حريف وندي، بينما كان المسخ في الإذاعة والتلفزيون وكل المنصات الأخرى جنائزياً ومخرباً للوجدان والروح. وإذ كانت هذه هي البدايات فما بالها في منتصف التسعينيات.. وفي النصف الثاني منها.. وما بال عاشقيكم من السواد الأعظم لطلبة الجامعات والمعاهد والمستنيرين المستطيرين فرحاً بكم أينما صدحتم وكيفما غفل عنكم سدنة القبح والذين ما انفك رقيبهم يضع العراقيل والحوائط السخمة حتى لا ينفذ هذا الضوء البهيج عبر الكوى العديدة والتى ابتدعتم وابتدع محبوكم في فتحها..

لقد أردتم أن تقولوا بحنكة مدروسة بدقة، إن النص الذي تتناولونه (مفردة ولحناً وأداء) يحمل لمستمعيكم ومحبيكم. أخيلة جديدة ذات عمق جمالي ومعرفي يؤسس لثورة مغايرة في تناول قضايا الحب والثورة والجمال.. ويؤسس لمفاهيم اجتماعية تضع في أولوياتها حقوق المرأة والطفل وقضايا الإنسانية مجملاً..

لكنها دولة الجرذان المسمة، ما حلق طائركم إلا وهوى في أقفاص العتمة والتوقيف…

ومع كل هذا الخراب الذي شمل أي شيء لم يتوقف نبضكم ولا توقكم وشغفكم بالجمال ورديفه من غناء عذب ومحرض ومصادم ..

وظللت أنت يا ربيع دنيانا وتوأمك الهادي قابضين على زناد المقاومة والعطاء .. تتفرق ساورا الرعيل الأول أيدي سبأ، فتجمعهم روحاكما بالمحبة ومكافحة الإحباط في ثوب جديد كل مرة. وتبقيان أنتما على عهدكما..

فتعود ساورا بمن تبقى من الحادبين عليها، ومحلقة أرواح من اضطرتهم الظروف (مكرهاً أخاك لا بطل) محلقة في جوها المعافى دعماً معنوياً ونفسياً..

ويشرق فجر لاعبين جدد فى فضاء ساورا الرحب.

معاوية الوكيل.. ياسمين إبراهيم.. نهى محمد. ناهد. أسيل .ليميا الفاضل. مهند العريس. وآخرون.

وتلاحقكم مقصات الرقيب. ويهاجر هذا ويعتزل ذاك.. ولكنك مطلقاً أنت ورفيق روحك الهادي ما يئستما ولا انكسرتما.. لقد ظل حفركما مستمراً وروحكما مستبشرة بالفجر الذي وعد غناؤكم به.(ساورا)

إن هارموني عظيم جمعكما ..هو هارموني الاسم (ساورا) حتى إنك أطلقته على إحدى كريماتك وأظنها الأولى.. كيف لا، وزوجك العظيمة “أمية” كانت تدفع بروحك إلى ذلك..

فساورا لمن لا يعلم، هي شلالات خمسة تنبع من منطقة ساورا أعالي جبل مرة ولكل شلال ماؤه المميز على الرغم من منبعها المتقارب وتصب في شلال ساورا محدثة تناغماً إلهياً فريداً.

(سوقنى معاك يا ربيع)

هل هنالك مثابرة ونضال وجمال أكثر من كل هذا لثلاثين عاماً حسوما..؟؟

(سوقني معاك):

فمنذ ليلة ألبارحة ومن لحظة سماعي هذه الفاجعة أشعر أنني قد بترت، وأن جزءاً غالياً علي قد فقدت وإلى الأبد..

فمن للموسيقى والغناء الثر بعدك إن كان فى ساورا أو كورال الحزب الشيوعي..أو في غيرهما من المنصات الإذاعية والتلفزيوية او حتى في الدور الخاصة والإستديوهات… قل لي بربك يا ربيع.. هل كلامي هذا سيعزينا؟؟

هل سنجد سلوى وعزاء بعدك؟

وما مصيرنا ومصير ساورا والغناء الذي لحنته ووزعته ولم تنتجه بعد!؟

لا شيء عندي أقوله بعد أن اختارك ربك إلى جواره وهو وحده الذي يعلم سرك ولقد اصطفاك عنده وسيرحمك ويفيض عليك عطفاً وحناناً مثلما كنت تحنو وتعطف على روحنا المتعبة وآذاننا الشوهاء التي جلدتها بجزذيل وعذب صوتك ووعيك وجمالك.. لك الدعوات الطيبات بإقامة هانئة أبدية وعظم الله ميزانك يا الحبيب.

فنحن لا نغير ما على الأرض

ولكنا نطورها بما يرضي العصافير

وآراء الصغار…

الجزيرة أبا نوفمبر 20

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى