سراج الدين مصطفى يكتب : صندوق عبد القادر الكتيابي!!

 

  • بعد إجازة قانون المبدعين في أواخر العام 1999 .. أصدر الرئيس المخلوع عمر البشير قراراً بتعيين اللواء الخير عبد الجليل المشرف أميناً عاماً لصندوق دعم المبدعين، وكان ذلك بتاريخ 27/4/2000.. وكانت إجازة ذلك القانون أول التفاتة من حكومة الإنقاذ للمبدعين.. وتلك هي اللحظة التي بدأت تفك فيها قبضتها وبطشها على المبدعين والذين تشردوا في أصقاع الدنيا بسبب السياسات القاهرة والقاتلة للإبداع، ولم يبق في البلد مبدع صاحب إبداع حقيقي وسكت من هم بالداخل، ثم كان الانهيار الكبير لكل مشارب الإبداع وانحدر إلى القاع.
  • بدءاً يجب أن أقول إن اختيار اللواء الخير عبد الجليل المشرف لم يكن موفقاً، وهو تعيين بالطبع لا ينفصل عن فكرة التمكين، لأن تصنيف المبدع وقتها لم يكن بحسب الإبداع وإنما بحسب الانتماء والموالاة، والمشرف جاء للصندوق بخلفية عسكرية وتوجيهات معينة ومحددة وتفاسير خاصة تحدد هوية المبدع، من شاكلة من يكتبون (أمريكا روسيا.. دنا عذابها) أو شعار الكذبة الكبرى (فلنأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع).
  • تلك كانت هي الموجهات الفكرية لصندوق دعم المبدعين، الذي حصر دعمهم لقلة محددة تدين بالولاء لنظام المؤتمر الوطني، حتى أطلقنا على الصندوق وقتها ساخرين (مبدعو دعم الصندوق) الذي كان يتسول باسمهم للبحث عن الدعم.
  • الولاء الحزبي والانتماء الفكري لجهة بعينها، قصم ظهر الفكرة تماماً وأفرغها من محتواها، وهو بالطبع لا ينفصل عن الكثير من الشعارات التي كانت مرفوعة وقتها مثل (لا لدنيا قد عملنا) أو (هي لله.. هي لله) .. لذلك ضاقت فكرة الصندوق معها يمكن أن تكون واسعة إذا كانت الفكرة أصلاً قامت لرعاية ودعم المبدعين.
  • من الأخطاء الجسيمة أن قانون الصندوق لم يعرف أو يوضح من هو المبدع على وجه الدقة والتحديد وما هي الاشتراطات اللازمة ليكون مبدعاً ومؤهلاً لدعم الصندوق، حيث حدد القانون واجبات الصندوق على المبدع ولكن لم يحدد القانون من هو المبدع، ولم يضع له تعريفاً علمياً دقيقاً تبنى حيثياته على مقادير ومناسيب ودرجات وفق نظام إحصائي علمي دقيق.
  • بحسب منشور وزارة الثقافة الذي صدر مؤخراً تتبع المسئولية الإدارية للصندوق للسيد وزير الثقافة فيصل محمد صالح، وذلك يعني ضمناً أن تعريف المبدع هو من يعمل في المجال الثقافي فقط ولا يطال بقية المبدعين في المجالات الأخرى، وهذا أيضاً تضييق لفكرة الصندوق بحصره للمبدعين في مجال حياتي واحد هو الثقافة بكل ضروبها وتنوعاتها وأفرعها.
  • الصحيح في هذه الحالة أن يتبع صندوق رعاية المبدعين لوزارة مجلس الوزراء.. حتى تأخذ الفكرة شموليتها وعموميتها لتشمل كل المناحي الإبداعية في الهندسة والطب والثقافة والرياضة وغيرها من المجالات الحياتية المختلفة، ولكن تبعية الصندوق الإدارية لوزارة فيصل محمد صالح هو وضع مخل يجب تصحيحه، لأنه لا يعقل أن تنشئ الدولة صناديق لرعاية المبدعين في كل المجالات لأن صندوقاً واحداً يكفي.
  • في واقع الأمر، البدايات الخاطئة عادة ما تقود لنهايات كارثية، وصندوق رعاية المبدعين.. فكرة بديعة.. ولكن تم تنفيذها بطريقة خاطئة ومستعجلة ولم تراع فيها البديهيات والأساسيات، فقرار تعيين اللواء الخير المشرف كان هو الخطأ الأول، لأنه جأ للصندوق بأهداف وأجندة محددة وكان لا يمتلك القدرات الإبداعية الكافية التي تؤهله لإدارة بلد تمتلئ بالمبدعين الأصلاء..
  • عموماً ذهب ذلك العهد الظلامي بكل أخطائه الكارثية في التأسيس.. وذلك يعني بالضرورة التغيير في المفاهيم وطرائق التفكير في إدارة صندوق رعاية المبدعين.. والصندوق حالياً يقوده الأستاذ الشاعر عبد القادر الكتيابي، وهو مبدع أصيل لا يحتاج لأن نؤشر على منتوجه الإبداعي الحاضر، فهو واحد من هذا الوسط ويعرف خباياه وتفاصيله تماماً، وتلك المعرفة تجعلنا نتعشم في طفرة مفاهيمية وتجديدية لإدارة دفة الصندوق.
  • ولنا عودة إن كان في العمر بقية!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى