أسفار

خمسة أيام بشمال دارفور.. وعورة الطرق ورهافة المعشر وحُنو المشاعر ..(1)

 كلٌّ ذهب في اتجاه واختار البعض أن يقضي ليلته  بين أكواب الشاي والحليب ..

قائد الدعم السريع بالقطاع حدَّثنا عن تأمينهم الموسم الزراعي وإنجاح العودة الطوعية

 

  الخرطوم : محيي الدين شجر

الفاشِر مدينة تقع في غرب السودان على ارتفاع 700 متر (2296 قدماً) فوق سطح البحر على مسافة 1300 كيلومتر من  العاصمة الخرطوم، و195 كيلومتر (130 ميلاً) عن مدينة نيالا باتجاه الشمال الشرقي، وقد كانت محطة انطلاق للقوافل في العصور القديمة تحولت بمرور الزمن إلى سوق للمحاصيل الزراعية، ويعتمد اقتصادها على المنتجات الزراعية المتوفرة في المنطقة بشكل أساسي، وهي عاصمة ولاية شمال دارفور، كما أنها من المناطق التي زارتها الرحالة الأمريكية الجوية أميليا إيرهارت في محاولتها لعبور العالم.

وتقع الفاشر على خط طول  21-  25 وخط عرض  13-  38

طريقان

إذا أردت أن تزور الفاشر وأنت في الخرطوم براً، عليك باختيار  طريقين إما  الطريق القديم المسفلت والذي بُني بدعم أمريكي  ويمر بكوستي ثم الأبيض ثم النهود، ومنها إلى الفاشر، أو   الطريق الجديد والذي سُمي بطريق الإنقاذ الغربي والذي  يمر ببارا ثم النهود ثم الأبيض، ويقل عن الطريق القديم بـ 200 كيلو متر.. ولكنك لن تكون مخيراً إذا كنت مضطراً للوصول إليها عبر البصات السفرية والتي تحملك حسب أهوائها ..

قُدّر لنا وزميلي جعفر باعو  أن نصل الفاشر بطريق بارا ونعود منها بطريق كوستي، وفي كلا الرحلتين غرائب ومصاعب.. ومواقف وحكايات ..

كان الهدف من الزيارة الوقوف على أرض الواقع على الدعم الكبير الذي قدمته قوات الدعم السريع لتهيئة البيئة المدرسية بكل من الفاشر وكتم، وكتم تبعد عن الفاشر بنحو 130 كيلو متراً، ولكن الوصول إليها يمر عبر طريق ثلثه مسفلت وباقي أجزائه أودية وخيران ورمال ..

انطلقنا في وقت متزامن مع القافلة التي حملت 1530 وحدة إجلاس و50 وحدة إجلاس معلمين ..

بداية الرحلة

وبدأ البص رحلته إلى الفاشر في صبيحة 21 أكتوبر، وكانت العاصمة وقتها تستعد وتفور وتغلق تحسباً لمسيرة 21 أكتوبر التي أعلنت مسبقاً، انطلق البص والذي  أطلق على نفسه ( أبو فراس) رحلته عند الرابعة صباحًا بعد ان قضينا الليل بالسوق الشعبي أم درمان، وفيه لم تمت حركة الناس والبضائع حينما يسدل الليل أستاره، فلا أحد ينام، أماكن الزلابية مستمرة إلى الساعات الأولى من الصباح، ومحلات الملابس لم تغلق أبوابها واصحابها حين تخفت أصوات أقدام الناس يفترشون الأرض ويلعبون الضمنة أو الكوتشينة، وإذا غلبك النوم ما عليك إلا أن تدفع مئتين من الجنيهات ويمنحوك سريراً منسوجاً وتتوسد شنطتك ..

أبو فراس سار  بنا رغم العطب البيّن لحظة تحركه  قاصداً المرور عبر الخرطوم والتي كانت وقتها مغلقة بإحكام تحسباً لمسيرة 21 أكتوبر، كان يريد السفر عبر كوستي الطريق القديم، وحينما تم منعه عاد أدراجه إلى السوق الشعبي وأبطل محركاته متعذراً بأن كل الطرق معطلة بسبب الدولة كما رد علينا أحد العاملين بمكتبه في حين كل البصات غيّرت طريقها وسافرت بالطريق الآخر ..

الخدعة

ركاب البص علموا بالخدعة وأن رداءة البص هي سبب رجوعه للسوق الشعبي، وأنه يريد التحايل مستفيدًا من إغلاق الكباري، ولكن تحت ضغط الركاب أحضرت الشركة بصاً آخر أقل رداءة، وتم نقل وقود البص إليه في عملية استغرقت وقتاً طويلاً ليكون التحرك  بعد الثامنة والنصف صباحاً من يوم الأربعاء  ..

الطريق إلى الفاشر عبر بارا حتى الآن لا يشجع على السفر، إلا إذا قصدت  التخلص من سيارتك لكثرة تصدعاته وتهتكاته وانقطاعه بسبب السيول الأخيرة والتي ضربت أجزاء واسعة منه وجعلته ممزقاً، والسبب أن الطريق تم إنشاؤه فوق خيران وأودية وفي مجاري السيول، واستطاعت السيول أن تجرف كثيراً من الكباري وتحولها إلى أشلاء ..

رأينا بعض الآليات على الطريق، وهذا يعني أن عملاً يجري للإصلاح والترميم كما قامت بعض المزلقانات ..

العربات كانت تنزل من الطريق المسفلت إلى طرق أخرى ترابية، وهذا الإجراء يؤدي بالطبع إلى استغراق المزيد من الوقت، وبالتالي يضيع فرق الزمن ..

وظل بصنا المُبجَّل يمضي بسرعة تزيد قليلاً عن سرعة السلحفاء ليصل إلى النهود منهكاً وتعباً ..

النهود

في النهود والتي وصلناها ليلاً قرر سائق البص أن يخلد المسافرون إلى النوم، وفيها وجدنا فندقاً أعد بعناية وبالقرب منه سوق صغير يعج بالمطاعم وستات الشاي، وهنالك المدينة ترقد في هدوء ..

ولكن يجب  أن تدفع إذا أردت أن تبعد عناء السفر  لتحظى بغرفة ليس فيها سوى حمام ماؤه شحيحة، وتكون محظوظاً إذا أكملت الوضوء صباحاً لتصلّي الفجر ..

عليك أن تدفع ألف جنيه للسرير الواحد أو يمكن أن تختار المبيت في باحة الفندق بين البعوض .

وتوزع ركاب البص كل ذهب في اتجاه، واختار البعض أن يقضي ليلته في ذاك السوق الصغير بين أكواب الشاي والحليب..

في الصباح ــ أي في يوم الخميس ــ تحرك البص نحو الفاشر والتي بدت بعيدة رغم قربها بمقياس المسافة للسرعة السلحفائية لبصنا رغم أن الطريق من النهود إلى الفاشر لا يعاني من الإنهاك ..

 

تأمين الموسم الزراعي

بالفاشر في اليوم الثاني، استقبلنا الملازم أحمد إدريس قائد قطاع  التوجيه المعنوي بالدعم السريع، ونحن في طريقنا لمكتب قائد الدعم السريع قطاع شمال دارفور العميد جدو أبو شوك  حدثنا عن الأعمال التي نفذها القطاع  ..

استقبلنا العميد جدو أبو شوك بكل أريحية، والحق يقال فالرجل يتمتع بثقة كبيرة وبعزم ظاهر لتقديم شيء لأهل شمال دارفور..

ولقد شرح لنا كيف أنهم الآن يؤمنون الموسم الزراعي بشمال دارفور ويساعدون في إنجاح العودة الطوعية  بتوطين العائدين  في القرى بعد اتفاق السلام بجوبا، وقال إنهم استوعبوا بالدعم السريع عدداً من قيادات حركة تحرير السودان أمثال سعدية آدم رجال، وذكر لنا  أنها تجتهد معنا الآن في مسالة توطين العائدين في قراهم، ولقد كلّمتنا سعدية عن تجميع عدد من العائدين في قرى بعينها مع توفير المياه والمساعدات اللوجستية لهم، مبينة أنها انضمت للدعم السريع عن قناعة، وهم الآن يعملون بجدية لأجل انسان شمال دارفور والعمل على استقراره ..

وواصل قائد الدعم السريع بقطاع شمال دارفور حديثه، وكشف لنا عن تنظيمهم دورة رياضية تجري أحداثها باسم السلام ووصل فيها فريقا الجيش والدعم السريع للمباراة النهائية والتي ستجري أحداثها بإستاد النقعة بالفاشر ..

تهذيب وحضارة

ونسبة لتأجيل حفل استقبال الشاحنات الثلاث الضخمة من الخميس إلى الأحد، طفنا بمدينة الفاشر والتي أدهشتني حقاً بجمال إنسانها وحلو معشره وتعامله الراقي.. كنا نجد التحضر  والتعامل الراقي والتهذيب  في كل مكان قصدناه، بالمطاعم والطرقات وفي الأسواق .

ورافقنا الملازم أول أحمد إدريس شارحاً لنا مجهوداتهم واصطحبنا بكل كرم إلى داره، حيث قضينا وقتاً بين أبنائه، ومن ثم تم نقلنا إلى مقر إقامتنا ببرج الفاشر نسبة لقطوعات الكهرباء المتكررة بالمدينة  حتى يتسنى لنا أداء مهمتنا بكل يسر ..

المهاجم شلش

في اليوم التالي، حضرنا المباراة النهائية بين فريقي الجيش والدعم السريع برفقة الأستاذ أحمد الجرهاني الذي يعمل في إعلام الدعم السريع والأستاذ عجينة بنفس إدارة الإعلام والتي انتصر فيها فريق الجيش في النهاية بضربات الجزاء بعد أن انتهى الوقت الرسمي بالتعادل هدفين لكل فريق، حيث أضاع مهاجم الهلال والمريخ السابق ومهاجم الدعم السريع شلش ضربة جزاء ..

ونواصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى