د. عثمان البدري يكتب: العلاج المجانى… أين هو؟

العلاج للجميع والتعليم للجميع واجب على الدولة والمجتمع. وهما من أول أهداف أجندة التنمية المستدامة التي وقعت عليها الدولة وجميع دول العالم. وقد ظل هذا الموضوع يراوح مكانه في السياسة السودانبة وفي الصحافة الورقية والرقمية والخطب المنطوقة وتم تناوله من كل الأنظمة، ولكن ليس هنالك التزام واضح وحازم وجاد نحو تطويره وتطبيقه في البلاد. وقد لخص ذلك الأستاذ الطاهر ساتي رئيس تحرير الغراء “الصيحة” في عموده المقروء “إليكم” في عدد يوم الإثنين الثاني من شهر نوفمبر ٢٠٢٠ وعنوانه.. أهم الحلول… لخصه الاستاذ الطاهر ساتي في جملة ثمينة تصلح أن تتخذ منها سياسةً وقراراً وضعه في شكل سؤال (إن كان تأمين السيارة (إلزامياً) فلماذا لا يكون تأمين علاج المريض إلزامياً أيضاً عبر آلية رقابية؟ والتامين الصحي الشامل والتعليم المجاني  في كل أنحاء العالم هو من الرايات التي ترفعها كثير من الأنظمة وبعضها طبقها فعليًا مثل سائر الدول الأوروبية وخاصة دول شمال أوروبا أو دول الديمقراطيات الاجتماعية مثل السويد والنرويج وفنلندا وألمانيا وإلى حد كبير فرنسا والمملكة المتحدة. وفي الولايات المتحدة الأمريكية كانت تلك راية رفعها أغلب الرؤساء الأمريكيين من الحزب الديمقراطي من لدن الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت الذي تمت إعادة انتخابه لأربع دوراته بالرغم من أنه في الدورة الأخيرة كان مقعداً على كرسي متحرك… حين طرح ما يسمى سياسة العهدة الجديدةThe New Deal في أعقاب حقبة الكساد الكبير وتضمنت كثيراً من برامج الضمان الاجتماعي وحتى عهد الرئيس السابق باراك أوباما والذي أفلح في تطببق برنامج ضمان العناية الشامل المتعارف عليه بـ Obama Care والذي اجتهد الرئيس الجمهوري الحالي ترامب الممالئ للمصالح الرأسمالية في إلغائه، وأفضل نظام صحي وطبي في العالم باعتراف الجميع هو في دولة كوبا. وفي واحدة من أعتى الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة… كوريا الجنوبية… فإنه لا توجد بها عيادات خاصة. فالجميع تحت مظلة التأمين الصحي الشامل.. وتاريخ الطب والطبابة وإلى قرنين مضيا لم يكن أبداً تجارياً بل كان خدمة مجانية. وذلك منذ بداية الطبابة الحديثة والمستشفيات في الدولة العباسية وما تلاها، فقد كانت “البيمارستانات” تقدم خدمات الفحوصات والتنويم والتغذية والأدوية أو ما كان يعرف بخزانة الشراب بلا تكلفة مباشرة للمريض بل واستبدال ملابسه ويمنح ما يؤمن وصوله إلى بلده وحتى تدريب الكوادر الطببة من الرئيس ابن سيناء وغيره أنهم كانوا يتقاضون أموالاً على ذلك، بل كانت تقوم بذلك الدولة والمحسنون.

الدولة قد أعلنت هنا مرارًا التزامها بمجانية التعليم والعلاج من خلال الالتزامات المعلنة  للحكومة الانتقالية ووزرائها بل وأعلنت وزيرة المالية المكلفة في تلفزة مشهودة التزامها بالوجبة المدرسية وقد فتحت بعض المدارس جزئياً الآن فهل هنالك وجبات تم توزيعها والتغذية الصحيحة من مخفضات الضغط على الخدمات الطبية وعلى استهلاك الأدوية. وهنالك حديث كثيف عن تحرير أسعار الأدوية وهذا قد يعني عجز  الغالبية العظمى من ذوي الدخول المحدودة  وحتى الذين يتمتعون بتغطية التأمين الصحي الجزئية عن شراء ما يلزم خاصة أصحاب الأمراض المزمنة والخطيرة والمكلفة.

أيها السادة المرض قدر وليس اختياراً والعلاج ليس خيارًا بل واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وعلى الدولة والمجتمع أن يأخذوا هذا الأمر مأخذ الجد فهو ليس مستحيلاً وليس سهلاً ولكنه من التزامات الدول الراشدة الأساسية.

من هذا أنا أدعو الزملاء الصحفيين أن نتكاتف جميعاً حول هذا الأمر الهام وأن نجعل من أنفسنا عصبة راشدة للتاثير في السباسات العامة الراشدة كلما طرقها أحد الزملاء وفى المجالات الحيوية المختلفة  مثل الزراعة والتخطيط الحضري ومجانية التعليم، أن نقف خلفها جميعاً ونطرق عليها  حتى نحقق النتائج المرجوة لشعبنا وحتي لا يذويها النسيان.

وسأتناول هذه القضية من ضمن القضايا التطبيقية  مع طلاب الماجستير في مقرر تحليل السياسات العامة الذي أقوم الآن بتدريسه  بجامعة الخرطوم…

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى