قطاع التعدين.. ثورة تصحيح

شركات يتهدّدها “البل”.. وتأكيد بعدم التهاون مع المخالفات

وكيل التعدين: 70% من شركات الامتياز لا تدفع التزاماتها

الخرطوم: جمعة عبد الله

عاودت وزارة الطاقة والتعدين، تأكيد جديتها في حسم التجاوزات التي تقوم بها بعض شركات الامتياز، وأرسلت على لسان وكيل التعدين محمد يحىي، رسائل صريحة لشركات الامتياز المتقاعسة عن سداد التزامها قبل أن يتوعدها بـ “البل”.

وخلال فعالية منتصف الاسبوع الجاري، توعد يحيى، شركات الامتياز المخالفة بالحسم، وكشف عن مخالفات عدد من شركات عقود الامتياز بالعمل في التعدين التقليدي ومخلفات التعدين، وقال “أي شركة ما شغالة صاح ما بنخليها وحنبلها بما في ذلك شركات الأمن أو الجيش أو الدعم السريع.
وشدد يحيى على الرقابة اللصيقة للشركات وطالب شركات الامتياز بالعمل بالصورة الرسمية أو خروجها، وتمسك بضرورة اتباع اللوائح والقوانين وسلامة البيئة مع الالتزام بدفع ما على الشركات من التزامات مالية، وقال إن 70% من شركات الامتياز في قطاع التعدين لا تدفع التزامتها من جملة 153 شركة، وطالب مديري الشركة السودانية للموارد المعدنية بالولايات برفع تقارير دقيقة ووافية وقال “بعدها خلوا الباقي علينا”.

غياب الإحصاءات

بشكل عام، لا تتوفر معلومات دقيقة عن شركات الامتياز بالبلاد بخلاف أسمائها والمربعات التي تعمل عليها، ويصعب الحصول على تفاصيل العقود الموقعة معها وبعضها عقود قديمة موقعة منذ سنوات، إلا إن مراجعات أقرتها وزارة الطاقة والتعدين هذا العام أدت لوقف بعض الشركات وإلغاء عقود شركات أخرى، فتقلص العدد من نحو 170 شركة إلى 153 شركة عاملة حالياً، أما مدى الالتزام بسداد الالتزامات فهو ما أشار إليه وكيل التعدين بوجود شركات غير ملتزمة دون تحديد أسماء الشركات المخالفة.

رسائل للشركات

وعد مراقبون وخبراء اقتصاديون إشارات الوكيل بأنها تأتي في شكل رسالة ضمنية لشركات الامتياز العاملة بأن عهد التجاوزات قد ولى وأن الوزارة جادة في ضبط قطاع التعدين وإصلاح مساره.

وهنا تشير الخبيرة الاقتصادية، د. إيناس إبراهيم، إلى أن هذا المنهج الصارم كان غائباً عن الحكومة طوال السنوات الماضية، بالنظر لحجم الفوضى التي كانت موجودة، وقالت لـ “الصيحة” إنه كان من العسير التعرف على تفاصيل عقود بعض شركات الامتياز خاصة الأجنبية منها، ونوهت إلى أن بعض الشركات بالرغم من حصولها على مربعات امتياز في مناطق غنية بالذهب والمعادن لكنها لم تكن تعمل على قدر الآمال المعقودة عليها، وأرجعت الأمر للتراخي الحكومي وضعف الرقابة بالإضافة  إلى متغيرات موضوعية خلال العامين الأخيرين بسبب الاضطرابات التي شهدتها البلاد.

تهديدات سابقة

وليس جديداً أن تتبنى الوزارة خطاباً حاسماً تجاه شركات الامتياز العاملة في مجال التعدين، فسبق للوزير السابق د. عادل علي إبراهيم أن بدأ فترته بذات الاتجاه، ولم يكتف بالتهديد بل اتبعه بإلغاء عقود عدد من الشركات لأسباب متباينة منها عدم الالتزام بسداد الالتزامات ومنها شركات قيل إنها تتبع لنافذين من عناصر النظام السابق.

وفي الأسبوع الماضي وخلال توقيع عقود مع ثماني شركات، شدّد الوزير المكلف، خيري عبد الرحمن، بأن قطاع التعدين بدأ “يسير في مسار جديد” على حد تعبيره، موضحاً أن الفترة السابقة شهدت العديد من المخالفات التي التي تسببت فيها السياسات التي كانت مصممة لاستفادة أشخاص وجهات بعينها من موارد الذهب وخيرات باطن الأرض، وقال خيري حينها إن الوزارة لن تتوانى في تطبيق السياسات التي أقرتها الحكومة مؤخرًا بشأن العمل التعديني، قاطعاً بأن أي مخالفات ستجد الحسم، ودعا لأن يكون العمل وفق الأسس والضوابط التي أقرتها الحكومة ومنها ما يتعلق بسداد الالتزامات والإنتاج الدقيق وضمان الحفاظ على البيئة والسلامة المهنية للعاملين.

قرارات سابقة

وتشير “الصيحة” إلى أن الوزارة أوقفت في نهاية ديسمبر الماضي عدة شركات عن العمل في التعدين بسبب مخالفات، وقطعت حينها بعدم التهاون مع المخالفات.

وفي موازاة ذلك، وضعت الوزارة اشتراطات جديدة شملت سحب صلاحية توقيع عقود الامتياز من الشركة السودانية للموارد المعدنية ومنحها للهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية، وهو الإجراء الذي قوبل بارتياح من منسوبي التعدين لجهة أن الهيئة هي صاحبة الاختصاص.

وطوال الأشهر الماضية، وأصلت وزارة الطاقة والتعدين إجراء تغييرات جذرية على قطاع التعدين بدأتها بإقرار سياسات سابقة وطريقة توقيع عقود الامتياز، قبل أن تعلن لاحقًا مهلة لجميع الشركات العاملة في قطاع التعدين بتوفيق أوضاعها، انتظاراً لقرارات تمت لاحقاً.

وبناء على ذلك، ألغت وزارة الطاقة والتعدين، عقود “11” شركة تعمل في مجال التعدين الصغير، منها عقد شركة “فو الصينية” التي تمتلك مربعًا بالولاية الشمالية، وشملت قرارات إلغاء العقود عشر شركات أخرى هي “شركة إسمارت للتعدين، شركة ترنديل، شركة الثرى، شركة المشكاة، شركة بايتكس للتجارة والاستثمار، شركة شاع الدين للحلول المتكاملة، أعمال أبا المصطفى لصناعة الأسمنت، شركة شتلة تكنولوجي، شركة أبو يوسف وشركة أعمال القبوب”.

وحسب سكرتارية لجنة التعدين وإلادارة العامة للإشراف والرقابة على شركات التعدين الصغير بالهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية، أن إلغاء عقود الشركات خطوة تأتي في إطار المراجعة التي يقومون بها وفق توجيهات وزير الطاقة والتعدين ومدير الهيئة بمراجعة عقود شركات التعدين لضبط العمل في هذا القطاع بعد أن كان النظام السابق يوزع العقود وفق هواه لشركات لا تملك المقدرة الفنية والمالية، وكانت فقط تعمل في السمسرة بعد أن تحصل على تلك العقود، وأكدت الإدارتان أن المراجعات ستستمر وسيتم إلغاء كل الاتفاقيات والعقود غير المستوفية للشروط.

وبالنظر لقطاع التعدين خلال السنوات، فقد حوى الكثير من التجاوزات وبعضها غير معلن، لجهة أن كثيراً من العقود كانت تتم في الخفاء ومن غير اليسير الحصول على تفاصيل هذه العقود، وهو ما دفع الوزارة عقب تشكيل الحكومة الى تكوين لجنة خاصة لمراجعة عقود الشركات الشركات العاملة في المجال، كما كشف مؤخراً مسؤول باللجنة الوطنية لمناصرة البيئة، عن قيام شركات عاملة في التعدين “بشراء ذمم” ودفع أموال لموظفي التعدين لإسكات الأصوات التي تطالب بالحقوق، وطالب الوزارة بإيقاف هذا المسلك.

إيقاف رغم الالتزام

ولكن مسؤولاً بإحدى شركات التعدين الصينية التي تعمل بالولاية الشمالية في مربعي امتياز، قال لـ “الصيحة” إن شركتهم موقوفة لفترة قاربت العام رغم عدم وجود أي مخالفة في عقدها، وقطع بأن العقد سليم كما أن الشركة ورغم عدم دخولها الإنتاج فعلياً إلا أنها ظلت تقوم بدورها في المسؤولية المجتمعية بإنشاء مضخة مياه تعمل بالطاقة الشمسية ومحطة مياه لإمداد عدة قرى بالمياه وخدمات اجتماعية متعددة، لافتاً إلى أن ضوابط وزارة الطاقة والتعدين غير واضحة بالنسبة لهم، وقال إن الشركة المعنية تعرضت للظلم منذ دخولها للسودان في العام 2017 لم تتمكن من بدء الإنتاج رغم توفير كافة المتطلبات الفنية والهندسية مع امتلاكها للقدرة المادية على التنقيب، وناشد الوزارة بتوفيق أوضاع الشركات التي لم يبت في أمرها حتى الآن.

ضوابط جديدة لشركات الامتياز

وفي فبراير على المصارف تنفيذ عمليات صادر الذهب لشركات الامتياز وشركات التعدين الصغير والشركات العاملة في مجال مخلفات التعدين، ويسمح للشركات التي لديها امتياز في مجال تعدين الذهب وشركات التعدين الصغير بتصدير نسبة 70% من المتبقي من الإنتاج  بعد خصم الزكاة والعوائد الجليلة عيناً، على أن يتم الاحتفاظ بالحصيلة بحساباتها داخل أو خارج السودان لاستخدامها وفق ما نصت عليه الاتفاقيات الموقعة، وبيع متبقي النسبة (30%) لبنك السودان المركزي، مع عدم تكملة الإجراءات المصرفية لصادر الذهب بواسطة شركات الامتياز إلا بموجب موافقة مكتوبة من بنك السودان المركزي، على أن يسمح للشركات العاملة في مجال مخلفات التعدين بتصدير نسبة 15% من المتبقي من الإنتاج بعد أن يتم تحصيل الأرباح والعوائد الجليلة والزكاة عيناً من الإنتاج الكلي لتلك الشركات. على أن يتم الاحتفاظ بالحصيلة بحساباتها داخل السودان واستخدامها وفق ضوابط الصادر السارية، بيع متبقي النسبة (85%) لبنك السودان المركزي، وعدم تكملة الإجراءات المصرفية لصادر الذهب بواسطة الشركات العاملة في مجال مخلفات التعدين إلا بموجب موافقة مكتوبة من بنك السودان المركزي.

خطط جديدة

وقَطع مصدر رفيع بهيئة الأبحاث الجيولوجية، بعدم التهاون مع المخالفات في قطاع التعدين، وأوضح أن هناك خطةً وطنية أعدت لإزالة الآثـار البيئية للزئبق المستخدم في التعدين التقليدي، وقال إن هناك اجتماعات تمت مع جهات عالمية لمناقشة كيفية معالجة الزئبق من مخلفات التعدين، وأضاف بأن الاجتماعات تخصص جزءا منها للوصول إلى كيفية التخلص من الزئبق وإيجاد بدائل له، وكشف سليمان عن عمل أكثر من (59) شركة في معالجة مخلفات التعدين كان إنشاؤها بغرض التخلص من الزئبق لكنها تجاوزت الترخيص الأساسي للعمل في مجالات أخرى.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى