مسؤول إسرائيلي لـ(الصيحة): (أحلى من الحلاوة.. الصداقة بعد العداوة)

 

الخرطوم- مريم أبشر

تتجاذب الأوساط السياسية الأحاديث والتحليلات، حول إقدام السودان على طي صفحة العداء مع إسرائيل، بعد أن ظل يختم على جواز سفره لسنين عدداً بالبنط العريض (كل الدول عدا إسرائيل)، ليفتح صفحة جديدة قوامها فقط تغليب المصالح بين الدول، حكوماتها وشعوبها، بعد أن أثبتت السنين أن المتضرر الوحيد جراء تبني مواقف مُتشدِّدة حيال الملف الفلسطيني هو السودان وشعبه، في وقت لم تخدم ذات المواقف المتشددة القضية الفلسطينية، بل زادتها تعقيداً وما قدمته دولة الإمارات من وقف لبناء مستوطنات يهودية تغطي ثُلث مساحة الضفة نظير تطبيعها مع تل أبيب لم تقدمه كل مُحاولات العداء السابق، فضلاً عن ذلك، فإن الدخول في علاقات علنية مع الدولة العبرية يفسح المجال أمام السودان لطرح رؤيته لحل الخلاف الفلسطيني – الإسرائيلي القائم على إقامة دولتين منفصلتين يسودهما الجوار القائم على المصالح بديلاً للتهم التي كانت تُلصق بالسودان بتسريبه السلاح للمقاومة عبر الحدود والأنفاق لتأجيج الصراع، خاصة وأن دولة إسرائيل أصبحت واقعاً مؤثراً في منطقة الشرق الأوسط وإحدى قوى التوازنات العصية على الإنكار والتجاوز، بل أن العديد من الدول العربية وغير العربية والإسلامية أقامت علاقات معها، إما رسمية معلنة بتبادل دبلوماسي مكتمل، أو عبر علاقات منافع مشتركة تخدم الدولتين والملف الفلسطيني.

إنهاء العداء

في تصريح رسمي قالت وزارة الخارجية، إن السودان وإسرائيل توصّلا معاً لقرار بإنهاء حالة العداء وتطبيع العلاقة بينهما وبدء التعامل الاقتصادي والتجاري، وبتركيز أولي على الزراعة، لفائدة شعبي البلدين، ولفتت إلى أن وفدين من البلدين سيجتمعان في الأسابيع القادمة للتفاوض لإبرام اتفاقيات للتعاون المشترك في مجالات الزراعة والتجارة والاقتصاد والطيران ومواضيع الهجرة، وغيرها من مجالات لتحقيق المصالح المشتركة للشعبين، كما اتفقت الخرطوم وتل أبيب على العمل المشترك لبناء مستقبل أفضل، ولدعم قضية السلام في المنطقة، ولفتت الخارجية إلى أنّ السودان فيما يلي التطبيع، أتى في ظل التحوُّلات الكبرى التي تحدث فيه، والتي تدفعها إرادة سُوق أوضاعه إلى ما يحقق آمال شعبه واستقرار دولته، وفي سياق الثورة السودانية وزخمها الذي يتعدى بالتأثير إلى كافة المعطيات القائمة (بما فيها شبكة علاقات البلاد الخارجية) سعياً وراء خلق وضع يُلبِّي تطلُّعات الشعب السوداني، ويُهيئ البيئة الإقليمية والدولية المعينة على إنجازها.

ليس الآن

وزير الخارجية المكلف عمر قمر الدين، قال في تصريحات للفضائية السودانية، إن مسألة التبادُل الدبلوماسي بين الخرطوم وتل أبيب وفتح سفارات لن تكون في الوقت الراهن، في وقت يتوقع فيه أن تنشط التحركات الهادفة لتليين المواقف بين البلدين، حيث تترقّب الخرطوم زيارة الوفد الإسرائيلي الذي أعلن عنه لأول مرة بشكل رسمي للتباحُث مع نظرائهم في الحكومة الانتقالية لفتح آفاق التعاون في مجالات الزراعة والصناعة والهجرة وغيرها، واعتبر قمر الدين أنّ عملية التطبيع مع إسرائيل بدأت الآن وستكون مستمرة، معتبراً فتح السفارات والتبادل الدبلوماسي سيكون مرحلة لاحقة .

وجهة نظر إسرائيلية

مدير إدارة مصر والمغرب في قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإسرائيلية، ليور بن دور قال لـ(الصيحة) بشأن الخطوات الدبلوماسية المقبلة في حوار يُنشر بالداخل: “هدفنا المُشترك هو ترجمة الإعلان عن العلاقات السلمية إلى أعمال، ونعني بذلك فتح سفارات وتبادل وفود ووضع البنية التحتية للقيام بالتعاون في المجالات المُختلفة، ومنها الزراعة والتجارة والتكنولوجيا والعلم والطب والأكاديميات والسياحة والاستثمارات.. علينا أن نمضي قُدُماً في هذا الاتّجاه وبالتأكيد سنتعرّف على بعض وسنتفق سوياً على السُّبل الكفيلة بتنسيق وتطبيق هذا التعاون، واعتبر أنه من السابق لأوانه الحديث عن حجم سفارتهم في الخرطوم وحجم سفارة السودان بإسرائيل، وأضاف: “لكننا بالتأكيد نمشي في الاتّجاه الصحيح”، وشدد على أن السلام بين البلدين لا ينبع إلا عن رغبة مُشتركة في التعايُش السلمي.

وقال المسؤول: (يسرنا جداً بأننا ننتقل وإياكم من حالة المقاطعة إلى حالة التعاون والاعتراف المتبادل، وزي ما بيقولوا بالعربي: “إيه أحلى من الحلاوة؟ الصداقة بعد العداوة).

عقبة قانونية

لكن خبيراً دبلوماسياً أوضح لـ(الصيحة)، أن هناك إشكالات قانونية تواجه ملف التطبيع برمته، وهي أن قانون مقاطعة إسرائيل لا يزال سارياً ولا بد من أن يتم إلغاؤه قبل أية خطوة أخرى، وأضاف بأن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين أي بلدين يُعتبر إجراءً قانونياً يكتمل بعد إجازة الاتفاق الذي يُؤسِّس ذلك بين البلدين، ونبّه إلى أن هناك عقبات إجرائية وقانونية وسياسية تقف دون إقامة علاقات دبلوماسية في وقت قريب .

كفاية ولكن…

الخبير الدبلوماسي، الناطق السابق باسم الخارجية، السفير جمال محمد إبراهيم، يرى أن السودان قدّم الكثير للقضية الفلسطينية، مواقف وأموالاً، وأن مصلحة السودان في ظل الواقع المأزوم الذي يعيشه حالياً جراء الحصار الاقتصادي ووضع السودان في قائمة الإرهاب، فرضت على الحكومة اتخاذ مواقف تُرجِّح مصلحة السودان وشعبه، لكنه قال لـ(الصيحة) أمس، إن هنالك مسائل إجرائية وقانونية يجب أن تستكمل حتى يكتمل ملف التطبيع وملف إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب، ومنها إعلان التمثيل  الدبلوماسي، واعتبر أن تبادل زيارات الوفود تصب في إطار عمليات التشاور والتنسيق وهي خطوة مهمة لاكتمال الملفات .

ليس بالنوايا

ومضى في ذات الاتجاه، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات د. عبد الرحمن أبو خريس، مشدداً على أن إقامة علاقات دبلوماسية رهينة باستكمال إجراءات التطبيع، ولفت إلى أن العلاقات بين الدول لا تنشأ بالنوايا، وإنما تقوم على المصالح والرغبة المشتركة، وقال لـ(الصيحة)، إنه لا يزال هنالك بون ومساحة كبيرة لإقامة علاقات دبلوماسية، خاصّةً وأن شأن التطبيع نفسه ما زال مختلفاً عليه وليس هنالك إجماع حوله، وإن الحكومة في حيرة من أمرها، وأضاف: “لا بد من حسم الموافقة، وإذا اكتملت وتطلب ذلك فتح السفارات أو تبادل البعثات الدبلوماسية، فإن الأمر أيضاً يحتاج لدراسة، لأن تقييم حجم البعثة وتصنيفها يعتمد على حجم المصالح والرعايا”، وأشار إلى أن فتح سفارات عمل مكلف جداً، الأمر الذي يستلزم إجراء تقييم من قبل الوزارة عقب الموافقة على إكمال التطبيع، ومن ثم تحديد نوع التمثيل الدبلوماسي إن كان على مستوى السفراء أو القنصليات وفقاً للمصلحة وحجم الرعايا في البلدين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى