Site icon صحيفة الصيحة

تحرير الوقود.. رؤية من زاويتين

محطة وقود

تصدر إعلان الحكومة  مؤخراً رغبتها في تحرير أسعار الوقود الأحداث، وسط آراء متباينة بين الرفض والقبول، ففريق من الاقتصاديين مؤيد للخطوة وآخرون رافضون لها، ولكل منطقه وأسبابه.

“الصيحة” تعرض رؤيتين متباينتين للخبير الاقتصادي، د. عادل عبد العزيز الفكي، معدداً فوائد التحرير، وفي الاتجاه المعاكس، يتمسك عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير كمال كرار برفض التحرير وقال انه “انقلاب على توصيات المؤتمر الاقتصادي”..

أجرى المواجهة: جمعة عبد الله

الخبير الاقتصادي د. عادل عبد العزيز

التحرير شر لا بد منه، وهذه فوائده

ـ كيف تنظر لاتجاه الحكومة لتحرير أسعار الوقود؟

في حال تم تطبيق تحرير أسعار المحروقات، أي أصبح سعرها حقيقياً دون دعم، يصعد ويهبط حسب أسعار المشتقات البترولية على المستوى العالمي، ووفقاً لهذا يتوقع أن يبلغ سعر جالون البنزين (4 ليترات) مبلغ 400 جنيه سوداني، وسعر جالون الجازولين مبلغ 350 جنيها سودانياً أو نحواً من ذلك، وسوف ترتفع أيضاً أسعار المشتقات الأخرى مثل غاز الطبخ، والمازوت للمصانع ومحطات الكهرباء وغيرها.

لماذا تؤيد التحرير؟

لأن أسعار الوقود بعد تحريرها ستصبح قريبة جداً لأسعار نفس المشتقات النفطية في دول الجوار، لهذا سوف تتوقف عمليات التهريب التي كانت تجري على نحو واسع لتلك البلدان، وهذه واحدة من فوائد القرار، والفائدة الثانية أنه سوف يتم شطب بند دعم المحروقات من منصرفات الموازنة العامة، وبالتالي هذا سيقلل من حجم العجز الكلي، وربما يوفر فوائض تستخدم لترقية خدمات الصحة والتعليم وتغطية المرتبات وتنفيذ بعض مشروعات التنمية.

كما سوف يؤدي القرار لاستقرار سعر الصرف، إذا ما تم تمويل استيراد المواد البترولية من خلال الموارد الحقيقية، المتمثلة في العائدات من صادرات الذهب والصادرات الأخرى، أما إذا اتجه مستوردو المواد البترولية لشراء العملة الأجنبية من السوق، فإن المضاربات سوف ترفع أسعار العملات الأجنبية لمستويات قياسية

ولكن للتحرير تبعات كارثية سالبة؟

صحيح، سوف ترتفع أسعار المواد الاستهلاكية بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، وزيادة تكلفة النقل، وسوف ترتفع تكاليف المواصلات العامة للمواطنين الذين لا يملكون سيارات خاصة أما من يملكون السيارات فسوف تزيد الميزانية التي يخصصونها للوقود.

وبالنسبة لسلبيات القرار فهو شر لا بد منه إذا ما أريد للاقتصاد السوداني الاستقرار، غير أن كلفتها الاجتماعية باهظة جداً بسبب انخفاض دخول الناس في السودان، فالحد الأدنى للأجور حتى بعد التحسينات الأخيرة لا يتجاوز مبلغ 30 دولاراً أمريكياً للشهر لهذا لا بد من معالجات اجتماعية سريعة لتفادي وقوع أغلب الأسر في الفقر والفاقة.

ما شكل هذه المعالجات؟

أولاً، على الحكومة توفير مواصلات عامة زهيدة التكاليف باستغلال خطوط السكة حديد، وباستجلاب بصات ركاب ذات حمولات كبيرة، وبتشجيع الناس على استخدام الدراجات النارية والعادية بإلغاء الجمارك عليها، وعلى الحكومة الاستمرار في الدعم النقدي للأسر الفقيرة، وزيادة عدد الأسر المشمولة بالدعم النقدي، والامتناع نهائياً عن أي دعم سلعي حتى الخبز يتم دعم الفقير نقدياً عند الشراء باستخدام بطاقة إلكترونية وعليها تشجيع قيام الجمعيات التعاونية الإنتاجية والاستهلاكية.

ــ رغم ذلك سيكون التحرير قاسياً على المواطنين؟

صحيح، فالخطوة خيار صعب، ولكن كما أشرت سابقًا فهي قرار لا بد منه لإحداث الاستقرار الاقتصادي المنشود، ففاتورة الدعم في الحقيقة عالية جداً وتكلف الحكومة غالب مواردها المتاحة، إذ يستأثر بند دعم المحروقات بنصيب كبير من الموازنة ولكن يمكن تخفيف حدة هذه الآثار بتوظيف قيمة الدعم في برامج التنمية وتحسين الخدمات العامة، خاصة الخدمات الاساسية وتشمل التعليم والصحة وتحسين إمداد وجودة خدمات الكهرباء والماء، كما تشمل تطوير نظام الدعم النقدي المباشر، وبالنسبة لغلاء أسعار السلع فتشمل المعالجات أيضا تنشيط نظام التعاونيات وتفعيل البيع المباشر للجمهور بسعر المصنع وضبط قوانين التجارة الداخلية ورفع معدلات الإنتاج الصناعي والزراعي لتحقيق فائدة مزدوجة منها سد حاجة الاستهلاك المحلي وبالتالي تقليل الواردات التي يمكن توفيرها بالداخل، وتصدير بعض الإنتاج لجلب عملات صعبة تساهم في ضبط سعر الصرف.

ــ ألا يحتاج التحرير لتمهيد قبل تطبيقه؟

على الأحزاب السياسية جميعها قيادة حملات توعوية وسط الناس، وبالذات الشباب، لحثهم على التوجه نحو مناطق الإنتاج الزراعي وعلى الحكومة تحرير أسعار المنتجات الزراعية، أي عليها ألا تلزم المنتج بأي سعر وتترك ذلك لآليات السوق وأن تتيح له تصدير منتجاته لأي مكان في العالم، وأن يستفيد من عائد صادره بالسعر الحر، وعلى البنك المركزي تعميق سياسة التمويل الأصغر، وتشجيع مؤسسات التمويل الأصغر على زيادة أعداد المستفيدين، وزيادة المبالغ المتاحة للتمويل، وعلى الأسر كذلك حث الأبناء على العمل والإنتاج، فسوف يصبح الاعتماد على مرتب أو دخل شخص واحد في البيت من المستحيلات، وعلى الشباب وهم في مقاعد الدراسة الجامعية العمل في المطاعم والكافتريات وغسيل العربات وغيرها من الأعمال الشريفة لمعاونة أسرهم.

== == == == ==

عضو اللجنة الاقتصادية بالحرية والتغيير كمال كرار:

تحرير أسعار الوقود سيحيل حياة المواطنين إلى جحيم

ـ  رغم رفضكم المعلن تتجه الحكومة لتحرير أسعار الوقود؟

حذرنا من أي محاولة لرفع الأسعار مجدداً بحجة رفع الدعم، لأنها ستحيل حياة المواطنين الى جحيم، والحديث عن الدعم يشمل معلومات مضللة وغير دقيقة، وهذا التحرير يأتي في ظل ظروف معلومة فاقمت من الضائقة المعيشية مؤشرات الموازنة المعدلة التي زادت الأزمة تعقيداً ووضعت الاقتصاد في مأزق.

وترشيد الدعم ورفعه أو الإبقاء عليه يدعو للتساؤل هل فعلًا هنالك دعم أصلًا للبنزين والجازولين أو غيرهما من السلع؟ حيث أن الحكومة قامت بالالتفاف على اتفاق مسبق بينها والمجلس المركزي للحرية والتغيير واللجنة الاقتصادية، في ديسمبر 2019 يقضي بعدم زيادة أسعار المحروقات أو تعديل سعر الصرف والدولار الجمركي في موازنة 2020م، غير أنه تم الالتفاف على الاتفاق بزيادة أسعار البنزين والجازولين تحت مسمى “تجاري” ورفع دولار الموازنة إلى 55 جنيهاً وتعويم سعر الصرف، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات ومعدلات التضخم، مع انهيار قيمة الجنيه أمام العملات الحرة، أدى إلى ندرة غير مسبوقة في السلع الضرورية خاصة المحروقات والقمح.

ـ ولماذا ترفضون التحرير؟

أولًا، قرار تحرير الوقود يعتبر انقلاباً على توصيات المؤتمر الاقتصادي، وحتى في توصيات المؤتمر لم نوافق عليه وهتفت الجماهير مطالبة بعدم التحرير الذي نرفضه، لأنه لن يحل الأزمة لجهة أن الشركات التي تقوم باستيراد البترول بالعملة الصعبة من السوق الموازي، وبالتالي رفع السعر وزيادة للمعدلات التضخم يساهم في هلاك الاقتصاد وتحطيمه، كما أنه ليس من المنطقي محاولة الدولة الخروج من المحروقات، وتركها للقطاع الخاص بالرغم من أن النفط سلعة إستراتيجية، وظلت مسؤولية استيراده على الدولة لفترة طويلة جداً، وهذه الخطوة خطر كبير جداً علي الاقتصاد.

 

ترفضون التحرير دون تحديد البديل؟

البديل موجود قدمناه منذ العام الماضي إبان مناقشات موازنة 2020 ولو تم وضعه موضع التنفيذ لما كانت هنالك اليوم أي صفوف للخبز ولا الوقود ولا الغاز ولا حديث عن رفع الدعم.

 

كيف يتم ذلك؟

بالاعتماد على سياسة حشد الموارد الداخلية عبر إيقاف التجنيب والإعفاءات الضريبية والجمركية للمؤسسات غير الإنتاجية وزيادة الضرائب على شركات الاتصالات وضم الشركات الرمادية والعسكرية والأمنية لوزارة المالية وإصلاح النظام الضريبي والاستفادة من أموال الأصول المصادرة بواسطة لجنة التمكين والتحضير الجيد للموسم الزراعي، وحل مشاكل الصناعة هذا البرنامج الذي طرحته اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير منذ ديسمبر 2019.

وكذلك  لدينا  الزراعة والثروة الحيوانية وهما الرافعة الأساسية للاقتصاد السوداني، إلا أنه لا يوجد جهد للنهوض به، لأنه لا يوجد اقتصاد حقيقي، بل هنالك دولة عميقة ونافذون وتجار يعملون في العملة والحكومة على علم ودراية لكنها صامتة.

ـ تقول الحكومة إن التحرير لمعالجة اختلالات الاقتصاد وسعر الصرف؟

المشكلة أصلاً تكمن في سعر الصرف وإذا تمت تقوية سعر صرف الجنيه السوداني فسيختفي الدعم تلقائياً، والمطلوب حالياً ليس رفع الدعم إنما تقوية سعر صرف الجنيه، عن طريق توفير الدولار عبر سيطرة الحكومة على صادر الذهب وإقامة بورصة الذهب والمحاصيل الزراعية والبورصة سترفع عائدات صادر خمس سلع فقط هي الصمغ العربي والسمسم والقطن والماشية والذهب من 2.5 مليار دولار في العام إلى 7.7 مليار دولار، كما أن إرجاع شركة الصمغ العربي وشركة الحبوب الزيتية وشركة الأقطان وشركة الماشية واللحوم للعمل سيضمن توريد حصائل الصادر من العملات الأجنبية في القنوات الرسمية مما يزيد حصيلة البلاد من العملات الحرة بينما الواقع الراهن والموروث من النظام السابق هو سيطرة سماسرة على الصادر ويتلاعبون بالحصائل مما أفقد السودان 80% من حصيلة صادراته، وعندما يقترن ذلك مع إيقاف الواردات غير الضرورية والسلع الاستفزازية فإن النتيجة هي تحقيق الوفرة في الدولار، وبالتالي تقوية سعر الصرف ولا يصبح هنالك دعم.

ـ ولماذا لم تطبق الحكومة هذه الحلول؟

هذه مشكلة الطاقم الاقتصادي الذي قاد الاقتصاد خلال عام وأثبت فشله ووصل بالاقتصاد الوطني إلى الهاوية، وهو يصر على السير في ذات الطريق الذي يعني استمرار الأزمة الاقتصادية الطاحنة، والإصرار على زيادة سعر المحروقات باسم التحرير يضر الاقتصاد لأن النفط له اثر اقتصادي كبير جداً على كل القطاعات الأخرى وما يسمي اليوم برفع الدعم هو مجرد رفع لأسعار الوقود سينعكس وبالاً على الشعب المنهك اقتصادياً.

وزارة المالية تتحمل صناعة العجز بسياساتها، والوزير السابق وصف بأن لديه عقلية “مكابرة” في رفع الدعم، والوزيرة الحالية “هبة” تمضي بذات العقلية بقانون وروشتة البنك الدولي، وهم “صفر كبير على الشمال”، لماذا يجعلون البلاد رهينة للبنك الدولي فحتى أمريكا نفسها تدعم، وحتى البديل السلعي المزعوم خيار مرفوض.

 

 

Exit mobile version